العدد 72 - اقليمي | ||||||||||||||
معن البياري عندما طيّرت وكالات الأنباء والفضائيات في الثامن من نيسان/أبريل الجاري، اتهام النائب العام في مصر المستشار عبدالمجيد محمود، لحزب الله، بالتخطيط لتنفيذ «عمليات عدائية» على الأراضي المصرية، كانت المفاجأة أنه ليس معهوداً من الحزب منذ نشأته قبل نحو ثلاثة عقود قيامه بأي نشاط عسكري أو تنظيمي في خارج لبنان، ولم يحدُث أن سيقت ضدّه اتهامات من هذا النوع، وإن صار يروج منذ أشهر أن علاقات «تدريبية» تربط الحزب بجماعات شيعية في العراق، واليمن، والبحرين. وقبل مطالعة البيان المصري، سارع معلقون إلى اعتبار الاتهامات الثقيلة رداً من القاهرة على الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله لدعوته ضباط وجنود القوات المسلحة المصرية للضغط على القيادة السياسية في بلادهم لفتح معبر رفح، في أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وظهر لاحقاً أن عناصر من 49 محتجزاً، في الخلية التي كانت تخطط للقيام بـ«الأنشطة العدائية»، قُبض عليها قبل أن يندلع العدوان، وأبرزهم المشرف عليها اللبناني محمد يوسف منصور، المعروف باسم سامي شهاب (أبو يوسف)، الذي اعتقلته السلطات المصرية مع آخرين في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وأقرّ بانتسابه إلى حزب الله، وهو ما أشهره نصر الله في العاشر من نيسان/أبريل الجاري. وعنى ذلك سقوط التحليل الذي يربط بين مضمون بيان النائب العام وتعريض نصر الله بالحكم في مصر في لغة اعتبرتها أوساط مصرية، رسمية وأهلية واسعة، تحريضاً على النظام وتدخلاً مرفوضاً. بيان النائب العام كشف أن لدى مباحث أمن الدولة معلومات عن دفع قيادات في حزب الله كوادر في الحزب إلى مصر بهدف استقطاب عناصر لمصلحة التنظيم وإقناعهم بالانضمام إلى صفوفه لتنفيذ «مهمات تنظيمية»، والقيام بـ«أعمال عدائية» داخل مصر، وتدريب عناصر مدفوعة من الخارج على إعداد العبوات المفرقعة. وأن هؤلاء قاموا بتأسيس مشاريع تجارية بأسماء العناصر المستقطبة لاتخاذها ساتراً، والاستثمار في أماكن مطلة على المجرى الملاحي لقناة السويس لرصد السفن التي تعبر القناة، ورصدوا المنشآت والقرى السياحية في شمال وجنوب سيناء ووفروا كميات من المفرقعات. وأشار البيان إلى ارتباط قيادت الحزب بعناصر جنائية لتزوير جوازات السفر وبطاقات شخصية، واستئجار شقق مفروشة في أحياء راقية في مصر لاستخدامها للقاء عناصر حزب الله. البيان ذكر أن المتحفظ عليهم عقدوا دورات تدريبية لعناصر في مصر لنشر الفكر الشيعي، وأن نصر الله كلف مسؤول «وحدة عمليات دول الطوق» في الحزب الإعداد لتنفيذ «عمليات عدائية» في الأراضي المصرية عقب انتهائه من إلقاء خطبته في يوم عاشوراء، التي «تضمنت تحريض الشعب المصري والقوات المسلحة على الخروج عن النظام»، بحسب تعبير البيان. دلل حزب الله على انضباط صارم فيه، حين صمت قياديوه عن أي تصريح عقب الاتهامات المصرية، إلى أن تولى نصر الله نفسه المهمة في خطاب تميز بنبرة هادئة، نفى فيه نفياً مطلقاً أن يكون حزب الله في وارد زعزعة الاستقرار في مصر وأي دولة عربية أخرى، ونفى أي نية لدى الحزب لتنفيذ اعتداءات أو استهداف شخصيات أو مصالح اقتصادية في مصر. وقال إن الموقف الذي اتخذه الحزب من النظام المصري في أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة كان سياسياً. ونفى بشدة الاتهام بنشر التشيع، وسخر من هذه «الأزمة». وأعلن نصر الله أن المهمة التي كلّف حزب الله سامي شهاب القيام بها في مصر هي المسألة الوحيدة الصحيحة التي لم ترد في الاتهامات، وهي «عمل لوجستي على الحدود بين مصر وقطاع غزة لمساعدة الإخوة الفلسطينيين في نقل عتاد وأفراد إلى داخل فلسطين»، وإذا كان هذا جريمة، فإن نصر الله يعترف بها وبفخر بها. فيما التهم المساقة «افتراءات واختلاقات وخيالات»، هدفها تشويه سمعة حزب الله وإثارة الشعب المصري ضده. المعلق السعودي في «الحياة» داود الشريان، وصف خطاب نصرالله بأنه «تصحيح للاتهام»، فيما التدقيق في البيان المصري، يكشف عن تفاصيل يمكن أن تتصل بالعمل «اللوجستي» لدعم المقاومين في غزة، وليس ضرورياً أن يكون نصر الله على اطلاع واف وكامل بما كان شهاب يقوم به ميدانياً في مصر، الأمر الذي لا يعني التسليم بأن المذكور ومن معه كانوا يخططون لاستهداف مصالح وشخصيات مصرية، وهذه تهمة يلزم التحرز من اعتبارها بديهية، ما دامت التحقيقات متواصلة، والقضية برمتها لم توكل إلى القضاء الذي سيحسم التهم، الصحيح منها والمرتجل. بينما اتسم أداء صحف مصرية، رسمية وغير رسمية، راحت تخوض في القضية باستسهال رمت فيه نصر الله بنعوت سلبية وعنف لفظي جارح. وقد كان مناسباً لو أن قراراً قضائياً قد صدر بضبط النشر بشأن القضية، كما جرى في قضية اتهام عضو مجلس الشورى القيادي في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم هشام طلعت مصطفى، بالتورط في مقتل سوزان تميم في دبي. محامي الجماعات الإسلامية منتصر الزيات والمدافع عن المتهم الرئيسي، سامي شهاب، صرح أنه حضر جلسة تحقيق مع موكله، اعترف فيها الأخير بوجوده في مصر وتنقله بين سورية، ولبنان منذ أربعة أعوام، وقال إن الأوامر المعطاة له تقتصر على تهريب أسلحة إلى المقاومة الفلسطينية، وتهريب شبان فلسطينيين إلى داخل غزة، وأنه اتفق مع مهربين من السودان لنقل أسلحة من السودان والصومال مرورا بالأراضي المصرية تمهيداً لتهريبها إلى غزة. الطريف أن صحيفة «القدس العربي» نسبت للزيات قوله إن شهاب تعرض للتعذيب، وأن «الحياة» نسبت له تأكيد عدم تعرض الرجل للتعذيب. في الأثناء، أفيد أن الاعترافات تضمنت تمكّن التنظيم فعلاً خلال ثلاث سنوات من تهريب أسلحة وذخائر ومقاتلين عبر الأنفاق إلى غزة، وأن بعض هؤلاء دخل إلى مصر بجوازات سفر مزورة، وأن مهربين في سيناء عاونوا التنظيم في تهريب أشخاص وأسلحة. وأفيد أن مسؤولاً ميدانياً في حزب الله، يدعى محمد قبلان، تردد على القاهرة، وأمر عناصر الخلية بتوزيع نشاطهم وحركتهم في أكثر من مكان باستئجار شقق في أمكنة مختلفة، وتجنيد شبان مصريين غالبيتهم من أبناء سيناء. غير أن الجوهري في المسألة مع وفرة التفاصيل الدقيقة والمضخمة، أن لدى حزب الله خياره بأن يكون له نشاط من نوع خاص في مصر، ما يعني تنويعا مستجدّاً في مسار عمله، فلم يعد محظوراً فيه أن تتحرك كوادر فيه داخل دولة عربية بجوازات ووثائق مزورة، تقوم بتهريب أسلحة وصناعة متفجرات وتجنيد عناصر، وإقامة اتصالات لتحرك لوجستي أوسع، طال هذه المرة السودان والصومال، وبين المعتقلين والمتهمين لمصريين، ولبنانيين، وسوريين، وسودانيين، وفلسطينيين. ولمّا كان مقصد حزب الله في ذلك كله، على الأراضي المصرية، مساعدة المقاومين في قطاع غزة، فذلك قد يزودّه بمقادير مضافة من الشعبية في غير شارع عربي، غير أن الأمر في واحد من وجوهه الأخرى يؤشر إلى إجازة حزب الله لنفسه القيام بنشاط عابر للحدود وخارق لسيادة الدول، من دون اعتناء بحسابات سياسية واعتبارات أمنية تخص هذه الدول. وإذا أثبتت التحقيقات المصرية المتواصلة أن «خلية» حزب الله اعتزمت استهداف مصالح أجنبية في الأراضي والمياه المصرية، فذلك يثير زوبعة أسئلة، تتعلق بمدى ما لدى العقل السياسي في حزب الله، وداعميه في إيران، من حدود لمغامرات غير محسوبة العواقب والنتائج قد يبادر إليها، وإن تحت مظلة دعم المقاومة الفلسطينية. النشاطات المستجدة والخارجية لحزب الله، تأتي في وقت افتقد فيه الحزب لحرية الحركة في مجاله الطبيعي جنوب لبنان، بعد تفاهمات وقرارات ما بعد عدوان صيف 2006 الإسرائيلي، وقضت بنشر الجيش اللبناني وقوات أممية وبأعداد كبيرة، وسط رقابة صارمة والتزامات من حزب الله مؤكدة، جعلته لا يُقدم على أي نشاط ضد إسرائيل طوال هذه الفترة. وربما يكون سؤالاً في محله ما إذا كان هذا الأمر ما جعل حزب الله يبادر إلى تجريب ساحة مصر، وإن بفاعلية من نوع آخر، لكن الأجهزة المصرية المختصة وقعت على كل المعلومات التفصيلية بيسر، ما سهل إجراءات التحقيق، بحسب منتصر الزيات، ما قد يعني أننا ربما أمام « مغامرة غير محسوبة»، بادرت إليها قيادة حزب الله، عن تصور أن مصر كما لبنان، ويستطيع الحزب أن يفعل فيها ما يشاء، بحسب نقيب الصحفيين المصريين مكرم محمد أحمد. وربما يصدر الذهاب إلى هذه المغامرة عن يقين السيد حسن نصر الله بمشروعية دعم المقاومة والمجاهدين في فلسطين والانتصار لهم، وبأي وسيلة وأياً يكن مدى المغامرة، وهنا يصير للنقاش سياق آخر، يبتعد عن الدول وسياداتها وأمنها وخياراتها. |
|
|||||||||||||