العدد 71 - أردني
 

رداد القلاب

تعرض التيار الإسلامي في النقابات المهنية لهزة عنيفة، عبر الانتخابات الأخيرة التي جرت منتصف آذار/ مارس الماضي، وأدت إلى خسارة الإسلاميين أحد معاقلهم في نقابة المحامين، بعد احتكار منذ العام 2001، على أن هذا التيار ظفر بنقابة المهندسين الزراعيين، قبل أسبوعين.

التيار الإسلامي تمكن من حصد نصف مقاعد نقابة المحامين، بينما تقاسم القوميون واليساريون والمستقلون بقية المقاعد، بما في ذلك موقع النقيب، فيما تعكف الحركة حالياً على الزج بكل إمكاناتها، خلف مرشح مستقل ضمن «القائمة البيضاء» في انتخابات نقابة الأطباء، التي تجري الجمعة (10 نيسان/إبريل) وتتنافس فيها ثلاث قوائم: الإصلاح (إسلاميون)، التي رشحت زهير أبو فارس (مستقل) لمنصب النقيب؛ والقائمة الخضراء (قوميون) التي رشحت أحمد العرموطي لمنصب النقيب، وهناك مرشحان مستقلان لمنصب النقيب: حسام سلايطة وخليل بركات. في حين يخوض التيار الإسلامي في أيار/مايو المقبل انتخابات نقابة المهندسين، المعقل الرئيس للتيار في المجمع النقابي، بـ«كامل أعضاء القائمة البيضاء».

العمل النقابي في البلاد شهد دفعة قوية في أعقاب التحول الديمقراطي 1989، ليحل بديلاً عن الأحزاب السياسية، وهو ما دفع حكومات متعاقبة إلى توجيه سهام النقد إلى النقابات، بزعم أنها «انحرفت عن دورها التنظيمي والمهني لصالح العمل السياسي».

الانتخابات الأخيرة التي شهدتها نقابة المحامين مكّنت المستقلين من الفوز بمنصب النقيب، عبر فوز أحمد طبيشات في الجولة الثانية من الانتخابات. كان طبيشات حل في المركز الثاني بين المرشحين في الجولة الأولى التي حل بها الإسلامي أمين الخوالدة مرشح القائمة الخضراء أولاً. ولم يُعرف عن طبيشات أي نشاط سياسي من قبل، باستثناء الإعلان عن أنه قيادي في حزب «الجبهة الأردنية الموحدة» حديث النشأة، بعد فوزه في الانتخابات.

بحسب وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، الذي وقع في عهده صراع شهير بين الحكومة والنقابات حول «تسييس النقابات»، فإنه «كان من الضروري أن تقوم جهة ما بدور (طنجرة البريستو) بالنسبة للأحزاب، فمن غير الممكن إحكام القفل على عمل النشطاء السياسيين من المواطنين، دون توفير متنفس لهم، يشعرون فيه أنهم يمارسون الحد الأدنى من السياسة، فكانت النقابات المهنية (بريستو) العمل السياسي في الأردن».

يضيف الحباشنة لـ«ے»: «كنا نرى في الحكومة أن إصرار الأحزاب على التموضع في النقابات أضعفَ التجربة الحزبية، لهذا كان لا بد من إجراء ما».

لكن توجهات الحكومات المتعاقبة، وُوجهت برفض الأحزاب التخلي عن النقابات كساحة عمل لها. يصف الحباشنة الانتخابات الأخيرة في نقابة المحامين التي أفرزت نقيباً بنى حملته الانتخابية استناداً لرفضه تدخلَ الأحزاب في النقابات، بأنها «بداية الحس النقابي بضرورة الاقتراب أكثر من المهنة، والابتعاد أكثر عن الحزبية».

صعودُ مستقلٍّ في نقابة المحامين إلى الطابق الأول في مجمع النقابات بمركز النقيب، والابتعاد عن الحزبية، والانحياز لمقولة «المهنة أولاً»، يعده بعضهم مقدمة لنجاح وجهة النظر الرسمية، وقد حُمِلت على أكتاف مستقلين، وأن هؤلاء هم أنفسهم من سيستكملون صعود درجات المجمع، بعد أن حسم المهندسون الزراعيون مؤخرا رأيهم لصالح الإسلاميين.

يشرح نقيب المحامين السابق صالح العرموطي لـ«ے»، ما حدث بقوله: «يبدو أن الحكومة غيّرت من تكتيكاتها في انتخابات النقابات، باتجاه توفير دعم لوجستي للمستقلين في معركة النقابات الانتخابية، بخلاف الأساليب السابقة عبر الاتصال مع الأعضاء في محاولة لتغيير قناعاتهم». وفي رأيه أن «الدعم اللوجستي قد أثمر، في إنتاج رؤية كثيراً ما حلم الرسميون بتحقيقها في المجمع».

وهو ما ألمح إليه أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي زكي بني ارشيد لـ«ے» بقوله: «لقد خسرت الأحزاب من خلال تكتيك ذكي اتبعته الحكومة في نقابة المحامين».

إلا أن وزير الداخلية نايف القاضي نفى لـ«ے» ما يتم تداوله عن تدخل الحكومة، في انتخابات النقابات المهنية ودعم بعض المرشحين المستقلين لوجستياً، بقوله: «هذا الكلام مردود على أصحابه، وليس صحيحاً أن الحكومة تدخلت في انتخابات النقابات. الانتخابات تجري بكل حرية وشفافية، ويتركز اهتمام الحكومة على دعم النقابات لما لها من دور وطني». ويستدرك القاضي: «هناك تعقيدات تسود عمل النقابات نتيجة تخليها عن هموم أعضائها، وانغماسها بالسياسة الإقليمية والدولية بشكل أكبر من اهتماماتها المهنية».

يؤكد بني ارشيد أن هناك «محاولات حثيثة وجادة ومتواصلة من أطراف ومؤسسات حكومية وغير حكومية لتحجيم المعارضة، إسلامية كانت أو قومية أو يسارية»، تلك المعارضة التي يرى أنها «صاحبة الحظ الأوفر نفوذا وشعبية وامتدادا على الساحة النقابية وغيرها من الساحات».

لكن ذلك ليس كل شيء بالنسبة للقيادي الإسلامي، فقد تبدّلت الحال شكلاً ومضموناً في انتخابات النقابات المهنية عما كانت عليه في السابق. يقول: «خلال نصف قرن مضى كانت الانتخابات في النقابات تعتمد على البرامجية، لكن الأمر تغيّر، فلم يعد النجاح منوطاً بالبرنامج». ويشرح: «قامت الحكومات في غير مرة باستخدام أساليب ووسائل غير مشروعة، وتعسفت في استخدام السلطة، إلا أن النقابات بقيت عصية، لطبيعة تكوينها من حيث إلزامية العضوية، إضافة إلى الشعبية التي تتمتع بها في الشارع، ما حال دون سيطرة الحكومة عليها كما هي الحال لدى النقابات العمالية».

في رأي بني رشيد، إن الحكومة لم تتوقف عن محاولات تطويع النقابات: «أخطر المحطات تلك التي عمدت فيها الحكومة لمحاولة وضع قانون للنقابات يلغي إلزامية العضوية».

الصورة التي يعرضها بني ارشيد تتعاكس مع الزاوية التي يراها الحباشنة الذي يشير إلى أن «أبرز المفاصل في الصراع بين الحكومة والحزبيين، وعلى رأسهم الإسلاميون، كان في قفز الحزبيين على القوانين».

من جهته، لا يشعر العرموطي بالخشية من «انقلاب واسع النطاق في المجمع»، ويقول: «ما يجري لن يكون له تأثير قوي، لأن القاعدة في النقابات هم النقابيون، الذين يتمتعون بنهج نقابي وفكري حر لن يتغير بسهولة».

تتنازع ثلاث قوائم في انتخابات نقابة المهندسين الوشيكة (أيار/مايو): البيضاء والخضراء والمستقلين. وفي حال تمكنت الحكومة من إزاحة الإسلاميين عن صدارة النقابة، فإن ذلك يعني مزيداً من التراجع للحركة الإسلامية خارج إطارها الحزبي.

الأنظار تتجه إلى معركة الأطباء غداً سجال حكومي إسلامي في النقابات
 
09-Apr-2009
 
العدد 71