العدد 72 - الملف
 

ليلى سليم

في خريف العام 1886، جاء المبشر البريطاني وليم ليثيبي وزوجته جين، وأقاما في الكرك سنوات في غرفة استأجراها من عائلة المدانات.

قدر ليثيبي أن عدد سكان الكرك يومها كان يراوح بين 4 و 5 آلاف نسمة، وهو رقم قريب من تقديرات الكاهن تريستران، الذي زار الكرك في العام 1872، وقدر عدد سكانها بثمانية آلاف نسمة.

لم يكن هذا العدد الكبير من السكان في الكرك المدينة الواقعة على التلة، فقد كان عدد كبير من أهالي الكرك يسكن الخيام طوال فترة الربيع والصيف وبعض الخريف، حيث كانوا يعيشون عيشة البداوة.

استأجر المستر ليثيبي وزوجته غرفة، أو ما كان يسمى وقتها (دارا)، وقسموها إلى مطبخ، ومكان للنوم، والاستقبال، حتى المرحاض كان داخل الغرفة، وليس (بيت خارج) كما هو الحال في دور القرية الأخرى، إذ استخدم الزوجان كرسيا مثقوبا وضعا تحته إناء، كان المستر ليثيبي يحمله كلما امتلأ ليفرغه في أرض خلاء. مظهر الدار من الخارج لم يكن يختلف عن غيرها من البيوت الأخرى، ولكن نظافتها وترتيبها الداخلي كان لافتا للنظر.

بناء على طلب الزوجين، بدأت العائلات المسيحية والمسلمة بإرسال أبنائها إليهما لتعلم اللغة الإنجليزية، وكان من أوائل الطلاب الذين تتلمذوا على أيديهما عودة القسوس.

جين ليثيبي كانت حريصة على أن تواظب الفتيات المسيحيات على حضور مدرسة الأحد، حيث كانت تدرس الكتاب المقدس.

كانت تجربة الزوجين فريدة، إذ مزجا التبشير بقراءة الكتاب المقدس بتقديم العلاج الطبي، وكانا يعلمان إلى جانب الإنجليزية التاريخ والحساب وسير بعض العظماء من الحضارة الغربية. وبعض الطلبة امتلكوا مهارات متقدمة، إذ كانوا يقرؤون نصوصا بالإنجليزية لأقرانهم من الطلبة الآخرين.

من دون أن تدري، سجلت جين ليثيبي وقائع يوم في الكرك في تلك الأيام، حين وصفت أوضاعها في البلدة الأردنية آنذاك، في رسالة وجهتها إلى أحد أصدقاء العائلة. وفي ما يلي مقاطع من الرسالة:

“أول ما نفعله هو الصلاة وقراءة نصوص من الكتاب المقدس، بعدها، حتى قبل أن نستطيع ابتلاع إفطارنا من الخبز والبيض والشاي، يكون المرضى جالسين في انتظارنا على البوابة، أو يختلسون النظر إلينا، لهذا أبدأ بتضميد الجراح، ومزج الأدوية مع السيد ليثيبي الذي يكون أثناء ذلك منهمكا أيضا بتدريس اللغة الإنجليزية لأربعة من الأولاد العرب. في الوقت نفسه، يكون عليّ أن أشعل النار في الخارج لتجهيز طعام الغداء في المكان نفسه الذي يتواجد فيها المرضى، وتكون (E) في مدرستها الصغيرة، في ذات الغرفة نفسها المغلقة التي يكون فيها أيضا خمسة أولاد مسلمين آخرين، جالسين على سجادة صغيرة على الأرض، ثم تأتي امرأة تتوسل إلي أن أذهب معها إلى قريب تقول إنه يحتضر، فأترك كل شيء وأذهب مباشرة إلى مركز المدينة، أقدم المساعدة المطلوبة، لأعود وأجد أن الطعام قد نضج أثناء غيابي. بعدها يظهر مرضى آخرون، وينصرف الأولاد لتناول غدائهم. نتناول طعامنا، ولكننا لا نحظى بأي قيلولة بعدها، فالسيد ليثيبي يدرس الإنجليزية لاثنين من العرب الجالسين على الجانب الآخر من الصندوق الذي أكتب عليه. بعد أن ينصرف الاثنان، فإن أربعة آخرين يأتون، وعندما ينصرفون فإننا نرتاح قليلا من التدريس، ولكن بما أنه يوم السبت فإن بعضا من اصحاب الحالات المرضية الصعبة يأتون للمراجعة من أجل العلاج.

إذا كنت أحظى أحيانا براحة، فإنها تكون في الوقت الذي يتعلم فيه الأولاد الأربعة مبادئ القراءة والكتابة بالإنجليزية، في ذات المكان الذي يمكنك تسميته غرفة أو منزلا، ومن المعتاد ألا نستطيع النوم جيدا حتى في الليل. لهذا أعتقد أنك سترى أن كل هذه الأشياء باعثة على الضجر. لا رسائل باستثناء رسالتك، كانت بصيص ضوء من العالم الخارجي”.

منزل ليثيبي: مدرسة، عيادة، ومركز للتبشير
 
16-Apr-2009
 
العدد 72