العدد 71 - الملف | ||||||||||||||
السجل - خاص من بين ما تميزت به هبة نيسان/أبريل 1989، أنها كانت الأولى في تاريخ المملكة، التي تندلع فيها أعمال احتجاج كان لها بعد سياسي مؤكد، من مدينة نائية، وليس من إحدى حواضر المملكة، أو من العاصمة التي كانت على الدوام مركز انطلاق الاحتجاجات، وفيها كانت تعقد المؤتمرات التي يتقاطر إليها المشاركون من المدن والقرى والبلدات الأخرى. وقد أثارت هذه الحقيقة نقاشا تمحور حول سؤال: لماذا معان؟ وفي العام 2003، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية تقريرا بعنوان «معان: أزمة مفتوحة»، حاول فيه الوصول إلى سبب اندلاع الاحتجاجات من معان. وفيما يلي مقتطفات مما له صلة مباشرة بالإجابة على السؤال المطروح: في العام 1989 انقسم أطراف الحكم في تحليلهم لأسباب لجوء أهل معان إلى العنف المنظم، فمنهم من تبنى نظرية العوامل الخارجية التي تتلخص في أن هناك أطرافاً خارجية لها مصلحة في إشاعة الفوضى في الأردن لإرغامه على التراجع عن بعض سياساته. ومن هذا المنطلق رأى البعض أن ما حدث كان مقدمة لتدخلات خارجية في الشأن الأردني، وتمثل ذلك في عدم رضا الولايات المتحدة الأميركية عن قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، بالإضافة إلى عدم رضا بعض الأطراف العربية الإقليمية ومنها المملكة العربية السعودية عن مجلس التعاون العربي الذي كان حينها يضم: الأردن، والعراق، واليمن، ومصر، وبرر أصحاب هذا الرأي تحليلهم في أن أعلاماً سعودية رفعت في مدينة معان، وأن شعارات مؤيدة للملك فهد كتبت على الجدران في المدينة، وأن قيادات أردنية تواطأت لتأجيج الوضع الأمني في البلاد. ومنهم من أشار إلى أن مدير المخابرات العامة آنذاك، كان اللاعب الرئيس وراء تأجيج الوضع للتأكيد على أن الأحداث لم تكن عفوية بالفعل. وهناك من يشير أيضاً إلى أن الخطط الميدانية التي تدربت عليها قوات الأمن والقوات المسلحة للتدخل المباشر في أزمات من هذا النوع، لم توضع موضع التنفيذ، رغم طلب الأمن المتكرر في حينها تدخل القوات المسلحة. ما حصل فعلاً هو أن الأزمة تفاقمت، وبدأت بالتفاعل بشكل يومي تقريباً، وأخذت تتجه شمالاً إلى الطفيلة والكرك فمادبا. وفي تلك الأثناء عقدت سلسلة من الاجتماعات بين شباب بدو الوسط تأييداً لمطالب أهل معان، وانتقلت التحركات إلى السلط وإلى عمان، حيث أخذت هذه الأحداث بعداً وطنياً. وهناك رأي آخر في أوساط الحكم ومنهم مدير المخابرات آنذاك - يتفق مع رأي الشارع الأردني، إذ يشير إلى أن الأحداث بدأت عفوية ثم تفاقم الوضع في البلاد، لأن الاحتقان السياسي وصل إلى حد الانفجار بسبب اتهامات للحكومة بالفساد والمحسوبية، وكذلك بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية على إثر تدهور العملة الوطنية العام 1988، وأثّر كل ذلك على قطاع النقل بشكل رئيس. وكانت معاناة معان هي الأقوى على مستوى المملكة، بحسب أصحاب هذا الرأي، إلاّ أن الواقع في حينه كان أكثر تعقيداً. وإذا ما استبعدت العوامل الخارجية، فإنّ ما بدأ عفوياً في معان وانتهى بزيارة الأمير الحسن، نائب الملك آنذاك، تجدد في الأيام التالية. وبدأت الأحداث تتحرك بشكل درامي إلى الشمال حتى وصلت عمان. ويمكن أن يكون ذلك دليلاً على أن البلاد كانت تعيش حالة تأزم سياسي واقتصادي شكلت أرضية خصبة للأحزاب والقوى السياسية المختلفة لرفع شعارات ومطالب بعودة الحياة البرلمانية. أما ما بدا وكأنه شلل كامل لأجهزة الدولة في التعامل مع الأحداث، فمَرَدِّهِ إلى الآتي: - التنافس الخفي وحالة الشخصنة بين رجالات الحكم المختلفة لاستثمار الأحداث، كلِّ لصالحه، ولدفع أجندات خاصة وتصفية الحسابات بينهم. - غياب التنسيق بين جميع أطراف إدارة الدولة العليا المختلفة والمعنيّة بهذا الشأن. إنّ عزو أحداث معان 1989 إلى إجراءات التقشف الاقتصادي لا يبدو دقيقاً. إذ إن تدهور سعر صرف الدينار كان قد أثّر على مناطق المملكة كافة وليس على معان وحدها. ثم إن ما تبقى من أسطول سيارات النقل في معان لم يتوقف عن العمل في نيسان/أبريل 1989 بل بعد آب/أغسطس 1990، أي بعد غزو النظام العراقي للكويت. وهذا لا يدعم فرضية تفسير الأحداث على أنها ردة فعل على ارتفاع أسعار الوقود التي بدورها أثرت على قطاع النقل في مدينة معان. كما أن نتائج حرب الخليج اللاحقة للأحداث انعكست بشكل سلبي آخر: إذ توقف تدفق العاملين من معان إلى تبوك في السعودية. ويستنتج من ذلك أن قطاع النقل لم يضرب بسبب رفع أسعار الوقود - وقد عدلت تعرفة نقل الركاب فوراً - ولم يكن هذا القطاع بالتالي هو المحرك لأحداث معان، كما أشيع حتى الآن، كل ذلك ينفي نظرية العامل الاقتصادي كعنصر وحيد لتفسير الأحداث. وكان لعودة الملك الحسين من الخارج دور كبير في تهدئة الأوضاع ومن ثم الإعلان عن تغيير الحكومة وإجراء الانتخابات النيابية لامتصاص حالة الاحتقان السياسي التي أدت إلى أحداث نيسان/أبريل 1989، وتجميد الفقرة (هـ) من قانون الانتخاب التي كانت تحظر على الأحزاب المشاركة في الانتخابات، ما أفسح المجال لإجراء انتخابات بمشاركة مختلف الاتجاهات السياسية والحزبية في البلاد. وكانت الحملات الانتخابية للمرشحين في مختلف أنحاء المملكة حرة، وهو ما عزز القناعة بنزاهة الانتخابات وإمكانية ظهور مجلس نواب يتمتع بمصداقية شعبية عالية. |
|
|||||||||||||