العدد 71 - حريات
 

بثينة جويحات

لا يعارض أهل الطبيبة نادين النمري (عزباء، 40 سنة)، عملها الليلي ولا مبيتها خارج البيت بسبب ظروف العمل. تقول: «السبب في ذلك ثقتهم بي، وتفهمهم طبيعة عملي»، وتضيف أن نظرة المجتمع لا تقلقها.

النمري ترى أن عدم زواجها حتى الآن يساعدها على مواصلة العمل ليلاً، لكنها تؤكد: «من خلال قربي من بعض الزميلات المتزوجات، ألاحظ أن لديهن مشاكل كبيرة بسبب العمل الليلي والمبيت والتأخير خارج المنزل، وذلك لارتباطهن بأسر وأزواج، وهناك عدد كبير من الأزواج لا يستطيع تفهم طبيعة عمل زوجته، ولا يتقبل مبيتها خارج المنزل، فيقف حاجزاً في طريقها ويدمر مستقبلها، رغم أنه يكون قد ارتبط بها وهو يعلم طبيعة عملها».

مثل هذه الحالة واجهت س.ص (إعلامية لم ترغب في نشر اسمها، 39 سنة). تقول: «عملت في مجال الإعلام منذ ما يزيد على 15عاماً، تزوجت وأنا أعمل في هذا المجال، ومنذ ارتباطي أعلمت خطيبي بطبيعة عملي، وأنني أعود أحياناً بعد منتصف الليل، ولكن ما إن أنجبت طفلي الأول، حتى دبت بيننا المشاكل بسبب عدم تقبله طبيعة عملي، وشكوكه المتواصلة بي في أحيان كثيرة، وبحجج أخرى منها أنني لا أستطيع التوفيق بين واجباتي كزوجة وأم، ومتطلبات الوظيفة. هذا جعلني في حالة توتر دائم، وتحت ضغوطات نفسية شديدة، الأمر الذي وضعني أمام خيارين: إما التضحية بوظيفتي ومستقبلي، أو التضحية بحياتي الأسرية، فكان اختياري الوظيفة والمستقبل، وطلبت الطلاق، وأعيش الآن مع بناتي الاثنتين في رعاية أهلي».

علا بطرس (موظفة في إحدى شركات الطيران، 30 سنة) حالتها مختلفة حتى الآن، فهي تعمل في هذا المجال منذ تخرجها في الجامعة قبل خمس سنوات، إذ يستمر عملها الليلي ثلاثة أيام في الأسبوع. تقول: «لم أجد أية معارضة من قبل والدي وأشقائي، وقد تزوجت منذ عامين من زميل لي في العمل، وهو لا يرى أية مشكلة في عملي الليلي، حتى في حال وجود أطفال، لكن شرطه الوحيد أن لا يتعارض ذلك مع اهتمامي بالمنزل والأطفال، وأنا لا أرفض ذلك في حال لم أستطع التوفيق بين عملي وواجباتي الأسرية، فواجبي كزوجة وأم أن أجعل أسرتي سعيدة، وأوفر لها حياة مستقرة».

الأزواج الذين استطلعت «السجل» آراءهم، ينقسمون بين موافق على عمل المرأة الليلي، ورافض له. رائد نجيب يوسف (مهندس، 51 سنة) لا يرى أية مشكلة في عمل المرأة الليلي، ما دامت «الثقة» قائمة بين الطرفين، سواء كان الطرف الآخر هو الأهل أو الزوج، ويؤكد: «متى أرادت المرأة عدم الالتزام، والتصرف بطريقة خاطئة، فلن يكون وقت العمل هو الفاصل، فزوجتي مثلاً تعمل فنية تخدير في أحد المستشفيات، وتضطر للمبيت خارج المنزل مرات عدة في الأسبوع، وأحياناً في أيام العطل الرسمية، وحينها أقوم أنا بإدارة المنزل والاعتناء بالأطفال». يضيف رائد أن «الخطأ ليس في توقيت عمل المرأة، بل في ما هو مترسخ في عقول مجتمعاتنا الشرقية، لذا لا بد من التخلي عن بعض العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، وإحلال عادات جديدة محلها، لأن العالم برمته في زمن التطور والتوسع، والمجتمعات الحية لا بد أن تتغير وتحاول تطوير نفسها وتقبل عادات جديدة».

أما حيدر محمد (موظف بنك، 40 سنة) فيرفض عمل المرأة الليلي رفضاً قاطعاً، إذ يرى أن ذلك يؤثر في حياتها وحياة أسرتها، ويتعارض مع دورها الحقيقي في المجتمع كأم وزوجة، ويقول: «إذا كان عمل المرأة ضرورياً، فإن الأكثر ضرورة لها هو تكوين أسرة مستقرة، كما أننا في مجتمع محافظ يمتاز بالعشائرية التي تتمسك بالعادات والتقاليد، ويتحفظ على الاختلاط في العمل، فكيف له أن يتقبل الوظائف التي تعمل المرأة بها ليلاً؟».

أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، يتخذ موقفاً وسطاً، مراعياً فيه طبيعة المجتمع، فيقول إن بعض الأعمال لا تناسب كل فئات المجتمع، فهناك فئات لا يمكن أن تتقبل العمل الليلي للمرأة، وهذا يؤدي في النهاية إلى تدمير الأسرة في حال رفض أحد الأطراف التنازل عن موقفه.

يضيف الخزاعي أن نظرة المجتمع السلبية للمرأة العاملة ليلاً، تزداد في الأرياف والقرى عنها في المدن، لأن العلاقات في الأرياف قائمة على صلات القربى التي تحكمها تقاليد ترفض خروج المرأة ليلاً بشكل قاطع. الخزاعي يرى أن حل المشكلة يكمن في برمجة العمل في المؤسسات، بحيث تُمنح أولوية العمل النهاري للنساء المتزوجات، والعمل الليلي للنساء غير المتزوجات، أو للرجال في حال أمكن ذلك.

فهل تقبل المؤسسات ذلك يا تُرى؟!.

عمل المرأة الليلي: قد تَقبَلُه الأسرة وقد يدمّرها!
 
09-Apr-2009
 
العدد 71