العدد 71 - الملف | ||||||||||||||
السجل - خاص عندما وقعت أحداث نيسان/أبريل 1989، كان الملك الحسين في زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأميركية. بدأت تصل الملك تقارير عن الأوضاع المضطربة والاحتقانات التي تملأ الشارع الأردني من خلال اتصالات هاتفية يجريها الأمير الحسن نائب الملك آنذاك، واتصالات أخرى لم يعلم أعضاء الوفد المرافق مصدرها. تشكل فريق برئاسة ولي العهد نائب الملك، لمتابعة مجريات الأمور في اجتماعات كان يعقدها في القيادة العامة، وقد ضم الفريق: رئيس هيئة الأركان المشتركة، وزير الداخلية، مدير الأمن العام، و المخابرات العامة، ورئيس الديوان الملكي. كانت التقارير عن الأحداث، والسياسات المتخذة لمواجهة الوضع ترسل إلى الحسين عن طريق مدير اتصالاته، كان الحسين قلقاً إلى أبعد الحدود لما يجري في البلاد. كان راغبا في العودة إلى عمان، لكن كان عليه الانتظار عدة أيام لإنهاء برنامج الزيارة الرسمي، فواصل زيارته التي كانت تضمنت ألقاء محاضرة في بوسطن. كان يبدو للقريبين من حوله وكأنه على “حبل مشدود”. وما أن انتهى من إلقاء المحاضرة حتى غادر مباشرة إلى عمان. على الطائرة دعا الملك مستشاره السياسي عدنان أبو عودة، للجلوس معه في المقصورة في مقدمة الطائرة الملكية، وطلب منه أن يكتب خطاباً يلقيه عند عودته، وعلى غير العادة “ما أعطاني توجيهات” يقول أبو عودة. يشرح أبو عودة: “المهمة صعبة في غياب أي تلميح عما يريده الملك، لكنني اهتديت في النهاية إلى فكرة أساسية دار حولها الخطاب: أن أهل معان لم يخطئوا بل كانوا سيخطئون لو لم يقوموا بذلك، فكتبت في الخطاب: اتفهم الغضب، لكنني لا أتفهم طبيعة التعبير عن الغضب من خلال تدمير أملاك الدولة”. كان الحسين يتخذ القرارات النهائية من واشنطن ويرسل أوامره وتوجيهاته إلى نائبه في عمان. وما أثار جدلاً في الأوساط السياسية المحلية والعربية والأجنبية آنذاك، أن الملك الحسين، رغم موافقته على حملة المداهمة والاعتقال الواسعة لكل أشكال المعارضة، فإنه لم يلجا إلى اتخاذ قرار باللجوء إلى العنف، بمعنى إطلاق النار من القوات المسلحة، أو الأمن العام، أو أجهزة الدولة الأخرى، لحسم ما يجري من تظاهرات واعتقالات على الأرض. مع وصول الحسين، توقفت أعمال العنف كافة، ودخل المجتمع والدولة في حالة ترقب. في اليوم نفسه الذي وصل فيه الحسين، وصل كل من الرئيس العراقي صدام حسين واليمني علي عبد الله صالح. يقول أبو عودة “انتبهت إلى عدم وجود زيد الرفاعي بين المستقبلين فعرفت أن الحكومة ستتغير”. هذه الملاحظة، سبقتها ملاحظة أخرى مشابهه التقطها الشارع الأردني الغاضب “وارتاح لها بشدة آنذاك”، يقول الناشط اليساري ضرغام خيطان الذي كان أحد 52 معتقلا في سواقة آنذاك، “لاحظ الجميع عدم نزول الرفاعي مع الوفد الرسمي من الطائرة الملكية فعرفنا أن الحكومة روحت”. رحلت الحكومة وبقي الأردن لما يقارب الأسبوع يدير حكومته الأمناء العامون في الوزارات. عين الشريف زيد بن شاكر رئيساً للحكومة، وبدأ التحضير للانتخابات النيابية، على عكس إرادة بعض من كانوا حول الملك، أرادها انتخابات حرة، نزيهة، وممثلة لما يجري في الشارع. كان رد الحسين على ما جرى تاريخياً، فقد ارتقى الراحل إلى مستوى الحدث فأنقد حكمه وأنقذ البلاد. |
|
|||||||||||||