العدد 72 - الملف | ||||||||||||||
ابراهيم قبيلات في العام 1910، كانت الكرك، تئن تحت وطأة الضرائب ومصادرة الأراضي من أصحابها، وبخاصة بعد صدور “فرمان” ينص على الخدمة الإجبارية وجمع الأسلحة وقطع رواتب المشايخ. تزامن ذلك مع رفض والي سوريا، فاضل باشا، الموافقة على تعيين قدر المجالي عضوا في مجلس إدارة لواء الكرك رغم انتخابه. أدى ذلك إلى اشتعال الهية التي دُبر أمرها بليل، فقد كان التخطيط لها على مستوى عال من السرية، إذ اجتمع قادة الكرك والعشائر البدوية المنتشرة حول ريفها، وقرروا إعلان العصيان على قرارات الحكومة العثمانية ليلة 22 تشرين الثاني /نوفمبر 1910. لم يساورهم الشك حينها حول رد فعل الآستانة العنيف على مثل تلك الخطوة بعد أن وصلت أنباء ما قام به العثمانيون لإعادة الأمن والنظام بين الدروز والحوارنة في العام نفسه في منطقة حوران، حيث دفعت الأحداث الحكومة العثمانية إلى تسيير جيش بإمرة سامي باشا الفاروقي، لبسط الأمن هناك. تلك الحادثة فتحت شهية القائد التركي سامي باشا لتسجيل المزيد من الانتصارات بقمع التحركات الشعبية بالقوة العسكرية فتحرك على رأس قوة عسكرية إلى الكرك لكسر شوكة أهلها، وفي تشرين الأول/ أكتوبر أرسل رسالة إلى طاهر بك، متصرف الكرك، وهو”عربي المنبت”، يطلب فيها جمع السلاح من أبناء الكرك، والبدء في عملية إحصاء كل من هو في سن الشباب، لابتعاثهم إلى بلاد “الروملي” وهي الدول العثمانية في أوروبا دول البقان، بحسب مذكرات عودة القسوس، الذي سجل وقائع “هية الكرك”. تضاربت ردود فعل قيادات الكرك على رسالة الفاروقي، ففيما رفض قدر المجالي، شيخ مشايخ الكرك، أمر القائد العثماني، كان موقف قريبه رفيفان المجالي رئيس البلدية آنذاك، مخالفا لرأي قدر فأخذ ختمه ليعلن للموجودين قي دار البلدية نبأ موافقة قدر على مضمون الكتاب، وأُرسل الجواب إلى سامي باشا الذي ابتهج بما حققه دون إخبار الوالي إسماعيل باشا، ثم شرع في ترتيب ما يلزم لتنفيذ مطالبه، بإرساله قوة عسكرية بقيادة أمير اللواء شاكر باشا إلى الكرك. وحينما تيقن الناس من عزم القوة العثمانية تنفيذ ما أمرت به؛ بدأوا يتشاورون فيما بينهم بعيداً حتى عن أنظار المسيحيين؛ حرصاً منهم على عدم فضح أمرهم، وعقد قدر المجالي ديوانيات اجتمع فيها بعشيرتي الطراونة والصرايرة، وأثناء اجتماعهم وتباحثهم في أمر “الهية” بدأت أفواج من الخيالة تعبر باتجاه الطفيلة، فشاهدهم بعض الشباب الذين استشاطوا غضباً وشنوا عليهم هجوما استخدموا فيه السلاح، لتكون هذه الحادثة السبب الرئيسي في تقديم موعد “الهية” يومين من موعدها. وحتى لا يفضح أمر الثوار ويصل خبر الحادثة إلى المتصرف أو غيره من المسؤولين، لم يجد هؤلاء بداً من متابعة ما بدأوا به، فراحوا يرسلون إلى مشايخ العشائر لقتل كل من هو بقربهم من الجنود والموظفين، الذين كانوا هناك لتنفيذ ما أمرهم به سامي باشا من إحصاء لأبناء الكرك، والدفع بهم إلى حرب البلقان. لكن الخبر ما لبث أن وصل، وعلى الفور هب أهل الكرك لقتل من كان موجوداً في قراهم من موظفين وجنود، وفي فجر اليوم التالي هاجم الثوار دار الحكومة، واشتعلت ألسنة النيران في الدار. وصل قدر المجالي مساء ليلة 22/تشرين الثاني/نوفمبر ومن معه إلى أسوار قلعة الكرك، وانتظروا حتى الفجر، فأضرموا النار في البيوت وأحرقوا من لم يرمَ بالرصاص من الجنود والموظفين، واستمر الحال إلى أن ظهر فريق من الجنود الذين كانوا يقيمون قرب دار الحكومة، وقاوموا الثوار حتى تمكن بعض الموظفين والجنود من الهرب للقلعة، فلم يستطع الثوار الوصول إليهم. وانتهت هذه الجولة بغلبة الثوار الذين زاد عددهم بعد أن عم الخبر العشائر المجاورة، إذ امتدت ألسنة الثورة إلى ذيبان والطفيلة ومعان؛ وفي النهاية استولى الثوار على المدينة فنهبوا ما احتوت عليه بيوت الجنود والموظفين، وهاجموا السكة الحديدية والقطارات والمحطات وهم ينشدون: “يا سامي باشا لا نطيع ولا نعد عيالنا لا نهاب الموت ذبح العساكر كارنا” في تلك الأثناء بدأ المسيحيون في اللجوء إلى قرية الحمود، ظناً منهم أن المسلمين، بعد أن يتمكنوا من طرد العثمانيين، سيبسطون أيديهم على ممتلكاتهم ويسفكون دماءهم. وفي الأول من كانون أول/ديسمبر من العام ذاته، وصلت الكرك قوة مساندة للجنود الأتراك. وحين دخلت القوة المدينة وجدتها خاوية على عروشها وأن الثوار قد انسحبوا من المدينة، فبدأت القوة في قتل كل من صادفته، ودخل جنود القوة البيوت وأعملوا فيها الدمار، باستثناء المسيحيين، فقد أمر قائد القوة بحمايتهم بعد أن أمرهم بوضع الصليب على بيوتهم وصدورهم، ليتسنى له معرفتهم، بحسب ما ورد في مذكرات عودة القسوس. الثوار بدورهم لجأوا إلى سراديب وجبال وعرة يختفون فيها طلباً للنجاة، إلا أن هذه المراوغات لم تحمهم من بطش الجنود، فداهمت القوات مخابئهم وقتلت من ألقي القبض عليه، وهرب من استطاع إلى ذلك سبيلا، حتى وصل إلى البحر الميت، فأعلنت الحكومة أن من يسلم نفسه سيحظى بحسن المعاملة، فحضر من حضر وأبى من أبى، ولم يكن إعلان الحكومة بأكثر من وسيلة جذب لقتلهم ونهب ممتلكاتهم. |
|
|||||||||||||