العدد 72 - الملف
 

محمد علاونة

ينوي محمود القرالة العودة إلى مدينته، الكرك، بعد سبعة أعوام قضاها في العمل مدرسا في عمان، فمرتبه لم يعد يكفي لمتطلبات الحياة اليومية من مأكل وسكن واحتياجات أخرى.

القرالة البالغ من العمر 30 سنة، ولديه طفلان يقول إن “المعيشة في عمان أصبحت لا تطاق، في الكرك نستطيع الاكتفاء ذاتيا، فلدينا المياه النقية ومنتجاتنا من اللحوم والألبان”.

يرتكز اقتصاد الكرك بشكل أساسي على رعي المواشي وزراعة القمح والشعير، وعلى منتجات الألبان وبخاصة السمن والجميد التي يصنعها في المنازل عدد كبير من النساء، عدا عن منتجات أخرى من حليب الماعز والغنم الذي يصنع للاستهلاك المنزلي.

كما يزرع أهالي الكرك الزيتون الذي تستعمل منتجاته من زيت وزيتون للاستهلاك المنزلي وقد يوزع محليا إذا كان ذلك بكميات تجارية. ويزرعون أيضا بعض أنواع الفاكهة والخضار، مثل العنب والتفاح الذي يستخدم أيضا للاستهلاك المنزلي، كما تزرع الخضار، وبخاصة

البندورة التي تزرع في منطقة الأغوار وبعض المناطق المرتفعة، بحسب القرالة.

وبعكس ما ينوي القرالة فعله، فإن دراسة أعدها برنامج التطوير المستدام للأعمال وضمان جودتها (سابق)، الممول من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فإن بيئة الكرك أصبحت طاردة للسكان بسبب اضمحلال التمنية في المنطقة بجوانبها كافة.

الدراسة التي أشارت إلى أبرز نقاط الضعف التي تواجهها المحافظة، تحذر من نسبة البطالة العالية في الكرك والتي بلغت 24 في المئة، حيث تعاني الكرك من الفقر الشديد. ولاحظت أن معظم سكان الكرك من الشباب، مشيرة إلى أن هذه الميزة تعتبر نقطة قوة فإنها في الوقت نفسه تعتبر نقطة ضعف، خصوصا عند النظر إلى الزيادة المتواترة في عدد الأفراد الذين يدخلون إلى سوق العمل كل عام، في الوقت الذي تعاني فيه فرص العمل التي توفرها السوق من محدودية واضحة.

وتعاني المنطقة أيضا من قدرتها المحدودة على جذب مستثمرين محليين وأجانب.

ومن العوامل التي تجعل الكرك مدينة طاردة لسكانها، عدم فعالية الخدمات، بما فيها الخدمات اليومية التي تقوم بها البلدية، حيث إن خدمة جمع النفايات وإدارتها غير فعالة، ويعاني المرور من سوء في التنظيم، ما يحوله مشكلة أساسية في مدينة الكرك بسبب ضيق الشوارع ونقص مواقف السيارات. وفي الإطار نفسه، يمكن الإشارة إلى تهرؤ شبكة المياه التي أصبحت قديمة وتحتاج إلى تغيير، والأمر نفسه ينطبق على الكهرباء التي يعاني أهل الكرك من انقطاعها من وقت إلى آخر. يضاف إلى ذلك كله مستوى عال من البيروقراطية. كما تلعب المعوقات الثقافية دوراً مهما في تشكيل التشاركات واختيار الموظفين.

العوامل السلبية السابقة أثرت على الأنشطة الاقتصادية الأساسية في المنطقة؛ الزراعة، السياحة، التعدين، والصناعة. وهو ما يؤكده وزير الداخلية الأسبق، سمير الحباشنة، الذي لا يرى اختلافا بين الوضع الاقتصادي المتردي لمحافظة الكرك والمحافظات الأخرى، والتي وصفها بأنها “قرى كبيرة”، نتيجة تركز النشاط الاقتصادي في عمان والزرقاء على حساب المحافظات الأخرى.

وعودة إلى نقاط القوة التي أشرنا إليها سابقا، فإن محافظة الكرك تتمتع بالعديد منها والتي يمكن، في حال استثمارها جيدا، أن تخلق الفرص لتحسين النمو والوصول إلى درجة من أكبر من التنافسية التي تتمتع بها الآن. فالمحافظة غنية بالعديد من المصادر المعدنية والطبيعية، وتتمتع بعدد من المواقع السياحية والأثرية التي يمكنها أن تساهم في إنعاش صناعة السياحة، فمدينة الكرك تحتضن القلعة التاريخية، التي مازالت أهم معلم تاريخي وأثري في المحافظة، لكنها فقدت مكانتها وأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية التي كانت تتمتع بها على مر العصور، بحسب برنامج “سابق”.

غير أن زوارا عديدين ما زالوا يترددون على قلعة الكرك من الدول الأوروبية خصوصا من فرنسا وأسبانيا وايطاليا والمملكة المتحدة، لما لعبته هذه القلعة من دور في تاريخ الحروب الصليبية، وتقدر نسبة زوار القلعة بنحو 80 في المئة من إجمال عدد زوار المحافظة.

وثمة مواقع أثرية أخرى مثل قلعة القطرانة و مواقع أثرية في القصر، الربة، شقيرا و نخل وذات رأس ومحي والأغوار والعديد من الكهوف الأثرية القديمة. وهناك أيضا ينابيع وادي بن حماد المعدنية الحارة وعين سارة وسيل الكرك والعينا وغابة اليوبيل ووادي الموجب وجميعها معروفة بجمالها الطبيعي.

أما قطاع الزراعة في المحافظة، فيعاني من ثلاث تحديات أساسية أبرزها التمويل حيث أن التمويل الذي يحصل عليه المزارعون محدود جدا، والجمعيات الزراعية التعاونية غارقة في الديون بسبب سوء إدارة مشاريع الإقراض المتنوعة للمزارعين الأعضاء.

الحباشنة يرى أن هنالك حلا لذلك، من خلال إعادة توزيع الحيازات التي لم يعد لها جدوى حاليا، يقول: “في السابق كانت العائلة تحصل على 15 دونما على أقل تقدير، أما الآن، وبسبب توزعها على الورثة، فلم يتبق منها سوى 3 دونمات فأقل، ما يستدعي، بحسب الحباشنة، إعادة تقييم التوزيعات ومن خلال جمعيات تعاونية تكون ملزمة”.

المدير العام لمؤسسة المدن الصناعية عامر المجالي، لا يرى أن الكرك طاردة لسكانها بعد وجود ما وصفه بـ “النقاط التنموية” التي تستقطب السكان مثل جامعة مؤتة ومدينة الحسين الصناعية.

المجالي يؤكد توفر البنية التحتية لتلك النقاط من مياه وكهرباء، وأن هناك عمليات تنظيم شاملة دفعت بالكثير إلى العودة لمدينة الكرك.

لكن وضع إدارات أكبر مصانع وطنية في المملكة؛ البوتاس والفوسفات في العاصمة عمان، زاد من ضعف قدرة المحافظات على محاربة البطالة، بحسب الحباشنة الذي يعتقد أنه “بعد تطبيق اللامركزية، وضمن تخصيص مبالغ من موازنة الدولة للمحافظات تصرف بعناية، فإن في الإمكان تحويل تلك القرى إلى مدن حقيقية”.

البيروقراطية وضعف البنية التحتية جعلت الكرك طاردة لسكانها
 
16-Apr-2009
 
العدد 72