العدد 71 - ثقافي | ||||||||||||||
نادر رنتيسي المجموعة الأخيرة للشاعر الراحل محمود درويش شكلت حالة جدل كبيرة في الساحة الثقافية العربية أخيراً، كما لم تفعل أي من مجموعات درويش السابقة، بيد أن ذلك جاء لأسباب لا تتعلق بمضامين تحملها المجموعة، كما فعلت مجموعاته الأخرى. جدل «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» أثارته أخطاء في العروض والوزن وتبويب المجموعة وتحريرها، التي كان من المتوقع أن تصدر في الثالث عشر من آذار/مارس الماضي، تزامنا مع ذكرى ميلاد الشاعر الراحل. الخلافات بدأت مبكرا، وكانت تنذر بتبعات انشغلت بها صحف عربية مهمة على مدار الأسبوعين الماضيين، فبعد أن كانت مجموعة من أقرباء درويش وأصدقائه التقت في منزله بعمّان للبحث عما تركه من إبداعات قبل سفره الطارئ في رحلة علاج إلى الولايات المتحدة في آب/أغسطس 2008، تم تشكيل لجنة سميت: «لجنة أصدقاء محمود دوريش» مهمتها التحضير لميلاد الراحل، والإعداد لمجموعته الأخيرة. تكونت اللجنة من الأديب أحمد درويش (شقيق الراحل)، والروائي إلياس خوري، والفنان مارسيل خليفة، وعلي الخليلي، والمحامي جواد بولس، والكاتب أكرم هنية، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه. وأنيطت بخوري مهمة مراجعة المجموعة وتبويبها. وأصر على كتابة مقدمة فجرت خلافا كبيرا بينه وبين الناشر الحصري لأعمال درويش الشعرية منذ نحو عشرين عاما، رياض الريس، الذي رأى أن الشاعر الراحل لم يسبق أن عهد لأحد بأن يقدم لمجموعاته. تأخّرَ صدور المجموعة عن موعد ميلاد درويش، بسبب خلاف الريس وخوري الذي وسّط جهات فلسطينية، ما أثمر عن حل وسط بأن تصدر المقدمة في كتيب يلحق بالمجموعة، وهو ما حدث، فصدرت المقدمة التي حملت عنوان «محمود درويش وحكاية الديوان الأخير»، روى خوري فيها كيفية اكتشاف تلك القصائد أثناء دخول أصدقاء الشاعر الراحل إلى منزله بعد وفاته، وتضمنت إقرارا، منه، عن الأخطاء التي وردت في المجموعة. رصد شعراء ونقاد لبنانيون مثل شوقي بزيع، ومحمد علي شمس الدين، وسوسن الأبطح، تلك الأخطاء، التي تقع في نطاق العروض والوزن، والتقطيع والتنقيط والتحريك، في مقالات نُشرت على مدار أسبوعين في صحف عربية مختلفة. بزيع كان أول من تناول تلك الأخطاء في مقالة في «الحياة» اللندنية، حملت عنوان «عندما لا يضع محمود درويش لمساته الأخيرة على ديوانه»، أشار فيها إلى تلك الأخطاء في مواقع عديدة منها: أخطاء وكسور تقع خارج دائرتي الجوازات العروضية، والملابسات بين البحور. ففي قصيدة «رغبت فيك، رغبت عنك» تم الانتقال من الكامل إلى الرمل، في قول الشاعر: «فكري بالظل كي تتذكري قلت/ قالت كن قويا واقعيا وانس ظلي». وفي قصيدة «إذا كان لا بد»: «وإن كان لا بد من منزل/ فليكن واسعا لنرى الكناري فيه.. وأشياء أخرى»، ثمة خلل في الشطر الثاني، حيث يؤدي وقوع كلمة «الكناري» بعد سابقتها «لنرى» إلى الخروج على تفعيلة المتقارب المكررة «فعولن» لتصبح «مفاعلن». أخطاء أخرى تضمنتها المجموعة، بحسب بزيع، جاءت في خانة الالتباس بين الأخطاء المطبعية، وتلك المتصلة بجمع النصوص أو طريقة قراءتها، أو مشكلات متكررة بين الفاصلة وحرف الواو. الأخطاء امتدت إلى القافية، ففي قصيدة «فروسية» التي تبدأ على الشكل الآتي: «دهشاً من خفة الأشياء أوقفت حصاني»، كان ينبغي، وفق بزيع، أن تتابع قافية النون المكسورة في المقاطع اللاحقة، إلا أنها تسكن في مواضع أخرى كما في «حرش السنديانْ» و«أشيائنا في اللامكانْ». الناقدة ديمة الشكر كتبت في الصحيفة عينها، ترد على ما جاء في مقالة بزيع، الذي بدوره عاد وتابع دائرة الجدل التي استُكملت بردود فعل أخرى، حيث تساءلت الكاتبة سوسن الأبطح، في «الشرق الأوسط» اللندنية، عن سبب إسناد مهمة مراجعة قصائد المجموعة لإلياس خوري، وليس للناقد السوري صبحي حديدي الذي كان أقرب أدبياً للشاعر الراحل. الريِّس سارع بدوره إلى إصدار بيان حمّل فيه خوري مسؤولية تلك الأخطاء، حيث أنيط بخوري إعداد المجموعة الأخيرة وتحريرها وتبويبها، وكشف الريس أن خوري رفض تزويد دار النشر بالنسخة الأصلية بخط الشاعر. وأحال مسؤولية الأخطاء إلى اعتماده في نشر المجموعة على النسخة الإلكترونية التي زوّده بها المحامي جواد بولس، بصفته القانونية وكيلاً عن ورثة الشاعر محمود درويش، بعد أن تسلم نسخة مطبوعة عند توقيع العقد، وكتب عليها بخط يده وتوقيعه عبارة «هام جداً. يعتمد النص المرسل بـ«الإيميل» لأنه معدّل بعد دراسة ونقاش». الريس الذي يدرس «إمكانية المساءلة القانونية تجاه الخسائر المعنوية والمادية التي تعرضت لها السمعة المهنية لدار نشره، إلى جانب الإساءة إلى تراث الشاعر»، أكد أنه ينوي إعادة طبع مجموعة «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، وإعادة النظر في نصوصها «بناء على خبرة (دار النشر) في كتابات الشاعر وملاحظات الشعراء والنقاد». إلا أن المجموعة بأخطائها، وجدت طريقها إلى بعض المكتبات العربية، الجزء الأول منها يحتوي على ست قصائد نشرت أو قرئت من قبل، لكن لم تتضمنها أي من مجموعات درويش السابقة. ويشمل الجزء الثاني قصيدة واحدة كتبها الشاعر في آخر أيامه عُثر عليها مكتوبة بخط يده وجاهزة للنشر، وبلا عنوان داخل مكتبه، وهي التي تحمل عنوان المجموعة. أما الجزء الثالث، فيضم 24 قصيدة عُثر عليها في أدراج وخزائن بيت الشاعر في عمّان، بعضها قديمة وُجدت في ملف واحد بما يوحي أنه أراد لها أن ترى النور في مجموعة واحد، إحداها مكرسة للشاعر الراحل نزار قباني بعنوان «في بيت نزار قباني»، وهي أجمل من «ياسمينة دمشقية». كما يتضمن هذا الجزء «طليلة البروة»، وهي قصيدة جميلة يعبّر فيها درويش عن ذكرياته وطفولته في بلدته المهجورة «البروة». وفي قصيدة «تلال مقدسة» يستعرض جدلية الجغرافيا وقدسية المكان. المفارقة أن المجموعة التي شهدت خلافات كثيرة بين أصدقاء الشاعر الراحل، كان عنوانُها «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، علامةَ الاتفاق الوحيدة بين الأطراف كافة، وهو ما عدّه بزيع «ملائماً تماماً لمقتضى الحال»، ليس فقط «لأن القصيدة نفسها لم تنته بالفعل، بل لأن القصيدة الدرويشية برمتها لن يقدَّر لها الانتهاء»، حيث ستبقى «مفتوحة على القراءة المتجددة والتأويل المتباين». |
|
|||||||||||||