العدد 71 - بلا حدود | ||||||||||||||
مشروع «حارتنا مسؤوليتنا»، مبادرة مفتوحة على المستقبل، وثمرة للتعاون بين مؤسستين من المجتمع المدني والقطاع الخاص. يهدف المشروع إلى إحياء الدور الاجتماعي وتفعيله للمدارس الحكومية في جبل عمّان (منطقة الدوار الأول) من خلال الارتقاء بأنشطتها اللامنهجية من مسرح ورياضة وموسيقى وفنون وخدمة مجتمع وغيرها. بتنفيذ هذا المشروع تستكمل «جارا» برامجها الخاصة بخدمة المجتمع المحلي وتوسيع المجال العام والذي يعد «سوق جارا» في جبل عمان من أبرز إنجازاته. للتعريف بهذه المشروع وخلفياته التربوية والتنموية، حاورت «السّجل» اثنتين من مجلس إدارة جمعية «جارا»، التربوية هيفاء النجار، والناشطة في العمل التنموي وداد عدس. كما استمعت إلى ملاحظات رئيس الجمعية زيد القسوس، مهندس تخطيط المدن.
«السّجل»: ماذا يمثّل مشروع «حارتنا مسؤوليتنا»؟. - وداد: أطلق هذا المشروع بالتعاون بين شركة «مهارة» الاستشارية في مجال التنمية، وجمعية سكان جبل عمان «جارا». والمشروع يسعى إلى تفعيل الدور الاجتماعي للمدارس الحكومية في حي جبل عمّان القديم، وذلك باتجاهين، الأول: رفع قدرات المدارس على تقديم أنشطة لامنهجية، والثاني: أن تكون المدارس حاضنة لعقد لقاءات وحوارات مع أهالي الطلبة والمجتمع المحلي. يعكس هذا المشروع الذي يمثل عملية دمج للخبرات والمساهمات الاجتماعية بين الجمعية والشركة، دور جمعية «جارا» في تعزيز التواصل مع المجتمع المحلي. المرحلة الأولى من المشروع تمتد حتى نهاية العام الجاري. وسننطلق بعد أن وقعنا مذكرة التفاهم بين «مهارة» و«جارا» إلى دعوة القطاع الخاص المستثمر في المنطقة لدعم هذا المشروع. «السّجل»: ما الخلفية التربوية لدور المدرسة الاجتماعي؟. - هيفاء: هناك ضرورة لاستعادة المدرسة لدورها الاجتماعي. من المؤسف أن تكون المدارس في القرن العشرين، قد عزلت البعد الاجتماعي، وأصبح البعد الأكاديمي هو كل شيء. لهذا فإن من المهم أن تنجح المدرسة هذه الأيام في استعادة البعد الاجتماعي والبعد العاطفي، وغيره. وما دمنا نتحدث عن جبل عمّان، فإن كل طالب في هذه المنطقة، سواء كان في مدرسة حكومية أو خاصة، ينبغي أن يشعر بمسؤوليته الاجتماعية تجاه مدرسته ومنطقته وبيئته. فلا يجوز أن أمشي في شارع غير نظيف، ولا أكون معنياً بنظافته. هذا يتطلب بناء علاقة بين الطالب والمكان الذي يدرس أو يعيش فيه. «السّجل»: كيف يمكن المساعدة في بناء هذه العلاقة؟. - هيفاء: المطلوب أن يصبح ذلك جزءاً من اهتمام الطلبة ومن ذهنيتهم، أي أن يصبح الطالب عقلانياً، ومشاركاً، سواء تعلق الأمر بالنظافة أو بخدمة المجتمع. وهذا ممكن إذا تصرف الطلبة باعتبار أن المدرسة ليست مسؤولية الإدارة فقط، فهم مسؤولون أيضاً عن مدرستهم وعن حيّهم، وعن المطعم الذي في الحي. وأتطلع إلى أن يحس الطلبة في جبل عمّان أن المكان الذي هم فيه جزء من هويتهم ويفخرون به. هذا يجعلنا لا نقبل بالتنازل عن مستوى معين من الجودة في الخدمات والعلاقات المجتمعية. كما أود أن يساهم هذا المشروع في انفتاح وحراك اجتماعي، بحيث يستقبل جبل عمّان الناس من خارج عمان وداخلها، ويقدم عمّان بما تستحق، فنحن في قلب عمّان، وعمّان في قلب العالم. كذلك فإن المدرسة هي مساحات للتعبير والتفكير، المدرسة الجيدة هي مركز لتوليد الطاقة عند الشبان، بحيث يتعرفون إلى أنفسهم وإمكاناتهم وميولهم، فينطلقون من هذه المعرفة نحو الآخر. والمعرفة الجيدة للذات توفر للطالب فرصة أن يكتشف نفسه في الرياضة والفنون والمسرح، ومن خلال النقاش والإصغاء للآخر والتعرف إلى العالم الخارجي. «السّجل»: ما الخطوات الاستطلاعية التي قمتم بها للمدارس؟. - وداد: يشتمل المشروع على التعامل المباشر مع ثماني مدارس حكومية. نتطلع لتنفيذ الجولة الأولى من المشروع في العام 2009، وإلى أن نبني على ما يتم إنجازه. فالتغيير الحقيقي على مستوى طلاب المدارس يحتاج إلى وقت. وقد لمست من خلال اللقاءات الأولية التي أجريتها مع مدراء المدارس النقص الكبير في الأنشطة ذات العلاقة بالتواصل مع المجتمع المحلي. وأول نشاط قمنا به هو مسح الاحتياجات للمدارس الثماني من خلال «مهارة»، حتى يتم التعرف إلى الاحتياجات من خلال الإدارات والطلبة، لأن تصميم البرنامج يتم من خلالهم ولا يفرض عليهم. نحن سعداء بدعم مديرية تربية عمان الأولى لهذا المشروع. نقطة الارتكاز في عملنا في المدى القريب هي البحث عن مجموعة من المتطوعين الشبان المتميزين في الجانب التفاعلي، وليس بالضرورة بقدراتهم الفنية. لذلك سنبدأ بداية متواضعة، لكنها ستكون نوعية ومتميزة من حيث الموضوع والمعنى. في هذا الإطار سنسعى إلى التعرف إلى المؤسسات المتخصصة التي لديها برامج في التفاعل مع المهارات الحياتية للأطفال، وسنتفق معها لعرض أنشطتها في المدارس المعنية، ما يسمح لنا بأن نجسّر بين النشاط وبين الفئة المستهدفة. هذا من شأنه توسيع مساحات التفاعل فيها. «السّجل»: هل يمكن إعطاء نبذة عن جمعية «جارا» وشركة «مهارة» ؟. - وداد: جمعية «جارا» تأسست العام 2004، كجمعية مجتمع غير ربحية، تهدف إلى المحافظة على تراث حي جبل عمّان القديم وطابعه الخاص. بالنظر إلى وفرة المباني التاريخية والأماكن المهمة في الحي، تعمل الجمعية على المحافظة على هوية الحي وتميزه وتنوعه، من خلال خلق روح التعاون والولاء لمصلحة الحي وسكان المنطقة، وتنفيذ برامج تعاونية للارتقاء بالمنطقة اقتصادياً وثقافياً وسياحياً. أما «مهارة»، فهي شركة متخصصة في تقديم خدمات استشارية في مجال التنمية البشرية والاجتماعية، شاملة الأسرة والمشاركة السياسية وتنمية المجتمعات المحلية وتحسين الفرص الاقتصادية، وتطوير الأداء السياحي وتوظيف الإعلام في خدمة التنمية المجتمعية وغيرها. «السّجل»: ماذا بشأن البعد الخاص بالأهالي في المشروع؟. - هيفاء: من المهم أن يكون للأهل حصة كبيرة في هذا المشروع، شراكة المدارس مع أهالي الطلبة لا يمكن الاستغناء عنها. هناك محاولات جدية في المدارس الحكومية لتفعيل مجالس أولياء الأمور مع المعلمين. حينما تمنح المدرسة طلبتها فضاء للتعبير، ودون مواكبة الأهل لهذا الوضع، فقد ينجم عن ذلك إشكاليات. هناك مجالات واسعة للتفاعل مع الأهالي. يمكن على سبيل المثال إعداد برامج حول «الوالدية» الجيدة، وأنشطة أخرى تعطيهم أدواراً في محاربة الإفساد لأبنائهم. وكلما كان الأهل فاعلين ومبادرين، فهذا يوفر على أبنائهم مشاكل الدخول في متاهات يمكن أن تواجههم في فترة المراهقة المبكرة أو المتأخرة. فالأهل الجيدون هم الذين يستكشفون إمكانات أبنائهم، ويكونون أداة تمكين لهم. ولهذا من المهم أن يتمثل الأهالي في الحي مشروع «جارا» ويدعموه، وأن يدركوا أين تتجه عمّان بالجهود الرامية لعصرنتها وللحفاظ على هويتها وووجهها الحضاري والإنساني. - وداد: شكل موضوع التواصل مع المجتمع المحلي الشق الثاني من المشروع، بينما كان يمكن الاكتفاء بالشق الأول الذي يختص بالنشاطات اللامنهجية، لكن في هذه الحالة سيكون هناك عدم توازن للمشروع بدون أهل الطلبة والأهالي المحيطين بالمنطقة. سيتم التفاعل مع الأهالي من خلال التطرق لقضايا مباشرة تواجههم، سواء كانت قضايا صحية، أو تتعلق بتجنب عادات مثل التدخين يعرف الجميع مضاره، لكن المعرفة العلمية توفر إضاءة قوية على حقائق معينة بشكل تفاعلي ومستنير. تتوقف طبيعة المرحلة الثانية ومدتها من المشروع على تقييم المرحلة الأولى من خلال مدراء المدارس والطلبة والأهالي ومدى النجاح فيها. - هيفاء: تأكيداً على أهمية مشروع «حارتنا مسؤوليتنا»، أود أن أضيف أننا بحاجة إلى أن يتبنى الناس أنماطاً جديدة من التفكير، قيماً واتجاهات جديدة. فبمثل هذه المبادرات، يتبنى الناس طرائق تفكير جديدة. لعل من المفيد أن يحتفي أهل عمان بالتنوع، ففي المجتمع العربي هناك خوف من التنوع؛ لكن عندما ترى أن التواصل مع الآخرين لا يهددهم في شيء بل يثريهم، يبدأ تقبل الآخر بشكل أفضل. الحياة بدون تنوع لا معنى ولا قيمة لها. «السّجل»: ماذا قصد زيد القسوس باختياره اسم «جارا» للجمعية؟. - زيد: عندما ترجمت اسم الجمعية إلى الإنجليزية شكّلت الحروف الأولى من الاسم (JARA)، كلمة لها إيحاء معين باللغة العربية، فيه معنى الجار والجيرة، وهذا بُعد جوهري في رسالة الجمعية، لذلك اقترحت استخدام «جارا» كاسم مختصر للجمعية بالإنجليزية والعربية معاً. «السّجل»: ما أبرز إنجازات ومشاريع «جارا» التي تجسد أهدافها؟. - زيد: سوق جارا هي الأهم. فكرة السوق استهدفت بعث الحياة والحيوية في حي جبل عمان من خلال إتاحة الفرصة للحرفيين وبائعي الأنتيكا بعرض بضائعهم في سوق أسبوعية، تفتح يوم الجمعة، على مدار السنة باستثناء فصل الشتاء. أقيمت السوق بمبادرة من الجمعية ودعم أمانة عمان في شارع فوزي المعلوف، وعُمر السوق هذا العام خمس سنوات. ويؤم السوق آلاف المواطنين والسياح، وقد أصبح أحد معالم المنطقة. واستذكر الآن كم أنفقت من وقت وجهد، وأنا أدور على الباعة لإقناعهم بفائدة عرض منتجاتهم في السوق. وتنظم الجمعية «مهرجان حارتنا» بالتعاون مع المدرسة الأهلية للبنات بمناسبة أعياد رأس السنة، كما تنظم سباقاً للضاحية. تشارك «جارا» بفعالية في التواصل مع أمانة عمان وفي اللجنة المحلية التابعة لمركز أمن زهران. وتعد الآن لمشروع توثيقي عن الحي وتاريخه وحكاياته لتنشر في كتيب باللغتين العربية والإنجليزية. |
|
|||||||||||||