العدد 71 - كتاب | ||||||||||||||
لو أذاع باراك أوباما رؤيته لعالم خالٍ من الأسلحة النووية، في الأول من نيسان/إبريل الجاري، لكانت أقواله احتسبت من قبيل كذبة نيسان، الشائع تداولها عالمياً. فقد أصدر تصريحه في الثالث من الجاري في براغ، وهي العاصمة الأوروبية التي دفعت ثمن الحرب الباردة باجتياح روسي لها العام 1968. وكانت بالتالي من عواصم القارة «العجوز» المهددة، بأن تكون ضحية لأي حرب يتم فيها استخدام أسلحة نووية بين الجبارين. رؤية أوباما هي لا شك على قدر من الطوباوية، فمنذ أكثر من ستة عقود باتت أسلحة الدمار الشامل، تحتسب في قلب معادلات القوة والمنظومات العسكرية «الاستراتيجية». طرحها جانباً يتطلب إعادة نظر جذرية في احتساب القدرات والموازين. وهو أمرً يصعب تحقيقه، كما يتعذر مثلا حمل أصحاب مليارات على أن ينتقلوا إلى خانة أصحاب ملايين ويكتفوا بمثل هذه الثروات. إلى ما تقدم ، فإن ذيول الحرب الباردة لم تنته بعد. لدى الصين نحو 400 رأس نووي ولدى الترسانة الروسية أكثر من ضعف هذا العدد، بينما تمتلك الولايات المتحدة التي يرأسها باراك حسين نحو أربعة آلاف رأس نووي.ناهيك بكوريا الشمالية التي تقبع في الظلمة وتعكف على إنتاج أسلحة نووية، باعتبار هذا الهدف يتقدم على تأمين الطعام لملايين الرعايا. مؤدى ذلك أن منطق الحرب الباردة، الجموح الأميركي للصدارة والتسيد ينبغي ان يتوقف، وأن يأتي يوم يقال فيه إن الحاجة لحلف الأطلسي قد انتفت، وأن يحل التسابق السلمي في ميادين العلم والتكنولوجيا المدنية، وعلى الزراعة والسياحة والرياضة والفنون محل التنافس المدمر. لكن أوباما على طوباويته جاد في ما ذهب اليه، فهو يدعو لقمة أمن نووي تضم زعماء الدول الكبيرة (الدائمة في مجلس الأمن)، وأصدر وثيقة أطلقها البيت الأبيض تتضمن رؤيته، ويسعى لكسب تأييد الكونغرس لها. مع العلم أن مفاوضات تخفيض الترسانات النووية متوقفة مع موسكو. غير أن الرجل إذا ما مضى في هذه الطريق ، فإنه يؤسس لثقافة سياسية كونية جديدة، تزدري مفاهيم القوة القائمة على التدمير الشامل وعلى الانتحار الجماعي. وليس هناك من هو مدعو للمبادرة بإطلاق هذه الرؤية العاقلة والأخلاقية مثل الزعامة الأميركية، فأميركا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي، ولمرتين متتابعتين ضد هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية. وأميركا هي التي تمتلك الترسانة الأضخم والأشد فتكاً من هذه الأسلحة. وأميركا هي التي أذنت ببناء ترسانات خارج نادي الكبار: في الهند وباكستان وإسرائيل (الدولة العبرية تمتلك مئتي رأس نووي على الأقل، بما يضعها في مصاف بريطانيا على هذا الصعيد). دعوة الدولة العظمى لعالم خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، توفر ذخيرة معنوية لنا في الشرق الأوسط العربي، لشن حملة قوية لا تتوقف، ضد امتلاك تل أبيب أولاً لهذه الأسلحة، ولنزع الذريعة من طهران للدخول في السباق المدمر الذي يهدد بلداننا وشعوبنا. |
|
|||||||||||||