العدد 2 - أردني
 

التغيير على نمط الحياة الأردنية منذ العام ألفين على الأقل ، يلمسه المواطن لمس اليد ويراه رأي العين ، وهو ما تلخصه عبارة "أن الحياة لم تعد كما كانت من قبل " . ففي الوقت الذي يزداد فيه طموح الأردنيين ، للارتقاء بحياتهم ومجتمعهم والعثورعلى صيغة ، تتم فيها المواءمة بين خصوصية المجتمع ومواكبة العصر في تقدمه العلمي وتنوعه الثقافي، فإن هذا المسعى يصطدم بضعف القدرات الشرائية والعجز عن التامين المستلزمات الأساسية للطبقة الوسطى العريضة ناهيك يشرائح الفقراء والعاطلين عن العمل .

لقد أدى التغير المشار اليه الى تحول سلع كانت تحتسب كمالية مثل الكومبيوتر و الهاتف الخلوي والستالايت والسيارة الخاصة وأدوات منزلية متعددة الى احتياجات أساسية يصعب الاستغناء عنها، لكنها تضيف أعباء مالية إضافية ، وكان وما زال يُفترض أن يسهم استخدام بعضها في تطوير قدرات الأفراد وتوفير فرص للعمل أو موارد للدخل .غير ان نمط الحياة الاستهلاكي المنقول عن مجتمعات نفطية ، جعل الاستهلاك غاية في حد ذاته كحاجة اجتماعية وفردية موهومة ، وتبدو المشكلة اكبر مع ملاحظة ان هذا النمط يولد شكلاً من أشكال الشراهة والإدمان .

تغيرت حياتنا فبات المول بديلا للدكان التي كان الناس يرتبطون مع صاحبها بوشائج اجتماعية تسمح لهم مثلاً بالشراء "على الدفتر " . وتحول المول الى مكان ليس للشراء المكلف فحسب ، بل كذلك لقضاء وقت الفراغ والتسلية وارتياد المطاعم .

ولم يعد الناس يجدون متعتهم في المشي "ساعات العصاري " إذ تم استبدالها ب "الكسدرة" في السيارة الخاصة لاستهلاك المزيد من الوقود وتعويد الجسم على الكسل ، ولشراء شيء ما لا نحتاجه ولكننا نفعل ذلك لتبرير خروجنا بالسيارة ! .

ويبقى التحول الاقتصادي بما له من آثار الفيصل في توجيه نمط الحياة الجديد . إذ يكشف تناقض ثنائية "الدخل-الانفاق" لدى الأسر الاردنية، فضلا عن «الطفرة الاقتصادية» التي اجتاحت المملكة مؤخرا عن سلوكات جديدة طرأت على المجتمع الاردني، لم تكن يلامسها المواطن من ذي قبل.

وتظهر تغيرات جذرية في طبيعة المسالك الحياتية لدى المواطن، ويتبين ذلك من خلال التغير على صعيد العلاقات الاجتماعية بين المواطنين، فضلا عن ما يفرزه تزايد الحاجات المالية للمواطنين ،على الدفع باتجاه تزايد المشاكل الاجتماعية كالبطالة والفقر و والتفكك الأسري والجريمة.

نتائج مسح نفقات ودخل الأسرة للعام 2006، التي اعلنتها دائرة الاحصاءات العامة لهذا العام، أظهرت أن متوسط الدخل السنوي على مستوى المملكة أصبح حوالي 6220 ديناراً أي بزيادة مقدارها 11,3 % عما كان علية في عام 2002.

ويقول مصدر في دائرة الاحصاءات العامة إن هذه الزيادة في دخل الأسرة الأردنية صرفت على «كماليات حياتية» وليس على تنمية الموارد الاساسية والدفع تجاه تحسين الدخل للاسر.

وبينت نتائج المسح أن متوسط دخل الأسرة السنوي يتباين بين المحافظات، إذ بلغ بحدة الأقصى حوالي 7412 دينارا في محافظة العاصمة في حين بلغ الحد الأدنى حوالي 4680 دينارا في محافظة الزرقاء، مشيرا الى أن هناك فجوة بين متوسط الإنفاق ومتوسط الدخل تصل إلى حوالي 1331 دينارا.

هذه الفجوة رتّبت، وفقا للمصدر ذاته، عجزا مزمنا في ميزانية الأسرة الأردنية، الامر الذي يفاقم ايضا الاستحقاقات الاجتماعية والصحية وغيرها، ومنها أن الأسرة التي تعاني من عجز مزمن لا يمكن أن تسلك سلوكا سويا.

مسوحات دائرة الاحصاءات العامة توضح بأن هناك تغيرا في النمط الاستهلاكي للفرد الأردني مرده الى تقلبات الاسعار وتفاوتها من حين لآخر، فيما أن الجزء الاكبر من الانفاق العام يذهب الى السلع غير الغذائية، فقد دخلت سلع جديدة مثل الأجهزة الخليوية والستلايت والكمبيوتر وهناك انفاق كبير على تلك السلع حيث باتت من «الأساسيات» في حياة المواطن اليومية، اضافة الى تضاعف حجم الإنفاق على «الرفاهية»، ما يعني زيادة في حجم الإنفاق.

رأي د. الحموري

أستاذ الاقتصاد في جامعة البلقاء الدكتور باسم الحموري يرى بأن هناك تغييرا طرأ على سلوك المستهلك فيما يتصل بسلة السلع، إذ أن هناك تغيرا حقيقيا في الدخول ما يعني أن المستهلك صار يراعي طبيعة المواد المستهلكة وهو مجبر على هذا السلوك بسبب تناقص مستويات الدخل الامر الذي سينعكس سلبا على طبيعة التركيبة الاجتماعية حيث يعزز هذا الوضع من تقلص الطبقة الوسطى لصالح تزايد الشريحة الاكثر فقرا.واذا ما استمر الحال كما هو عليه، يذهب الحموري الى أن هناك تخوفا من ان يدفع الى خلق مشاكل اجتماعية كالجريمة وغيرها.

ويدعو الحموري الى اعادة التفكير في السلوك الاقتصادي السائد، وخصوصا لدى الفقراء، كالانفاق الزائد في المناسبات الاجتماعية والكماليات.

ايضا، شهد الاردن طفرة اقتصادية هائلة، وخصوصا مع دخول رؤوس اموال جديدة بفعل توافد اعداد من الاقتصاديين وخصوصا موجة التهجير العراقية الى البلدان الاخرى وتنامي ظاهرة ارتفاع اسعار الاراضي وحركة الشراء والبيع التي حدثت.

رأي د. الخزاعي

هذا الحراك الاقتصادي، حسبما يرى استاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، دفع الى تعزيز انماط السلوك الاستهلاكي الجديدة على المجتمع وادى الى تمتين القيد حول الطبقة الاكثر فقرا، وهذا مرده الى ارتفاع نسب البطالة التي تقدر بـ 14 % حسب التقديرات الرسمية، لكن المشكلة تكمن في تضخم هذه المشكلة لدى الاعمار المنتجة إذ تزيد عن 50 %.

من المشاكل التي تعود لتردي الحالة الاقتصادية، حسب الحزاعي، تزايد نسب مشكلة الطلاق بين الازواج حيث أن 18 % من حالات الزواج مصيرها الطلاق، فيما أن معدلات الجريمة ثابتة الى حد ما ولم ترتفع كثيرا غير ان استمرار السلوك الاقتصادي كما هو عليه سيخلق مزيدا من الجرائم.

كما ادى تردي الوضع المالي للمواطن الى تأخر متوسط سن الزواج لدى الذكور، وبلغ حسب الخزاعي 31 عاما بينما بلغ لدى الاناث 28 عاما.

وتداخل القيم الاستهلاكية مع القيم الاخلاقية، وافضى هذا التداخل الى طغيان القيم الاقتصادية على الأخلاق في المجتمع الاردني بسبب سيطرة التنافس «غير الشريف» وتعدد وسائل تحقيق المال على حساب العادات والقيم والتقاليد المتبعة.

يعزي الدكتور الخزاعي التغير في منظومة القيم الاجتماعية الى البطالة التي زادت من الفقر ما ادى الى الغاء الاعراف السائدة المؤدية الى تجانس مكونات المجتمع، واظهرت مصطلحات جديدة في المجتمع مثل الانعزال والانغلاق على الذات لدى المواطن، فيما لعب تطور وسائل الاتصال التكنولوجي والانفتاح على العالم دورا في اظهار هذه القيم وترسيخها في المجتمع.

تغيرات اجتماعية كبيرة جاءت كرد فعل للتحول على الصعيد الاقتصادي في دولة هيمن فيها اقتصاد القطاع الخاص على اقتصاد الريع العام في وقت غابت فيه سياسات للأمن الاقتصادي تحمي الفئات الفقيرة من تبعات تلك المشاكل.

حمى الاستهلاك تقلب المعايير – علاء الطوالبة
 
15-Nov-2007
 
العدد 2