العدد 71 - بورتريه
 

موفق ملكاوي

يحار من يتتبع سيرة حمدي الطباع من أين يبدأ بسرد الوقائع؛ فالألقاب عديدة، والمناصب التي شغلها كثيرة ، وليس هناك من يبدي ملاحظات حول الرجل، الذي ظل منحازا إلى خياره في الاستثمار و التجارة وحريصاً على النأي بنفسه عن الأضواء والإعلام.

إنه الحاج حمدي الطباع رجل الاقتصاد القوي، وصاحب النظريات الجريئة في كيفية استقدام الاستثمارات المؤثرة إلى الأردن، فضلا عن رؤيته في إمكانية قيام اقتصاد عربي شبه موحد.

يرى أن الاقتصاد الأردني متنوع متعدد القطاعات، ويمكن للمستثمر أن يعمل فيه بما يناسبه من إمكانات.

وهو ما زال يؤمن بوجود فرص كبيرة ومتاحة للاستثمار في الأردن، بمختلف القطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية.

التجارة لا تنفصل عن حياة عائلته، وبرغم قربها من السياسة، إلا إنها انحازت إلى الأولى، وحققت فيها نجاحات باهرة.

يعتقد جازماً أنه يجد نفسه في التجارة وليس السياسة. ويقول في إحدى تصريحاته الصحفية «والدي رجل سياسي، لكنه تاجر في الأصل».

بخلاف كثيرين، قدموا إلى عمان من مدن أو دول أخرى، واندرجوا في حياتها، يؤكد الرجل أنه «عماني حد النخاع»، وهو الذي رأى النور في أفيائها، العام 1936، وبقي فيها إلا من بعض سفرات هنا أو هناك، خصوصا أيام شبابه الأول عندما قصد لبنان وألمانيا للدراسة.

توفي الوالد عندما كان عمر حمدي ما زال 19 عاما، إلا أن الحدث المأساوي لم يؤثر في تماسك العائلة، ونهجها في التجارة والارتقاء بحالها، إذ كان الشقيق الأكبر توفيق قد كوّن خبرة كافية لإدارة دفة العائلة.

في هذا السياق يقول «توفيق رعاني بعد وفاة والدي، وعلمني أصول التجارة، إلى أن تسلمت إدارة شركة سيارات ومعدات».

علاقته الأقرب إلى قلبه كانت مع الملك الراحل الحسين بن طلال، بدأت منذ أن كانا في الروضة، وتطورت خلال المراحل العمرية التالية.

ويؤكد الحاج حمدي أن العلاقة بدأت منذ العام 1942، حين كانا يلعبان، وكان الطباع يقضي معظم وقته مع «الأمير حسين»، في منزل العائلة المالكة المتواضع الذي كان يخلو من الحرس.

بعدها انتقلا إلى الكلية العلمية الإسلامية، ليبقيا معاً حتى المرحلة الثانوية، ثم بعدها لتختلف طريق كل منهما؛ فالحسين انتقل إلى كلية فكتوريا في مصر، بينما أكمل الطباع دراسته الثانوية في المدرسة الأميركية بصيدا، لينتقل بعدها إلى الجامعة الأميركية في بيروت، ثم متابعة دراسته في ألمانيا التي عمل فيها عاماً ونصف العام كعامل ومترجم في مصنع «مان»، وبعدها العودة إلى عمان للعمل مع شقيقه توفيق في شركة نقليات.

ما بين بداياته الأولى، والزمن الحاضر هناك محطات عديدة في حياة الرجل؛ مناصب كثيرة تولاها، وألقاب امتشقها، وأوسمة تقلدها، كانت جميعها تصب في خانة التأكيد على شخصية اقتصادية فذة، تمتلك رؤيتها الخاصة في كيفية تسيير الأمور.

يشير الحاج حمدي إلى أن أولى دروسه في التجارة تلقاها على يد جده في الشام، عندما دخل عليه شخص من حوران، وكان الجد يرتدي قمبازا أعجب الحوراني، فطلبه منه. يقول الطباع «ذهب جدي للبيت واستبدل ثيابه وأحضر القمباز للحوراني وقبض ثمنه».

يقول «ليس منا من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب»، مستذكرا انطلاقته الأولى قبل أن يصبح واحداً من رجال الأعمال المرموقين، وكيف أنه تقاضى 75 دينارا عن أول عمل له في الأردن ليصبح راتبه 100 دينار، كان يقتطع منها 35 دينارا شهريا أجرة منزل.

عندما تولى رئاسة اتحاد الغرف التجارية الأردنية العام 1984، طرح فكرة إنشاء مجلس اقتصادي للقطاع الخاص، والتي اقتنع بها رئيس الوزراء آنذاك زيد الرفاعي، ليقرر تشكيل المجلس الاستشاري الأول الذي ضم أعضاء من القطاعين العام والخاص.

تلك كانت البداية لشراكة القطاعين، غير أنها أشّرت كذلك على عقلية اقتصادية مستقلة، ظل الرفاعي يتذكرها حتى العام 1988، عندما اختاره للانضمام إلى الفريق الوزاري متسلما حقيبة وزارة الصناعة والتجارة. وبعدئذ حدثت تطورات داخلية بالغة الأهمية أدت الى إقالة الحكومة، ويصعب تبعاً لذلك وصف فرصة التوزير بأنها من قبيل حسن الطالع..

العقبات كانت كثيرة ومتراكمة، وقد حأول بعدئذالإسهام في خدمة القطاع الاقتصادي، يؤكد في هذا الصدد أن «اتخاذ القرار في العمل الخاص سهل ومتاح، لكن العمل العام مقيد واعتبره روتينياً وقد ذبحني الروتين في العمل العام».

لموهبته وكفاءته في الإدارة، ورؤيته الاقتصادية الثاقبة، أوكلت إلى الرجل العديد من المهام والمناصب: رئاسة مجلس إدارة شركة مصانع الإسمنت الأردنية، رئاسة النقابة العامة لوكلاء السيارات وتجارة قطع السيارات، رئاسة اتحاد الغرف التجارية الأردنية، رئاسة غرفة تجارة عمان، عضوية مجلس إدارة البنك الإسلامي الأردني، رئاسة مجلس أمناء جامعة جرش، عضوية مجلس إدارة البنك المركزي، عضوية مجلس أمناء مؤسسة الملك حسين، وغيرها العديد من المناصب.

في العام 1997 دخل مجلس الأعيان، وبقي فيه حتى العام 2001.

يحمل الحاج حمدي الطباع العديد من الأوسمة والتكريمات: وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى، وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الثالثة، وسام برتبة فارس من الحكومة الفرنسية، والوسام الإيطالي.

هو رجل يصنف نفسه منتميا إلى العائلة، إذ اختار السكن إلى جانب والدته عندما قرر الزواج، وكذلك فعل أولاده عندما تزوجوا، ويؤكد أنه يسعد كثيرا هو وزوجته بمشاركة أحفادهما ألعابهم واهتماماتهم.

إنه حمدي الطباع الذي لا يمتلك صداقات واسعة في المجتمع السياسي، لكنه بلا خصوم، وتهذيبه واستقامته تُخجل الآخرين.

حمدي الطباع: لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب
 
09-Apr-2009
 
العدد 71