العدد 72 - دولي | ||||||||||||||
وفاء عمرو مؤخراً بدأ التحرك الأوروبي السياسي والاقتصادي ضد الحكومة الإسرائيلية اليمينية يأخذ أشكالاً مختلفة في محاولة لإلزامها بقبول حل الدولتين، والتخفيف من وتيرة التسارع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية الذي بات يهدد العملية التفاوضية، وقيام دولة فلسطينية متصلة. وقد بدأت دول الاتحاد الأوروبي بالتلويح بإمكانية عدم رفع مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، حيث من المفترض أن يصوت عليها البرلمان الأوروبي في حزيران/ يونيو المقبل، واذا ما استمرت إسرائيل في توسيع المستوطنات، ومواصلة إجراءات تغيير معالم وديمغرافية مدينة القدس الشرقية، فإن الدولة العبرية ستجد نفسها تحت طائلة الإجراءات الأوروبية التي ستتخذ طابع الإجراءات العقابية ضد إسرائيل، وستطول البضائع المنتجة في المستوطنات اليهودية المقامة على أراضي الضفة الغربية. لقد كانت الدول الأوروبية تتبع في السابق أسلوب الدبلوماسية الهادئة في حل خلافاتها مع إسرائيل، إبان حكومة أيهود أولمرت إيماناً منها بضرورة إعطائها الفرصة لتحقيق السلام، غير أنه في حال فشل الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو في الالتزام بحل الدولتين، فإن التصادم مع الولايات المتحدة وأوروبا يبدو وشيكاً. تقول كارين ماكلاوسكي، المسؤولة في القنصلية البريطانية في القدس: إن رفع مستوى العلاقات الأوروبية مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، يتحدد بموقف الأخيرة من حل الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، وقالت: «إن بريطانيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يسعون للحصول على التزام واضح وسريع من الحكومة الإسرائيلية، باستعدادها لاستئناف المفاوضات على أساس حل الدولتين، ولكي يكون الالتزام ذا معنى، فلا بد من وقف بناء المستوطنات، ووقف طرد الفلسطينيين، وهدم منازلهم في القدس الشرقية، والامتناع عن اتخاذ إجراءات أخرى تزيد من حدة التوتر في المدينة». وكانت بريطانيا العضو الأساسي في الاتحاد الأوروبي، تبنت في العام الماضي مبادرة للضغط على الدول الأوروبية للمصادقة على إجراءات مشددة حيال استيراد بضائع مصنعة في المستوطنات اليهودية، وبعد تشكيل الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو مؤخراً استمرت بريطانيا في الدفع باتجاه التشدد مع إسرائيل، في مسعى يهدف للضغط على إسرائيل لتجميد الاستيطان الذي شكل عقبة رئيسية أمام مفاوضات السلام. في هذا السياق اتخذت إجراءات لا تتعلق فقط بعدم إدخال بضائع المستوطنات للأسواق الأوروبية، وإنما بمساعدة أهالي مدينة القدس الشرقية في مواجهة المخططات الهادفة إلى تهويد المدينة وطرد أهلها وترحيلهم. ورداً على الإجراءات الأوروبية أدارت إسرائيل في الصيف الماضي، معركة دبلوماسية شديدة لإقناع الاتحاد الأوروبي بالتراجع عن نواياه ورفع مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية، ونجحت في إقناع الدول الأوروبية بأن حكومة أيهود أولمرت (السابقة)، ماضية قدماً في مفاوضات الحل النهائي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن ثمة فرصة للتوصل إلى حل سلمي في نهاية العام 2008 الماضي. وهو ما دفع الرئيس الفرنس نيكولا ساركوزي لممارسة ضغود على دول الاتحاد الأوروبي، لمنح إسرائيل فرصة للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، ولمنح حزب كاديما الحاكم فرصة للنجاح في انتخابات شباط/فبراير الماضي، في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تقود مساعي ترمي إلى تجميد الاستيطان، لكنها وجدت نفسها مضطرة للانصياع لقرار الإجماع الأوروبي برفع العلاقات مع إسرائيل. لكن أيهود أولمرت، الرئيس السابق للحكومة الإسرائيلية، لم يتوصل إلى اتفاق مع الرئيس الفلسطيني على مدى سنوات حكمه، فلم يتوقف الاستيطان بل اتخذ شكلاً أكثر حدة وشراسة من قبل، وشنت إسرائيل حرباً واسعة على قطاع غزة أدت إلى قتل أكثر من 1500 فلسطيني معظمهم من المدنيين، وتدمير مئات المنازل والمؤسسات التي بنيت بأموال أوروبية في سبيل دعم السلطة الفلسطينية. وسرعان ما وصل بنيامين نتيناهو إلى رئاسة حكومة تشكلت من حلفائه اليمينيين المتطرفين، التي شرعت في هدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية وطرد آخرين من بيوتهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، وإقامة المزيد من المستوطنات في محيط المدينة بعد أن تم عزلها عن الضفة الغربية تماماً. هذه الإجراءات التي أصبحت تشكل تهديداً أساسياً لعملية السلام، ومستقبل القدس الشرقية التي يعتبرها الأوروبيون مدينة محتلة، وضعت المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين أخذوا على عاتقهم مهمة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) أمام امتحان لمواقفهم الداعية لاحترام حقوق الإنسان ونشر السلام. لذلك بدأ البرلمان الأوروبي بالدعوة للضغط على إسرائيل لتجميد الاستيطان واحترام حقوق الفلسطينيين، ووجد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الشجاعة في اتخاذ مواقف أقرب إلى موقف البرلمان الأوروبي إزاء تعنت إسرائيل ومواقفها السياسية المتصلبة تجاه حل المسألة الفلسطينية. أما بريطانيا التي تحتفط بحق السبق في اتخاذ إجراءات ضد منتجات المستوطنات، فقد اتخذت العام الماضي خطوات عملية للتأكد من عدم انتفاع تلك المنتجات من المزايا التي تتمتع بها التجارة بين إسرائيل وأوروبا، ومنها الإعفاء الضريبي، ولجأت إلى توعية الشعب البريطاني حول الفارق بين البضائع المصنوعة في إسرائيل، وتلك التي تعتبر المستوطنات منشأها الأصلي. وقالت ماكلاوسكي: إن بلادها بصدد إصدار توجيهات للتجار البريطانيين للتأكد من وضع ملصقات على البضائع المستوردة من منتجين فلسطينيين، وتلك المصنّعة في المستوطنات، كما أن حكومتها قد غيّرت تحذيرات السفر لمواطنيها لإفهامهم بأن حقوق ملكيتهم في المستوطنات، قد تتأثر بنتائج أي اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وزّعت بريطانيا مذكرة داخلية للأعضاء الـ 27 للاتحاد الأوروبي أثارت قلق إسرائيل وغضبها، واعتبرتها بمثابة ضغط عليها لوقف الاستيطان. في المقابل بدأت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، تحذو حذو بريطانيا، وبخاصة فرنسا في تشجيع هذه الخطوات وهي التي كانت دفعت في العام الماضي باتجاه رفع العلاقات مع إسرائيل، بعد أن فشلت في تغيير مواقف إسرائيل من الاستيطان والتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. |
|
|||||||||||||