العدد 71 - الملف | ||||||||||||||
جهاد عواد في السابع عشر من نيسان/أبريل عام 1989، اليوم الذي اندلعت فيه “هبة نيسان” في معان، ومدن أخرى في المملكة، كانت الصحافة تعيش حقبة الأحكام العرفية، وكان مقص الرقيب يتحكم في نشر كل شيء، ما في ذلك أخبار “الهبة”. لم يكن في المملكة آنذاك، قنوات فضائية، باستثناء شبكة الأخبار الأميركية الشهيرة cnn، كما لم تكن هناك مواقع الكترونية، أو هواتف خلوية أو قنوات بث خارجية، باستثناء مكاتب محدودة لعدد من وكالات الأنباء الغربية. أما الصحف اليومية، فلم يكن هناك سوى يوميات “الرأي” و “الدستور” و “صوت الشعب” التي تمت تصفيتها فيما بعد. وفي ظل الأحكام العرفية بما فيها من تعسف، ابتعدت الصحف الثلاث، كعادتها في مثل تلك الأوضاع، عن نقل الحدث، واكتفت بما كان يردها عبر وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا)، لذا، فقد تشابه الخبر بينها جميعا، مع تغيير في العناوين فقط، بينما بقي متنه وما ورد فيه من معلومات كما كان يأتي من (بترا). كان هناك إجماع رسمي خلال أيام الهبة الأولى، وتحديدا أيام 17، 18، 19، على عدم الإشارة إلى ما يجري من قريب أو بعيد، فغابت التصريحات عبر الصحف، وكأن شيئا لا يجري. لم تعتمد اليوميات الثلاث على مراسلين ميدانيين، فغابت الصورة، والتقرير. ولم ينشر ما كانت تبثه وكالات الأنباء الأجنبية عن الأحداث من تقارير مكتوبة ومصورة عن الأحداث وتطوراتها، ما جعل العالم الخارجي كله يعرف بما يجري في جنوب المملكة، باستثناء المواطن الذي تجري الأحداث على بعد بضعة كيلومترات منه. “ے”، بحثت في أرشيف صحف يومية كانت تصدر وقتذاك، ومنها “الرأي”، و”الدستور”، فلم تكن “العرب اليوم” قد بدأت الصدور، فهي صدرت العام 1997، وصدرت “الغد” عام 2004، أما صوت الشعب، فقد توقفت، قبل أن تتوقف خلفها القانوني والإعلامي “الأسواق” التي توقفت هي الأخرى. خلت أعداد “الرأي” و”الدستور” من التعليق على الأحداث خلال الأيام الثلاثة الأولى للهبة، من 17 حتى 19 نيسان/أبريل. وفي اليوم العشرين، نشرتا خبرا حول اجتماع عقدته الحكومة مع رؤساء البلديات، وكان المصدر واحدا هو (بترا). وفي اليوم التالي، 21 نيسان/أبريل، نشرت الصحيفتان أخبارا عن اتصالات لزعماء عرب مع نائب الملك، الأمير الحسن وقتذاك، فقد كان الملك الحسين في زيارة عمل للولايات المتحدة عند اندلاع شرارة الأحداث في معان. وقد أكد القادة العرب الذين اتصلوا وقوفهم إلى جانب الأردن في ظل التطورات التي لم تذكر صراحة. في اليوم الخامس للأحداث، واصلت “الرأي” و”الدستور” نشر بيانات مقتضبة صادرة عن الحكومة، تركزت حول استنكار ما حدث والتنديد به والدعوة لحماية ممتلكات الوطن وإظهار المنتفضين على أنهم فرقة مارقة خارجة على القانون وفق بيانات وزارة الداخلية. وفي اليوم نفسه نشرت “الدستور” في صفحتها الأولى خبرا بعنوان رئيسي هو: “رؤساء البلديات يؤكدون التفافهم حول قيادة الحسين وحرصهم على صيانة أمن الوطن وترابه المقدس”. واستخدمت الصحيفة عناوين فرعية منها: “نرفض المساس بمكتسبات الوطن، وعلينا جميعا الارتقاء لمستوى المسؤولية”، و”الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة كانت الخيار الوحيد أمامها”، أو “الانجازات التي تحققت عبر المسيرة الطويلة أمانة في اعناقنا وملك للأجيال الآتية”. وفي الصفحة الأولى لـ“الدستور” أيضا نشر خبران عن اتصالين أجراهما الملك فهد بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك مع نائب الملك، وآخر حول تأكيد الكويت والبحرين دعمهما للملكة. في اليوم الثاني والعشرين نشرت الصحيفتان بيانا رسميا صادرا عن الحكومة حول “الأحداث المؤسفة”، تم فيه التشديد على وعي المواطنين وحرصهم على أمن الوطن. في 22 من الشهر نفسه نشرت “الدستور” على صفحتها الأولى مقالا لرئيس تحرير جريدة السياسية الكويتية، أحمد الجار الله، بعنوان “الأردن.. الأردن يا أيها العرب”، أشار فيه إلى الأحداث وإلى اتصالات مع نائب الملك من قبل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وآخر من أمير دولة البحرين آنذاك الشيخ خليفة بن حمد. في 23 نيسان/أبريل نشرت “الدستور”، و”الرأي” خبرا على ستة أعمدة عن لقاء نائب الملك، الأمير الحسن، مع ممثلي الصحافة العربية والدولية، وفيه قال الأمير الحسن إن إسرائيل تحاول الاستفادة من أعمال الشغب لتحويل الأنظار عن مجريات الانتفاضة الفلسطينية التي كانت قد اندلعت قبل عامين. كما بثت الصحيفتان خبرا عن اتصال من الرئيس العراقي وقتذاك، صدام حسين، والرئيس السوري آنذاك، حافظ الأسد، مع نائب الملك، أكدا فيهما وقوف بلديهما إلى جانب الأردن. من نافلة القول إن جميع الإخبار التي تمت الإشارة إليها كان مصدرها الرئيس وكالة الإنباء الرسمية (بترا). الزميلتان رنده حبيب، مديرة مكتب وكالة الإنباء الفرنسية، ورنا الصباغ، رويترز، روتا لـ”السجل” مشاهداتهما للأحداث منذ اندلاعها وحتى نهايتها. تقول حبيب: “طلبت وزارة الإعلام من وسائل الإعلام المحلية عدم الإشارة إلى ما يحدث من مظاهرات ومصادمات”، مشيرة إلى أنه في فترة معينة، حاولوا منع وسائل الاعلام الغربية من التغطية من خلال حصرهم ومنعهم من الوصول إلى مناطق الصدامات. تبين حبيب أن “الفرنسية” كانت تجري اتصالاتها مع أهالي المناطق المضطربة من خلال دليل الهاتف حينا، وعبر معارف أحيانا أخرى، وتصف استجابة السكان بأنها كانت “جيدة وإيجابية”، فقد كانوا “متعاونين إلى أبعد الحدود”. وتشير إلى أن الأخبار عن الصدامات كانت تصل للمواطنين عبر الإذاعات الغربية أيضا، فهي كانت مراسلة إذاعة “مونتي كارلو” وقتذاك، وكانت تقوم بنقل ما كان يحدث أولا بأول. وتؤكد حبيب أن عودة الملك الحسين إلى عمان وقتذاك أطفأ فتيل الاضطرابات وأنهاها، وبدأت الأمور تأخذ مجرى مختلفا عن ذي قبل. الصباغ تبين أن قيام مراسلي وكالات الأنباء الأجنبية بنقل ما كان يحدث، عرضهم لحملة من الانتقادات الداخلية، والتي وصلت في بعض مراحلها إلى حد التخوين. وتؤكد الصباغ، أن “رويترز”، سارعت إلى “بث الخبر، بعد قليل من اندلاع المواجهات، وكانت سباقة في ذلك”، وتوضح أن “مدير مكتب الوكالة كان خارج العاصمة فقمت بكتابة الخبر رغم أنه لم يمر تكن قد مرت سوى أيام قليلة على تعييني في “رويترز”. وأرسلته إلى نيقوسيا، حيث المكتب الإقليمي، وبعد نحو ساعة أو أكثر بدأت وكالات أنباء أخرى، في بث أخبار المواجهات في معان”. وتتذكر الصباغ أن الإعلام المحلي كان “بعيدا عن مجريات الأحداث، وغائبا تماما، فلم يشر لما يحدث إلا من خلال نقل البيانات الرسمية التي كانت تقوم بتوزيعها الحكومة عبر بترا”. وتشير الصباغ إلى أن مدير مكتب الوكالة في عمان تمكن من الوصول إلى معان، وقام بتصوير جزء من المواجهات التي بثت صورها عبر رويترز. “كان الاتصال يتم بسكان المناطق المضطربة من خلال معارف لنا هناك، أو عبر وسائط أخرى”. تلتقي الزميلتان حبيب والصباغ في الرأي حول غياب الإعلام المحلي عن نقل مجريات الأحداث، وتشيران إلى أن الغياب كان ملحوظا وواضحا، وأن التلفزيون والراديو والصحف اليومية تعاملت مع الأحداث في بدايتها وكأنها جرت في مناطق خارج المملكة. |
|
|||||||||||||