العدد 71 - أردني
 

دلال سلامة

في العام 1999 أدين بلال النجار مع زوجته سوزان، بارتكاب إحدى عشرة جريمة قتل، من بينها جريمة قتل رجل في الخامسة والستين من عمره يدعى ناجح الخياط.

النجار حكم عليه بالإعدام، ونفذ الحكم العام 2000، وقد ذهب الرجل إلى الموت وهو يقول ببراءته، وإن الاعترافات انتزعت منه تحت التعذيب، أما زوجته التي حكم عليها بالأشغال الشاقة فقد توفيت بعد شهور قليلة في السجن إثر إصابتها بنوبة قلبية.

المفاجأة كانت بعد أربع سنوات من تنفيذ حكم الإعدام، عندما ألقي القبض على شخص يدعى زهير الخطيب،اعترف بارتكابه ثلاث جرائم قتل من بينها جريمة قتل ناجح الخياط نفسه، وبناء عليه حكم عليه بالإعدام شنقا.

هذه القضية أثارت جدلاً كبيراً، ويتذكر رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان هاني الدحلة عندما رفعت المنظمة العام 2005 مذكرة إلى رئيس الوزراء آنذاك عدنان بدران، مطالبة بفتح تحقيق في الحادثة، «ولكن أي تحرك رسمي لم ينفذ»، ما حدا بمنظمة العفو الدولية يومها إلى مطالبة الأردن بوقف تنفيذ أحكام الإعدام.

تعديلات مقترحة على عقوبة الإعدام تضمنها مشروع قانون معدل لقانون العقوبات الأردني للعام 2009، كشف النقاب عنها وزير العدل أيمن عودة في الخامس من نيسان/أبريل الجاري، وهي تعديلات أبقت على العقوبة في جرائم مثل جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، لكنها اقترحت إلغاءها في ست جرائم أخرى، معظمها من الواقعة على أمن الدولة.

التعديلات تعكس تغيرا في موقف الأردن من عقوبة الإعدام، وكانت سبقتها خطوات أخرى تمثلت إضافة إلى تجميد تنفيذ أحكام الإعدام منذ العام 2006، في امتناع الأردن العام الماضي عن التصويت ضد قرار الجمعية العامة في الأمم المتحدة الذي دعا إلى تجميد عقوبة الإعدام، وهو امتناع تصفه رئيسة وحدة مراكز الإصلاح والتأهيل في المركز الوطني لحقوق الإنسان نسرين زريقات بأنه «امتناع إيجابي» بعد أن كان الأردن قد صوت ضد القرار نفسه العام 2007.

هذا التدرج هو ما يجعل في رأي صويص من هذه التعديلات «غير الكافية» خطوة جيدة مع ذلك «هي جيدة باعتبارها خطوة في اتجاه الإلغاء الكلي للعقوبة، وهو إلغاء لم يكن ليتم إلا بشكل تدريجي كما يحدث الآن في الأردن».

زريقات تبدي تفاؤلها من إجازة مشروع القانون الذي سيرفع في الأسابيع المقبلة إلى رئاسة الوزراء تمهيدا لعرضه على مجلس النواب «الجرائم المعدل على عقوبتها ليست ذات تماس مباشر مع حياة الناس. أعتقد لو أن التعديلات كانت متعلقة بقضايا مثل القتل والاغتصاب فإنها ستواجه بمعارضة عنيفة».

هذا ما يشير إليه صويص بقوله إن «التحدي الحقيقي في معركتنا باتجاه إلغاء كلّي لعقوبة الإعدام هو مع العقلية الاجتماعية الراسخة».

في إطار ردود الفعل، فإن التحالف الأردني لمناهضة عقوبة الإعدام - وهو منظمة تأسست العام 2007، وتضم في عضويتها أكثر من 50 حقوقيا وأكاديميا ونقابيا وحزبيا، إضافة إلى منظمات مجتمع مدني- أثنى في بيان له على مشروع القانون باعتباره خطوة «في الاتجاه الصحيح على طريق إلغاء عقوبة الإعدام، واحترام حق الإنسان في الحياة باعتباره حقا مقدسا».

عند مناقشة مسألة مثل عقوبة الإعدام، فإن الأمر لا يتعلق فقط بعدم إمكانية التحقق من أنه يمكن دائما توفير ضمانات كافية لتحقيق العدالة، وما يترتب على ذلك من استحالة إعادة الحياة إلى شخص يتضح بعد إعدامه أنه بريء. إنه يتعلق أيضا بالجدل الذي يدور عالميا،حول جدوى هذا النوع من العقاب، حتى عندما ينفذ في حق أشخاص ارتكبوا فعلا الجرائم التي أدينوا فيها.

الناشط في مجال حقوق الإنسان سليمان صويص، يقول إن دراسات أجرتها الأمم المتحدة أثبتت أنه لم يثبت انخفاض في عدد الجرائم في الدول التي تطبق عقوبة الإعدام «المعروف علميا أن الجريمة مرتبطة أساسا بخلل في ظروف اقتصادية واجتماعية في المجتمع، والتحدي الحقيقي أمام المجتمعات هو إيجاد آليات لمعالجة الظاهرة من جذورها، بعد أن ثبت أن معالجة الجريمة بارتكاب جريمة أخرى ليس مجديا».

وفق إحصائيات منظمة العفو الدولية، فإن 138 دولة عدّلت في قوانينها باتجاه إلغاء عقوبة الإعدام، منها 92 دولة ألغته بشكل تام في جميع الجرائم، و63 دولة أبقته في قوانينها، لكنها ألغته عمليا، مقابل 59 دولة ما زالت مبقية على العقوبة في القانون والممارسة. ووفق المنظمة نفسها، فإن العام 2008 وحده، شهد إعدام ما لا يقل عن 2390 شخصاً في 25 بلداً، بينما حكم على ما لا يقل عن 8864 شخصاً في 52 دولة.  

الأردن ينتمي إلى فئة الدول التي أبقت على العقوبة في قوانينها لكنها جمدته عمليا، فلم يسجل منذ منتصف العام 2006 تنفيذ أي حكم إعدام.

بحسب زريقات، فقد نفذت في الأردن 51 عملية إعدام في الفترة بين العامين 2000 و 2006، وذلك من أصل 80 حكما. وقد سجل العام 2002 رقما قياسيا، إذ نفذ فيه 12 حكماً، أما العام 2006، فكان العام الذي شهد أكبر كم من إصدار الأحكام وبلغت في مجموعها 50 حكماً، وحالياً فإن 58 محكوما بالإعدام ينتظرون تنفيذ الحكم أو تجميده.

عقوبة الإعدام في الأردن تعديلات تكرّس طابع التدرّج في إلغاء العقوبة
 
09-Apr-2009
 
العدد 71