العدد 71 - حتى باب الدار | ||||||||||||||
من المتوقع إجراء العديد من التعديلات على قانون العقوبات، تشمل طيفاً واسعاً من القضايا الكبيرة والصغيرة. بعيداً عن النقاش الذي تقوم به الجهات المعنية الرسمية، سيحظى الأمر كذلك بنقاش واسع عند الجهات المعنية «غير الرسمية»، وهي كما سنرى جهات معنية بالمعنى المباشر للكلمة، نعني بهم السجناء الحاليين المحكومين والموقوفين والمتهمين وأصحاب السوابق واللواحق،الذين اعتادوا على التعاطي مع القانون من موقع المتهم أو المحكوم. عبر الزمن كوّن هؤلاء ثقافة واسعة حول العقوبات التي يتعرضون لها، فالواحد منهم يَعرِف بحكم الخبرة كثيراً من المفاهيم الأساسية حول مختلف القضايا والتهم، فهم بمجرد توصيف القضية يعرفون مثلاً «راس حكمها»، أي الحد الأعلى لعدد سنوات السجن المتوقع أن تقرها المحكمة، كما يعرفون الظروف المخففة لكل قضية بل ويعرفون أحياناً توجهات القضاة، ويجرون الحسابات الضرورية حول عدد الأحكام التي صدرت من قبلهم، وما إذا كان هناك في مرحلة معينة ميل للحكم بأحكام عالية، أم ان التوجه السائد هونحو تخفيف الأحكام، وينصحون بعضهم بعضاً حول صيغ التعامل وطرق استخدام عبارات طلب الرأفة أو الاقرار بالذنب. هم يعرفون، بشكل خاص، القضايا الصغيرة، وأشهرها القضية التي تأخذ مسمى «كسر وخلع»، ذلك أن ما هو مكتوب على غلاف إضبارة المتهم هو ما سيحدد مجرى القضية، فعبارة «سرقة» لوحدها تختلف عن «كسر وخلع» وهذه الأخيرة تختلف عن مسمى «سطو» أو «اشتباه». على صعيد القضايا الكبرى، يعرف هؤلاء الخبراء «غير المصنفين» أن هناك قضايا تصدر فيها «إعدامات» لكنها لا تنفذ، وأن هناك قضايا تصدر فيها أحكام معينة، لكن جرت العادة أن يأتي فيها في ما بعد «نص مدة» أي يكون فيها تخفيض حكم عند المصادقة. وهم يعرفون بحكم تتبع تاريخ السجون أنه لا تمر فترة معينة،الا ويصدر عفو خاص ببعض القضايا، ناهيك عن العفو العام، وعلى هذا يسعون لترتيب أوضاعهم الآنية والمستقبلية. من المتوقع أن يخوض الموقوفون الآن نقاشات واسعة حول السلوك النموذجي في الفترة الانتقالية، قبل أن يتم إقرار التعديلات، وذلك للاستفادة من حسنات القانون الحالي وقد يتعين على الواحد منهم أن لا يستأنف مثلاً. من القضايا المهمة التي سوف يشملها تعديل قانون العقوبات، ما يعرف بـ«التعليم» أي قيام شخص ما بتشطيب وجه خصمه أي «تعليمه» عن طريق وضع علامة أبدية فيه، ويقال في ذلك: علّمه أو علّم عليه. والمحترفون هنا يعرفون أصول «التعليم» بحيث لا تلحق ضررا بالأنسجة الداخلية وأن تبقى خارجية، وهذا سينعكس على مسمى التهمة بعدئذ، ومن أدق وأشهر أشكال «التعليم» هو الضرب بشفريتن متجاورتين بحيث يصعب خياطة الجرح المزدوج الحاصل منهما على وجه أو رقبة خصمه، وتبقى علامة الى الأبد، لكن الأمر يبقى مجرد «تعليم»، وليس شروعاً بالقتل مثلاً. للسجناء دراية عامة بهذه الأمور، وما إن يقترب موعد محاكمة سجين مستجد، حتى يسأله الخبراء منهم عن طبيعة التهمة المقيدة ضده، وعن القاضي الذي أحيلت اليه، وحينها يشرعون بتلقينه دروساً في الأداء القانوني، وماذا عليه أن يقول ويخوضون في رهانات حول الحكم المتوقع. التغييرات المنتظرة على قانون العقوبات سوف يتبعها تغيير في الثقافة القانونية داخل جدران السجون، حيث تتواجد جهات معنية من صنف آخر. |
|
|||||||||||||