العدد 71 - الملف
 

دلال سلامة

قبل العام 1989، كان تقييد الحريات والتجاوز على حقوق الإنسان طابع الحياة السياسية في الأردن، وباستثناء أربع سنوات تالية سادت فيها أجواء انفراج جزئي، فإن تقييد الحريات والتجاوزت في مجال حقوق الإنسان ظل يطبع الحياة السياسية في الأردن ولكن ليس من دون فروق.

الفرق الرئيسي يكمن في أن التقييد، قبل العام 1989، كان يتم وفق أحكام عرفية مفروضة خارج الأطر الديمقراطية، ولكنه بعد العام 1993 صار، بحسب إعلامي أردني فضل عدم ذكر اسمه، يتمتع بمظلة قانونية، إذ “إن التراجع عن الحريات وتضييق المجال على العمل العام يتم من خلال التشريع”.

ويوضح الإعلامي ذاته أنه “باستثناء قانون الانتخاب المؤقت للعام 1993، فإن كل التضييقات للقوانين الناظمة للحريات العامة خرجت من مجالس النواب المهندسة منذ العام 1993 حتى هذه اللحظة”.

المفارقة هي أن تلك القوانين تخلفت عن قوانين أخرى كانت تطبق في الأردن قبل أكثر من خمسين سنة.

يمكن اعتبار العام 1993 بصفته العام الذي شهد بداية تراجع الديمقراطية في التشريعات الأردنية، وهي ديمقراطية جاءت بها أحداث 1989، فقد كانت الفترة الفاصلة بين العامين 1989 و 1993، فترة مصالحة وطنية بين الحكومة وممثلي قوى المعارضة وفعاليات المجتمع الأخرى، فقد شهدت تلك السنوات إلغاء الأحكام العرفية، كما أنها الفترة التي شهدت عودة الحياة النيابية بعد تعطيلها أكثر من عشرين عاما.

الانتخابات جرت وفق قانون الانتخاب الذي أقر في العام 1986، وكان على نظام التصويت للكتل، ورغم وجود بند في القانون يمنع المرشحين المنتمين إلى تنظيمات غير مشروعة من الترشح، فإن تجميد هذا البند سمح لممثلي أحزاب غير معلنة آنذاك مثل: الحزب الشيوعي وحزب الشعب الديمقراطي من الترشح والوصول إلى المجلس، الذي وصفه رئيسه آنذاك، عبد اللطيف عربيات، بأنه كان “القمة”، وتمثل إنجازه الأكبر في محاسبة الفساد، ففي عهده تم تفعيل قانون محاكمة الوزراء وتمت محاسبة وزراء ورئيس وزراء في تسع قضايا فساد.

عربيات الذي لم يبلغ وقتها بحلّ المجلس رغم أنه كان رئيسا له، قال إنه ظل يومذاك في مكتبه حتى الساعة الثانية إلا ربعا، عندما اتصل به صديق وسأله: هل عرفت؟ لقد صدر قرار بحلّ المجلس. فقام من فوره ليستمع إلى الأخبار ويكتشف أن الخبر صحيح: “قمت مباشرة بجمع أغراضي، خرجت من المجلس وأوقفت سيارة أجرة لأعود إلى بيتي، وقد ألح عليّ الجميع وقتذاك أن أعود بسيارة المجلس، ولكنني رفضت وعدت إلى المنزل بسيارة أجرة. لقد أردتها أن تكون رسالة احتجاج على ما حدث، كنت الرئيس وأقل ما كان يجب أن يفعلوه هو إبلاغي”.

قيل وقتها إن قانون الصوت الواحد فصّل لتمرير معاهدة وادي عربة، التي لم يكن ليمررها مجلس كالمجلس المنحل، ولكن عربيات يرى أن المعاهدة كانت هدفا من مجموعة أهداف، منها قتل الحياة النيابية عن طريق إيصال مجالس ضعيفة غير قادرة على محاربة الفساد.

رغم أن تعديلات على القانون أقرت في العام 2001، ومنها خفض سن الانتخاب من 19 إلى 18 عاما، وإشراك القضاء في مراقبة الانتخابات، فإن تلك كانت، بحسب عربيات، تعديلات طفيفة لم تغير في العيب الأساسي الذي يشكل صلب القانون الحالي وهو مبدأ الصوت الواحد.

النائب السابق توجان فيصل ترى أن التراجع في الديمقراطية لم يقتصر على قانون الانتخاب، “فقد كان أيضا في حزمة قوانين أخرى” كما تقول، ولكنها ترى أيضا أن الجهود المبذولة يجب أن تتجه بشكل أساسي إلى قانون الانتخاب. “مناقشة القوانين الأخرى هو تلهٍ بالجزئيات، فقانون الانتخاب هو الأساس؛ هو القادر على أن يأتي بمجلس قوي قادر على مكافحة الفساد الذي أنتجه زواج السلطة بالمال، وقادر على تغيير أي قوانين أخرى مقيدة للحريات” تؤكد توجان.

قانون الأحزاب الذي صدر العام 1992 يحمل هو الآخر سمة التراجع، القانون الأول صدر في العام 1955، ولكنه جمد في عهد حكومة إبراهيم هاشم بعد سنتين من صدوره، وهو تجميد استمر إلى العام 1992 حين أقر قانون الجديد في إطار التحول الديمقراطي، وهو قانون أقر في عهد حكومة زيد بن شاكر، ولم يختلف في مواده عن قانون العام 1955 من حيث اشتراط عدم التمويل من جهات أجنبية وعدم مخالفة الدستور، ولكنه رفع عدد المؤسسين من عشرة في القانون القديم إلى خمسين شخصا.

الردة كانت في قانون العام 2007، الذي رفع عدد المؤسسين إلى 500، واشترط إقامتهم الدائمة في خمس محافظات على الأقل بأعداد يحددها القانون.

ورغم أن قانون العام 2007، رصد دعما لكل حزب مقداره 50 ألف دينار، فإن الحوراني ينتقد بنود الإنفاق التي لم تشمل تغطية الحملات الانتخابية، كما أنها ساوت بين الأحزاب في تلقي الدعم المالي بغض النظر عن حجم الحزب وفعاليته على الساحة أو تركيبة أعضائه ونشاطاته.

من القوانين الأخرى التي شكلت ما يمكن اعتباره ردة، قانون المطبوعات والنشر، القانون الحالي هو أحد سبعة قوانين صدرت ما بين العامين 1953 و2007، ويمكن اعتبار القانون الأكثر ليبرالية من بينها هو قانون العام 1953 وقانون 1993، الأول صدر بعد سنتين من صدور الدستور الأردني، والثاني صدر في إطار التحول الديمقراطي الذي عاشه الأردن بعد العام 1989، وهو قانون ساهم بشكل كبير في ازدهار الصحافة ونشوء العديد من الصحف اليومية والأسبوعية الجديدة، كما أنه استجاب جزئيا للمطالب التي برزت آنذاك بتقليص نفوذ الحكومة في الصحف، وذلك عندما قرر أنه لا يجوز أن تزيد مساهمة الحكومة على 30 في المئة في أي جريدة، ولكن البند لم ينفذ، وجاء قانون العام 1997 ليلغيه.

العام 1997 كان قاسيا على الصحافة الأردنية، إذ توسع القانون الذي سن وقتها في المحظورات التي منع الصحفيين من الكتابة فيها، كما أنه شدد العقوبات على من اعتبرهم مخالفين، واشترط زيادة كبيرة في رأس المال أدت إلى توقف 13 جريدة أسبوعية عن الصدور دفعة واحدة.

رئيس مركز حماية الصحفيين نضال منصور،رئيس تحرير ومالك لإحدى الجرائد التي توقفت آنذاك، يرى أن قانون العام 1993 أكثر ليبرالية من قانون العام 1997، “احتوى القانون على توصيف لجرائم يعاقب عليها الصحفي مثل القدح والذم والمساس بأمن الدولة، دون أن يكون هناك تحديد لها، كلها مصطلحات ملتبسة ومطاطة وخاضعة لأحكام تقديرية”.

الانتقادات الواسعة للقانون قادت إلى تعديلات أدخلت على القانون العام 1999، حيث تم تخفيض رأس المال للصحف غير اليومية من 100 ألف دينار إلى 50 ألف دينار.

وكفل حق المطبوعة في إبقاء مصدر الخبر سريا، في حين كان يمكن إجبار المطبوعة على غير ذلك بأمر من المحكمة.

منصور يرى أن القانون الصادر في العام 2007 مع تعديلاته ما زال قاصرا عن قانون العام 1993.

قانون الاجتماعات العامة سجل هو الآخر تراجعا كبيرا، ففي حين كفل قانون العام 1953 حق الاجتماع للأفراد، وحصر الأمر في مجرد إشعار الجهات المختصة بذلك مسبقا، فإن القانون الحالي، الذي صدر مؤقتا ضمن حزمة القوانين التي أصدرتها حكومة أبو الراغب أثناء حل البرلمان في العام 2001، وتمت المصادقة عليه من قبل البرلمان في العام 2004، اشترط الموافقة الخطية المسبقة من قبل الحاكم الإداري.

القانون صدر بعد أسبوع فقط من حكم أصدرته محكمة العدل العليا أقرت فيه بعدم دستورية ما قام به أمين عمان، عندما منع حزب جبهة العمل الإسلامي من إقامة اعتصام جماهيري بمناسبة ذكرى إحراق المسجد الأقصى العام 2001 إذ قالت المحكمة في قرارها إنه “لا يوجد في قانون الاجتماعات العامة رقم 60/53 وكذلك في قانون الأحزاب السياسية رقم 32/92 ما يخول محافظ العاصمة إصدار أي قرار بالموافقة أو الرفض”.

قانون الجمعيات الذي أقر في العام 1966، لم يكن مثاليا، فالجمعيات غير المرخصة تعرض صاحبها للملاحقة الجنائية والحبس لمدة عامين، كما أن للوزير حق رفض طلب التسجيل «وفقا لما يراه مناسبا» دون إبداء الأسباب، وله حل الجمعية إن رفضت السماح لممثلي الوزارة حضور اجتماعاته، أو الدخول للتفتيش في أي وقت، وللوزارة الحق في إدارة الجمعيات والتدخل في شؤونها الداخلية، وعلى الجمعيات إخطار الوزارة مسبقا بمواعيد عقد اجتماعات الهيئات الإدارية، وأسماء الحاضرين ونتائج التصويت، ولا يعتبر قانونيا الاجتماع الذي لا يحضره ممثل الوزارة. ويجب إخطار الوزارة بأي تغيير على الأنظمة الداخلية للجمعية ولها الحق في رفض التغيير. ولمندوب الوزارة الحق في دخول الجمعية والتفتيش في سجلاتها وعلى الجمعية تقديم تقرير سنوي يتضمن معلوماته المالية و«أي معلومات» إلى الوزارة.

منظمة «هيومان رايتس ووتش» أشارت في تقرير لها صدر عام 2007 إلى دراسة كان الباحث كريم البيار أجراها العام 2005 يصف فيها القانون، وشملت قوانين منظمات المجتمع المدني في عشر دول عربية بأنه واحد من «أقدم القوانين العربية وأكثرها تعسفا».

بدلا من أن يأتي مشروع القانون الجديد خطوة إلى الأمام فإنه بالعكس تمادى في المزيد من التقييد. عندما منع الجمعيات من الانخراط في أنشطة «سياسية أو طائفية أو دينية»، ومنعها من إنشاء فروع لها، كما أنه أعطى الوزارة الحق في أن «تنتدب أيا من موظفي الوزارة للإشراف بشكل دائم على أنشطة أي جمعية أو اتحاد في المجالات الإدارية والمالية، وذلك باعتباره مشرفا أو مديرا».

القانون الذي أثار جدلا كبيرا شاركت فيه منظمات محلية ودولية، ووصلت الانتقادات الدولية حدا جعل منظمة هيومن رايتس ووتش تطالب بتقييد المنح المقدمة للأردن، سيعرض قريبا على مجلس النواب. ناشطون يقولون إنه ليس مرضيا وإنهم بصدد حشد جهودهم لإعاقته.

“تجاوزات بموجب أحكام القانون” التشريعات منذ 1989: خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء
 
09-Apr-2009
 
العدد 71