العدد 72 - الملف | ||||||||||||||
عطاف الروضان “كانوا يطعمونا لحمة، ويرشونا بماء الورد، ويوزعوا صور الحسن والحسين. كنا نتسلى بطقوسهم لما ييجوا”. هكذا يصف أبو محمد، أحد سكان بلدة المزار الجنوبي في محافظة الكرك، (140 كم جنوب عمان)، زيارات الشيعة العراقيين للمقامات المقدسة لديهم في المزار، منذ العام 1993، إذ تعد المنطقة مزاراً مقدساً للشيعة لتواجد أضرحة الصحابة والشهداء الذين استشهدوا في معركة مؤتة “جعفر بن أبي طالب و زيد بن حارثة و عبد الله بن رواحة”. يتابع أبو محمد “هسا بطلو يطولوا؛ خمس دقايق إلى ساعة بيصلوا وبيتمسحوا بالمقامات وبيروحوا، ناس مسالمين ومسلمين، قرايبنا وعيال عمنا». هذا التسامح تجاه الشيعة من زوار المقامات، طرأ ما عكر صفوه ما حدث في آب/أغسطس عام 2007، إذ منع أهالي محافظة الكرك حافلات تضم سياحا من الشيعة من جنسيات مختلفة العراق، إيران، لبنان، الهند، السعودية وغيرها، كانوا يعتزمون زيارة مقامات الصحابة في المزار الجنوبي بمناسبة ذكرى استشهاد الحسين بن علي. تدخلت السلطات الأمنية لمنع أي اشتباك وأعادت الحافلات التي كانت تقل الشيعة وطلبت منها العودة. تقارير صحفية، عزت الغضب الشعبي إلى ما اعتبروه دورا للشيعة في دعم الاحتلال الأميركي للعراق. وأصدر الأهالي آنذاك بياناً نشرته وكالة عمون الإخبارية، ذكروا فيه أنهم قرروا إطلاق اسم الرئيس العراقي الراحل صدام على شارع في إحدى قراهم يؤدي إلى مقام يقدسه الشيعة، معلنين أنهم هذه المرة، وللعام الثاني على التوالي يرفضون إقامة أي احتفالات دينية شيعية في مدينتهم. في كانون الثاني/يناير 2008 أحيا أبناء الطائفة الشيعية ذكرى عاشوراء (ذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب) في المزار، في ظل استعدادات مكثفة للأجهزة المختصة في اللواء لاستقبال الزوار الشيعة. يقول أبو محمد «زمان كان نفسنا مع صدام حسين، الآن نتعامل معهم عادي، ما لازم حدا يتعصب لملة، مشيراً إلى حديث نبوي مضمونه أن الإسلام سبعه وسبعين شعبة». وروي قصه، لأحد سكان المزار، «اتهم بالتشيع» لأنه كان يبيع قوالب من الطين من تراب المقامات يصنعه في دكانه ويبيعه بستين قرشاً لحجاج من الشيعة»، فأغلق دكانه وغادر المنطقة، يتساءل أبو محمد «الله يسامحهم يعني شو بده يبيع للشيعة قرآن وأحاديث...!؟» محمد الصرايرة نائب مدير مديرية أوقاف المزار، يقول «الآن أعداد الزوار الشيعه خفت، ولكنهم ما زالوا يأتون بأعداد أقل وبطريقة هادئة ومنظمة، أي لا يقومون بطقوسهم (اللطميات) كما في السابق، وهو ما كان يثير حفيظة الأهالي آنذاك». أعداد الزوار بدأت في الانخفاض منذ احتلال الجيش الأميركي للعراق العام 2003، ووصل عدد الزوار العام الماضي زهاء 300 زائر فقط. بحسب إحصاءات مديرية الأوقاف هناك. بادرت الحكومة الأردنية بتنظيم زيارات الشيعة للمقامات منذ عام 1999، بالبدء في مشروع تطوير الأضرحة في المزار الجنوبي، حيث تملكت الحكومة الأراضي الواقعة حول الأضرحة ضمن توجه لتنظيم ما عرف اصطلاحاً باسم «السياحة الدينية». هذا المشروع أنهى، إلى حد ما، «ممارسة الزوار لطقوسهم كما في السابق وخاصة طبخ الطعام وتوزيعه على الحجاج وعلى المواطنين الراغبين بذلك»، بحسب الصرايرة. وأكد أن المديرية تقدم خدمات للزوار، ماء وحمامات، وحراسات أمنية؛ «في كل مقام قوة أمنية يراوح عددها ما بين 4-5 أفراد». من بين طوائف الشيعة التي تزور المزار هناك طائفة مثيرة للاهتمام بالنسبة للأهالي هناك، فهي كما يقول الصرايرة مسالمة أكثر في طقوسها، وهي طائفة البهرة، ينظم زيارتها للمزار «شاب ثلاثيني من أحد أتباعها يدعى شابير، وهو مقيم في المزار، عينه سلطان البهرة لهذه الغاية، ويتقاضى راتباً وبدل سكن من طائفته». البهرة إحدى فرق الشيعة الإسماعيلية، يرفض إتباعها العمل في السياسة ويركزون على التجارة، كانوا في مصر في العصر الفاطمي، ثم هاجرو وانتقلوا من بلد إلى أخر حتى استقروا جنوب الهند، اندمجوا في المجتمع الهندي المتسامح مع تعدد الأديان. هذا العام خلت أضرحة الصحابة ومقاماتهم في مدينة المزار الجنوبي في محافظة الكرك عشية يوم عاشوراء الذي صادف السادس من كانون الثاني/يناير 2009، من الزوار الشيعة، وبخاصة من العراقيين المقيمين في الأردن الذين اعتادوا طوال خمسة عشر عاما على إحياء ذكرى عاشوراء في مقام الصحابي جعفر بن أبي طالب. نائب مدير مكتب الأوقاف الإسلامية في المزار الجنوبي محمد عبد الحميد الصرايرة عزا غياب الشيعة عن الاحتفال هذا العام إلى مشاركتهم بالاحتفالات في العراق. يقول ضابط خدم في المزار فضل عدم ذكر اسمه إن الشيعة بدأوا القدوم للكرك للاحتفال بذكرى عاشوراء العام 1993. “كانت تصل أعداد الزوار والمحتفلين الشيعة إلى 15 ألف زائر، كان معظمهم يثير سخط الأهالي، وربما استغرابهم في بعض المرات، حين يبدأون ممارسة طقوسهم التي تستمر أياما تصل إلى خمسة”. اليوم لا يكاد الشيعة يصلون إلى المقامات حتى يغادرونها بعد ما يقارب الساعة، يصلون ويتبركون بمقاماتهم المقدسة، ويغادرون، وما زال في خاطرهم توجس من الرفض مرة أخرى، وهو توجسات مستمرة رغم التأكيدات الرسمية المقرونة بالفعل لتسهيل زيارتهم بشكل كبير، في ظل عودة قناعة لدى الأهالي بالترحيب بهم في منطقتهم. لكن ذلك لا يعني أن زيارة قبور الصحابة في المزار حكر على الشيعة، “فهنالك أعداداً كبيرة من الأردنيين السنة تزور المقامات بشكل منتظم ومتزايد”، بحسب نائب مدير مديرية أوقاف المزار محمد الصرايرة. |
|
|||||||||||||