العدد 72 - بلا حدود
 

المسؤولية الاجتماعية للشركات موضوع حديث نسبياً في الثقافة الوطنية، وإن كانت جذوره قائمة في ممارسات مجتمعية بمسميات أخرى. أنشطة متواترة للترويج لهذا “الضيف الجديد” نهض بها مركز الأردن الجديد للدراسات، وتوجت مؤخراً بنشاطين بارزين؛ الأول هو انعقاد “السوق الاجتماعية الوطنية الأولى” والتي عرضت فيها مؤسسات أهلية وخاصة تجارب متقدمة لها في مجال المسؤولية الاجتماعية أمام حشد من عشرات المؤسسات والفعاليات. والثاني هو إشهار “المنتدى الوطني للمسؤولية الاجتماعية”. للتعريف بمفهوم المسؤولية الاجتماعية وتطوره، ودور المنتدى، تحاور “السجل” هاني الحوراني مدير مركز الأردن الجديد، وواصف عازر الناشط في مجال المسؤولية الاجتماعية وصاحب الخبرة في عمل القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأهلية.

“السجل”: ما المسؤولية الاجتماعية؟.

- هاني: إنها تعني أن تكون الشركات منسجمة في أعمالها وأنشطتها مع توقعات المجتمع، وأن تستجيب للمتطلبات القانونية والأخلاقية والقيمية والبيئية في لمجتمعاتها. وإذا أرادت الشركة كسب ثقة أصحاب المصالح من زبائن ومستهلكين ومستخدمين ومساهمين ومجتمع محلي، فإن عليها الإسهام في التنمية المستدامة لمجتمعها. ويمكن أن تأخذ مساهمة الشركة أشكالاً مختلفة، مثل حماية موارد المجتمع من الاستنزاف الجائر، حماية البيئة، الحرص على جودة منتجاتها من سلع أو خدمات، وعدم إلحاق الضرر بصحة المستهلك. وإلى جانب ضرورة التزام الشركة بالقوانين الناظمة لعلاقات العمل، فإنه يمكنها أن تمارس مسؤوليتها الاجتماعية بتحسين كفاءة مستخدميها، والاهتمام بتطوير المجتمعات المحلية. وفكرة المسؤولية الاجتماعية تطورت بالأساس نتيجة ضغوط القوى الاجتماعية والعمالية، ثم بنتيجة حركات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، لكنها تحولت لاحقاً إلى نوع من الالتزام الطوعي من جانب الشركات، التي باتت تدرك أن التزامها تجاه العاملين والمستهلكين والمجتمع المحلي والبيئة، يحسن من سمعتها ومن الإقبال على منتجاتها ويرتقي بإنتاجيتها ويسهل حصولها على التمويل ويرفع قيمة أسهمها.

“السجل”: كيف يصف واصف عازر تجربته في المسؤولية الاجتماعية للشركات؟.

- واصف: أول تجربة لي كانت في شركة مناجم الفوسفات التي عملت فيها نحو عشر سنوات. كانت الشركة تعمل في مواقع متعددة من الرصيفة إلى العقبة، تشتمل على مناطق سكانية فقيرة، وكان لا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار. الشركة وفّرت لعمالها وعائلاتهم التأمين الصحي، ومنحت العمال الزيادات السنوية والمكافآت. وساهم ذلك في تطوير علاقة الشركة مع النقابة العمالية. على هذه الخلفية تتضح أهمية النظرة التكاملية في المسؤولية الاجتماعية بين الشركات، وبين التجمعات النقابية والمهنية والمواطنين بحيث لا تهيمن جهة على أخرى. كذلك تعاونت الشركة مع البلديات، وكان التشغيل يعتمد على القوى العاملة المحلية. والتزمت الشركة بدعم مشاريع الجمعيات بنصف مليون دينار، من خلال صندوق الملكة علياء لنحو عقدين من الزمن. كما عملت الشركة على تصحيح الآثار البيئية في الرصيفة بتسوية الحفريات وزرع أشجار ومد أنابيب مياه لسقايتها. وفي الجنوب تم إقامة سد للمياه في الأبيض، واستغلال الحفريات لأغراض الحصاد المائي. أما بخصوص البنك الأهلي الأردني، فقد كان مجلس إدارة البنك متنبهاً لمسؤوليته الاجتماعية تجاه العاملين فيه. وتركزت رسالة البنك تجاه المجتمع على جانب التوثيق والأرشفة، بما يعرّف بالموروث الحضاري من خلال العملة القديمة، ونشر الكتب لا سيما حول تاريخ الأردن الاجتماعي والمدن وغير ذلك.

“السجل”: هل هناك تراث عربي يدعم مبدأ المسؤولية الاجتماعية؟.

- هاني: نعم هناك جذور للمسؤولية الاجتماعية في الثقافة العربية الإسلامية نلمسها من خلال الوقف. فالوقف لم يكن لبناء المساجد فقط، وإنما كان يغطي أنشطة أخرى مثل بناء دور العلم ورعاية العلماء. وساهم رجال ونساء في إيجاد وقفيات. بهذا تمثل فكرة الوقف نوعاً من الترجمة للمسؤولية الاجتماعية لدى المقتدرين، تجاه احتياجات عامة مثل دور العلم والمستشفيات والمكتبات العامة. وهناك في التراث العربي الإسلامي كثير من الأمثلة على ذلك. وهناك راهناً حركة لاستحضار هذا التراث، واستثمار للوقف في اتجاهات حديثة، مثل مكافحة الفقر والتعليم. كذلك هناك الآن جهود لتطوير العمل الخيري إلى عمل تنموي، وإلى إعطائه طابع الانتظام والاستدامة، بحيث يتحول لدى المؤسسات إلى إستراتيجية تعكس فلسفتها الاجتماعية الخاصة.

“السجل”: ماذا يعني إيجاد منتدى للمسؤولية الاجتماعية؟.

- واصف: تابعت باهتمام كبير أنشطة مركز الأردن الجديد للدراسات، ومساعيه المتواصلة لتجذير المسؤولية الاجتماعية في الأردن. وشاركت في لقاء دعا إليه المركز وشارك فيه ممثلون عن الشركات ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات الأعمال ومهتمون، وتم التباحث فيه بفكرة بمأسسة الالتزام نحو المسؤولية الاجتماعية لكل الشركاء المعنيين. وتمخض عن ذلك اللقاء تشكيل هيئة تأسيسية، تتخذ من مقر مركز الأردن الجديد منطلقاً لعملها حتى تستقطب عضوية شركات ومؤسسات وأفراد مهتمين ،لانتخاب هيئة بمسمى مجلس أمناء أو مجلس إدارة، لتنمية الموارد لتعطي أفضل النتائج، وتجنب الازدواجية التي لا مبرر لها، وإعطاء الفكرة المكان اللائق الذي تستحقه ووضع برامج للتدريب والتأهيل للأطراف المعنية.

“السجل”: ماذا تمثل السوق الاجتماعية للشركات التي عقدها مركز الأردن الجديد؟.

- هاني: السوق هي ملتقى خصص لشركات ومنظمات أهلية منتقاة، لعرض قصص نجاح لمشاريع نفذتها مع شركاء اجتماعيين. وبحضور زهاء 120 فعالية من ممثلي الشركات ومنظمات الأعمال والبنوك ومؤسسات المجتمع المدني والنواب، قدمت في هذه السوق عشر شركات ومؤسسات عروضاً لنجاحات حققتها، بالتعاون مع المجتمعات المحلية والمنظمات الأهلية، شملت أمانة عمان ،أدوية الحكمة ،الاتصالات الأردنية ،شركة تطوير العقبة، مجموعة طلال أبو غزالة ،شركة تعمير الأردنية القابضة ،سلطة منطقة العقبة ،شركة الثلج والصودا ،البنك العربي الإسلامي وجامعة فيلادلفيا. كما قدمت أربع مؤسسات أهلية مشاريع ناجحة نفذتها بدعم القطاع الخاص، وشملت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ،الصندوق الأردني الهاشمي ،تكية أم علي و”حكمت للسلامة المرورية”. وكانت هذه السوق الاجتماعية التي نعتزم عقدها بشكل دوري، قد توجت أعمالها بالإطلاق الرسمي للمنتدى الوطني للمسؤولية الاجتماعية ،التي تفضل الأخ واصف عازر بإعلان إطلاقه وشرح أهدافه وأنشطته المقبلة.

“السجل”: ماذا بعد إشهار المنتدى؟.

- واصف: لقد انتخبنا لجنة تنظيمية ستعمل على تسجيل المنتدى رسمياً، وتحديد أنواع العضوية، ووضع نظام داخلي ديمقراطي للمنتدى يلتزم بمبادىء الشفافية، وبعد ذلك يتم التوجه لكل الشركات والمؤسسات والمهتمين لاستقطاب من يرغب منهم للانضمام إلى عضوية المنتدى.

من بين الأنشطة المقترحة لعمل المنتدى؛ التعريف بالممارسات الأفضل في مجال المسؤولية الاجتماعية محلياً وإقليمياً ودولياً، ومساعدة الشركات على بلورة سياسات أو هوية خاصة بها في هذا المجال، وتشجيعها على توثيق ونشر ممارساتها الاجتماعية. وحدد المنتدى خطة عمل على المدى القصير، تشتمل على إصدار تقرير سنوي عن حالة المسؤولية الاجتماعية للشركات للعام 2009، وإعداد دليل إرشادي للممارسات الاجتماعية الأفضل، وتنظيم دورات تأهيلية للكوادر العليا والوسطى للشركات، للمباشرة في إدارة برامج متخصصة للمسؤولية الاجتماعية.

“السجل”: منذ متى بدأ مركز الأردن الجديد أنشطته في مجال المسؤولية الاجتماعية؟.

- هاني: بدأنا عملياً العام 2002 بتنفيذ أول مشاريعنا ذات الصلة بالمسؤولية الاجتماعية، التي اشتملت على ندوات متخصصة واستطلاعات رأي وإصدار نشرات. لكن أهم إنجازات المركز هو قيادة مشروع إقليمي خلال العامين 2005 و2006 ،بإجراء دراسة لواقع المسؤولية الاجتماعية في سبعة بلدان في المنطقة شملت لبنان ،مصر ،الإمارات ،فلسطين ،المغرب ،تركيا والأردن، وعقد ورش عمل إقليمية حول الموضوع نفسه في أربعة منها. خلال العامين الماضيين أجرينا دراسة استطلاعية على مدراء 220 شركة أردنية، حول آرائهم وممارساتهم للمسؤولية الاجتماعية، وعقد سلسلة من الاجتماعات وورش العمل والندوات أبرزها المؤتمر الوطني الأول للمسؤولية الاجتماعية، وتقديم تدريب لمنظمات المجتمع المدني من أجل الشراكة مع القطاع الخاص.

“السجل”: كيف تقيمون دور المؤسسات الخاصة في مجال المسؤولية الاجتماعية؟.

- واصف: رغم أن بعض المؤسسات قطعت شوطاً واسعاً في مجال المسؤولية الاجتماعية، إلا أننا ما زلنا في بداية الطريق من منظور الرؤية الشمولية لهذا الموضوع، وما تحتاجه المسؤولية الاجتماعية من تعاون مجتمعي، بين الشركات والحكومة والمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني من نقابات وهيئات أعمال بأنواعها. بهذا المعنى لم نرتق بعد إلى حالة مؤسسية. نحن نتحدث عن تطور حديث، وهذا يحتاج إلى جهد. من المؤكد أن الجميع لن يستجيبوا بالدرجة أو الحماس نفسه لهذا التطور، لا سيما في زمن الأزمة المالية التي يتخفى خلفها كثيرون، للتنصل من المسؤولية تجاه متطلبات التكافل الاجتماعي. النقطة الأساسية في الموضوع هي السلم الاجتماعي الذي لا ينشأ مع وجود الفقر والبطالة ومع التطرف في تحقيق الربح. نحن في المحصلة بحاجة إلى مسارات طويلة من التثقيف لإدارات الشركات والمؤسسات الأهلية والمدنية لتحسين نوعية حياة المجتمع كله.

منتدى وطني للمسؤولية الاجتماعية نحو مأسسة مسؤولية الشركات والمجتمع المدني
 
16-Apr-2009
 
العدد 72