العدد 70 - كاتب / قارئ
 

زيارة الرئيس التركي عبدالله غول إلى روسيا الفدرالية مؤخراً، تأتي في سياقات ومحفزات سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية، تمثل نسخة متقدمة عن تلك المعبّرة عن حقبة زمنية خلت في منحى العلاقات بين البلدين.

الزيارة أكدت الثابت في العلاقات التركية – الروسية، وأسّست لتفاهمات ذات أبعاد استراتيجية (موسكو وصفت اتفاق الإعلان المشترك بين البلدين بـ«الوثيقة الاستراتيجية»)، بدءاً من التفاهم حول أمن البحر الأسود والمضائق والممرات البحرية التركية، مروراً بالتفاهم من أجل التعاون في مجالات النفط والغاز ومجالات التجارة الحرّة، وانتهاءً في مجالات العمل السياسي الإقليمي، وبخاصة في ملفات منطقة القوقاز المتداخلة (الشيشان، والفصائل المسلحة) وكذلك أسيا الوسطى والبلقان.

الأبعاد المعلنة لزيارة غول واضحة، أمّا المخفي بين السطور فيمكن قراءته لجهة التوقيت، حيث تأتي الزيارة في وقت وصلت فيه العلاقات التركية الإسرائيلية مستوى عالياً من التوتر وتبادل الانتقادات والاحتجاجات العلنية والصريحة على خط أنقرة - تل أبيب.

كما أحدثت الزيارة مفاعيلها بما هو محرّم أميركياً على أنقره ولوجُه، حيث تماهت أنقرة مع ذاتها ومصالحها العليا، ودخلت في تفاهمات مع روسيا حول أمن البحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى وملف التعاون النفطي، ضاربةً بعرض الحائط، استراتيجية واشنطن – تل أبيب في إفشال أيّ مجهودات تركية روسية على طريق بناء الشراكة الاستراتيجية.

الزيارة وجدت متابعة حثيثة من مجلس الأمن القومي الأميركي، الجهة المسؤولة عن صياغة استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي تُعدّ تركيا أهم مرتكزاتها، بينما الدولة العبرية لم تعمل على تعكير صفو زيارة غول لموسكو، لجهة حرصها على عدم تقويض روابطها مع تركيا، بخاصة وأنّ مستقبل نظرية تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل، يعتمد بشكل أساسي على التعاون مع أنقرة، إضافةً إلى طموحات إسرائيلية في تمديد خطوط أنابيب نقل النفط والغاز من الأراضي التركية إلى الموانئ الإسرائيلية.

الإشارات والدلالات السياسية لزيارة غول الأخيرة، أُرسلت في جميع الاتجاهات، فحلفاء واشنطن الأوروبيون، وبخاصة باريس وبرلين، يدركون أنّ ضعف العلاقات التركية الأميركية سيترتب عليه بالضرورة إضعاف تأثير النفوذ الأميركي على أنقرة.

التقارب التركي الروسي الأخير، قد يعني تراجع النفوذ الأميركي في القوقاز وآسيا الوسطى، وسيشكل خسارة استراتيجية نوعية لواشنطن، لأنّه لن يكون بديلاً لأميركا سوى الارتماء في أحضان أنقرة التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية الإسلامي. ورغم تمسك هذا الأخير باتفاقيات الشراكة الاستراتيجية مع أميركا، فإنّه لن يكون سهل الانقياد لواشنطن التي ما زالت تحاول ترويض تركيا بحيث تتيح لها العمل وحرية الحركة المطلقة في المنطقة كما كان في الماضي أيام الحرب الباردة.

محمد أحمد الروسان

عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

تقارب تركي روسي وتراجع للنفوذ الأميركي
 
02-Apr-2009
 
العدد 70