العدد 72 - الملف
 

نهاد الجريري

مليون دينار شهريا هو حجم الاقتصاد المحلي الذي يضخه الطلبة في محيط جامعة مؤتة. هذا الرقم كان حصيلة دراسة قام بها أستاذ العلوم السياسية في الجامعة مازن العقيلي قبل سبع سنوات.

“يمكن الآن أن نتخيل المبلغ الذي يتم تداوله يوميا”، يعلّق العقيلي، الذي يعيش في المنطقة منذ 17 عاما، وهو يدلل على أثر جامعة مؤتة في تطوير المجتمع المحلي.

عندما باشر الجناح العسكري من جامعة مؤته عمله في الموقع الحالي العام 1984، والجناح المدني بعد ذلك بعامين في 1986، لم تكن مؤتة “المكان” أكثر من مجرد قرية. الدكتور ذياب بداينة أستاذ علم الاجتماع الذي يعمل حاليا نائبا لرئيس جامعة الحسين في معان، يذكر بدايات مؤتة ويقول: “كان فيها دكانان، فيهما، شتاء، من ‘بكستين‘ برتقال، وصيفا ‘بكسة‘ عنب، وأخرى تين”. بداينة أصدر دراسة في العام 2006، قال فيها إن عدد المحال التجارية والمطاعم والعيادات الطبية أصبح نحو مئة وثلاثة، فيما بلغ عدد تراخيص البناء على مدى العشرين عاما الماضية نحو ثلاثة آلاف وخمسمئة.

يتفق الاستاذان الجامعيان على أن جامعة مؤتة أحدثت أثرا في المجتمع من حيث النمو الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة سكان الجنوب، وتشغيل أبناء المنطقة، إما بالعمل مباشرة في الجامعة، أو من خلال الاستثمارات المصاحبة للخدمات المقدمة لطلاب الجامعة.

يُضاف إلى ذلك أن الجامعة، بحكم وجودها الجغرافي في المنطقة الجنوبية، ساعدت على نشر التعليم الجامعي بين أبناء المنطقة، وبخاصة الفتيات.

يشرح ذياب أنه بوجود الجامعة لم يعد ثمة ما يمنع المرأة، تحديدا، من متابعة تعليمها الجامعي؛ “فلا تضطر إلى السفر إلى عمان والإقامة في سكن داخلي وما شابه”. العقيلي يعمم الفائدة ويقول إنه “حتى بالنسبة للذكور فإن الإقامة والمواصلات مكلفة”. إحصاءات رسمية تشير إلى أن نسبة الطلبة في الجامعة من سكان مدينة الكرك تبلغ 41%.

محمد خير مامسر، وزير الشباب والرياضة الأسبق، والذي عمل رئيسا لجامعة مؤتة بالوكالة في الفترة من آذار/مارس 1993 إلى أيلول من العام نفسه، لا يذيع سرا عندما يقول إن إدارة الجامعة كانت تمنح أبناء الجنوب من 10 إلى15 نقطة لتعزيز موقفهم في قوائم الابتعاث إلى الخارج.

ويذكر مامسر أن الجامعة، في بداية التسعينيات، كانت معنية بالتواصل مع المجتمع المحلي، ويقول إنه عندما كان عميدا لشؤون طلبة الجامعة، كان يذهب ورئيس الجامعة، محمد عدنان البخيت، للمشاركة في أفراح المجتمع المحلي وأتراحه “كنا ندخل المجتمع، وبدأنا نعد نشاطات رياضية وثقافية وندعو الجمهور إليها ولما يكن لدينا مدرج كما هو الأمر الآن”.

ولغاية التواصل نفسها، يقول مامسر، فإن إدارة الجامعة تعمدت في فترة من الفترات ألا تبني مساكن للطلبة، حتى تتيح المجال للمجتمع المحلي للإفادة من تأجير شققهم ومبانيهم، والانخراط مع القادمين الجدد.

العمل الطلابي داخل الجامعة لم يكن بالمستوى الذي شهدته الجامعتان: الأردنية واليرموك. في كتابه الحركة الطلابية الأردنية 1948-1998، يكاد المؤلف سامر خرينو ألا يذكر مؤتة إلا في مواقع محدودة. يقول في الصفحات الأولى من الكتاب: “أما جامعة مؤتة فقد ظل جناحها المدني يتطور ببطء من حيث عدد الطلبة حتى منتصف التسعينيات، ربما نتيجة قربه العضوي من الجناح العسكري، إذ عملت الجهات الحكومية باستمرار على تعطيل موارد العمل السياسي في أوساط طلبة الجناح المدني ومنع نموه خشية امتداده للجناح العسكري الذي يخرج ضباطا جامعيين”.

لكن مامسر، يتحدث بكثير من الفخر عن تجربته في مؤتة، خاصة عندما أشرف على أول انتخابات لاتحاد الطلبة فيها. وهو يروي أن المشاركين في الانتخابات كانوا يمثلون 15 توجها سياسيا في المملكة. وللتدليل على هذا التنوع، يروي كيف أنه عندما سيطر أنصار الحركة الإسلامية على الاتحاد في تلك الانتخابات، جاءه شبان من التيارات اليسارية يشكون عدم تمكنهم من ممارسة نشاطات طلابية بسبب خلافهم مع الإسلاميين. فما كان منه إلا أن أنشأ جريدة حائط لتكون متنفسا لأي تنظيم أو تيار آخر. أطلق على جريدة الحائط تلك اسم “Hyde Park” على اسم الزاوية الشهيرة في الحديقة اللندنية المعروفة بالاسم نفسه.

ولا يذكر العمل الطلابي في مؤتة من دون أن يذكر ما حدث في الشهر الخامس من العام 1993، عندما اتهمت مجموعة من طلبة الجناح العسكري في الجامعة بالتآمر على الدولة؛ وحكم عليهم بالإعدام، لتتم تبرئتهم بعد أربعة أشهر بقرار من محكمة التمييز.

يروي مامسر أنه لم يكن على علم بالاعتقال، ويؤكد أن المسألة لم تكن لتتطور إلى ذلك الحد لو منحت الجامعة الفرصة لتولي الأمر والسيطرة عليه. ويؤكد: “كانت لدي قناعة ببراءتهم”؛ وهو يرى أن إدارة الجامعة كانت تعرفهم جيدا وتعرف توجهاتهم ولم تشك يوما في أنهم قد يرقون إلى مستوى التخطيط الذي اتهموا به.

بأي حال، مامسر استقال من رئاسة الجامعة احتجاجا على الطريقة التي تم بها تناول تلك المسألة.

في الشهر الخامس من ذلك العام، صدر قرار بفصل الجناح العسكري عن المدني. لكن مامسر يؤكد أن الفصل لم تكن له علاقة بأحداث تلك الأشهر الأربعة. ويوضح أنه كان من عرابي الفصل، وذلك مراعاة لأحوال طلاب الجناح العسكري. “فهم يستيقظون عند الفجر، ويستمرون في التدريب والدراسة حتى ساعات الليل، أما طلاب الجناح المدني، فيتمتعونه بقدر أكبر من الرفاهية”. ويزيد “خشينا من أن يتعرض طلبة الجناح العسكري لتأثير نفسي سلبي”.

في جانب آخر، يلمح البعض إلى أنه بعد تلك الأحداث، تم إلغاء التخصصات العلمية في الجناح العسكري. لكن مامسر يقول إن الإلغاء طال تخصصات الهندسة فقط وذلك لأن الوحدات العسكرية للجيش كانت أحوج إلى تخصصات في الإدارة والأعمال والرياضيات والفيزياء والحاسوب أكثر منها في الهندسة المدنية والمعمارية والميكانيك وغيرها.

جامعة مؤتة: انتعاش اقتصادي تجاوزَ الدور التنويري
 
16-Apr-2009
 
العدد 72