العدد 72 - الملف
 

عطاف الروضان

ولد عودة القسوس في العام 1877، بعد سبعة أشقاء وشقيقات توفي منهم ستة قبل ولادته، كان آخرهم شقيقه عودة الذي توفي قبل خمسة عشر يوما من ولادته، فسمي على اسمه.

ولد عودة في أسرة ميسورة متعلمة، تنتمي إلى عشيرة الهلسا، وكان أخوه حنا أول طبيب في شرق الأردن، وكان تخرج من القدس في العام 1910، وتخصص في باريس.

تلقى تعليمه الأول في مدرسة الروم في الكرك، وكان، بحسب مذكراته، تعليما محدودا يقتصر على مبادئ الدين المسيحي والقليل من القراءة والكتابة، لكنه وكما يقول حفيده الباحث نايف القسوس، تعلم على يد معلم خاص، فدرس اللغة الإنجليزية والتركية والحقوق.

أثناء الحرب العالمية الأولى تعرض وغيره من الزعامات المسيحية إلى الاضطهاد من قبل العثمانيين الذين اتهموهم بالميل إلى الحلفاء، وقام العثمانيون بخطوة استباقية عندما ألقوا القبض على مجموعة من الزعامات المسيحية في الكرك ومادبا.

يروى عودة التفاصيل، ويصف كيف كانت الرسائل تتم بينهم وبين أهاليهم بالرموز، فقد كانت الرسائل تفتح، وكان المراقب، إذا شك في مضمون شيء في الرسالة، يعمد إلى قصّ الجزء المعني، ومن هنا فإنه إن ذكر الأم فهو يعني الكرك، وإن قال الخالة فهو يعني الطفيلة والعمة تعني السلط.

تولى في العام 1920 منصب مدعي عام الكرك، في حكومة الكرك الوطنية، أو كما كانت تسمى “الحكومة العربية المؤابية”، وهي واحدة من حكومات محلية متعدد أنشأها البريطانيون بعد فرض انتدابهم على البلاد، بهدف أن تقوم كل منطقة بتسيير أمورها بنفسها، ولكن حكومة الكرك لم تعمر طويلا، فهي لم تحظ باعتراف دولي، وهذا ما سهل، في رأي عودة، قيام إمارة شرق الأردن بوصول الأمير عبد الله.

آزر القسوس، مثله في ذلك مثل شخصيات وطنية أخرى، حركة التمرد التي قادها الشيخ سلطان العدوان في العام 1923، متحالفا مع عشائر بني حميدة وبني حسن وغيرهم، وهو تمرد جاء احتجاجا على مكافأة الأمير عبد الله عشائر بني صخر على دحرهم الوهابيين بإعفائهم من ضريبة العشر، ومنحهم أعشار قرية ناعور التي كانت تابعة لزعامة العدوان. التحالف بين الوطنيين والقبائل لم يصمد، إذ ضربتهم قوة من سلاح الجو البريطاني والجيش العربي، وانتهى الأمر بلجوء الشيخ سلطان إلى جبل الدروز، وسجن القسوس مع آخرين في العقبة، ومن ثم في جدة، إلى أن أصدر الشريف الحسين بن علي عفوا عنهم بمناسبة مبايعته خليفة على المسلمين.

توفي القسوس في آب من العام 1943، تاركا، إضافة إلى مخطوطة مذكراته التي هي الآن قيد التحقيق، كتاب “القضاء البدوي” الصادر في العام 1936، ومخطوطة “تلخيص الأحكام العدلية في مجلة الأحكام العدلية”.

عودة القسوس: رؤية مثقف مدني
 
16-Apr-2009
 
العدد 72