العدد 70 - سينما وتلفزيون
 

وفاء عمرو

أثار الفيلم الروائي «المر والرمان» للمخرجة الفلسطينية نجوى نجار، زوبعة من الجدل والنقاشات الحادة في أوساط نخبة المثقفين، بمن فيهم العلمانيون والمتدينون التقليديون على السواء، وراوحَ الجدل بين القبول بما طرحه الفيلم، وبين التهديد بحجة تجاوزه حدود قواعد المجتمع، وبين انتقاد بعض العلمانيين.

اللافت في النقاش الذي احتدم بعد عرض الفيلم في السادس عشر من آذار/مارس الجاري، في قصر الثقافة بمدينة رام الله في الضفة الغربية، أن معظم المعارضين للفيلم أو المؤيدين له لم يشاهدوه.

يتمحور فيلم «المر والرمان» حول الوضع الإنساني والعاطفي لـ«قمر»، زوجة معتقل فلسطيني، ووقوعها ضحية غير مباشرة للغياب القسري لزوجها في المعتقل الإسرائيلي.

تدور أحداث الفيلم حول شاب فلسطيني تزوج من «قمر» التي تعمل في فرقة للدبكة الفلكلورية، وبسبب التقاليد وضغوط أهلها وأهل زوجها، توقفت «قمر» عن الرقص بعد اعتقال زوجها، لكن إصرار زوجها الأسير على مواصلة حياتها بشكل طبيعي بما في ذلك مواصلة الرقص، ورغبتها هي بذلك، دفعاها إلى العودة للرقص، وهناك تلتقي «قيس» الشاب الوسيم مدرب الرقص في الفرقة العائد من لبنان، الذي يجد في «قمر» تجسيداً للوطن، فيحبها.

تقول المخرجة نجوى نجار، وهي أيضا كاتبة النص، إن «قمر» وجدت في الرقص نوعاً من الصمود وتحدي الظلم ومقاومة مأساة الحياة والظروف التي تسببت في اعتقال زوجها بعد مصادرة الاحتلال لأرضه.

يتناول الفيلم بجرأة قضايا في غاية الحساسية في المجتمع الفلسطيني المحافظ، مثل حق الإنسان في ممارسة الحياة الطبيعية تحت الاحتلال كشكل من أشكال الصمود، والأهم من ذلك حاجة المرأة كإنسانة لممارسة حياتها خارج النمط والقوالب التي فرضها المجتمع التقليدي. ونجح الفيلم في إظهار العلاقة بين زوجة الأسير الفلسطيني المحرومة عاطفيا، وبين الزوج الذي يشعر مع زوجته ويبارك عودتها للحياة الاعتيادية، حيث يتمسك الاثنان بالأرض والصمود، كلٌّ بطريقته.

لقد فرض المجتمع على زوجة الأسير والمطلقة والمرأة الأرملة قيوداً لا تعطيها الحق في الاعتراض، فعليها التحلّي بالصبر والتزام المنزل وإلغاء الذات، فالمجتمع ينظر بقدسية من خلال عواطفه التقليدية للمعتقل في السجون الإسرائيلية، ويتغنى ببطولاته وتضحياته، ويتحدث عن معاناته خلف القضبان. المعتقَل لا يعاني جسديا فقط، فالمعاناة النفسية لأي أسير معزول عن أهله ومجتمعه وأطفاله، ومحروم من أبسط حقوقه في الحياة، أمور قد لا يفهمها أحد سواه، حتى أقاربه.

لم تسلط نجار الضوء على عذابات الأسير في فيلمها، لكن هذه العذابات كانت حاضرة من خلال مشاهد عدة، كما أن «المر والزمان» ليس مثل الأفلام الوثائقية التي اعتاد الفلسطينيون مشاهدتها، التي يظهر فيها الفلسطيني ضحية للاحتلال، فالرسالة التي أرادت المخرجة إيصالها هي أن الصمود لا يلغي الذات، والرقص ليس جديداً في السينما كتعبير عن التحدي والحرية.

غير أن الفيلم الذي حاز جائزة امنيان لكتابة السيناريو، وأربع جوائز في مهرجان سان سباستيان، وعُرض في مهرجانات عربية ودولية، تعرض للتنديد من حكومة حماس المقالة في قطاع غزة، ومن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ومن أسرى الحركتين في سجون إسرائيل، ومن بعض زوجات الأسرى، ومن بعض المحسوبين على التيار العلماني أيضاً.

نجار تقول إنها لم تتوقع أن يساء فهم رسالة الفيلم من جانب كثيرين ممن لم يشاهدوه، فقد أُنتج بعد شهور من البحث والدراسة والحديث مع زوجات أسرى. لكن موجة التنديدات توالت، حتى إن المخرجة التي عملت سابقاً في ميدان الصحافة، تعرضت لتهديدات شخصية، إذ لا يجوز لزوجة الأسير، حسب المعارضين، التمرد على تقاليد المجتمع، فهي في نظرهم امرأة وُجدت لتجلس في منزلها وتمارس أعمالها البيتية ورعاية شؤون أطفالها بانتظار عودة زوجها بعد سنوات طويلة، وعليها بعد خروجه من السجن القبول بما قد يحدث في كثير من الأحيان، بحيث يتخلى عنها ويتزوج من امرأة أخرى.

جاء في بيان أسرى الجهاد الإسلامي وحماس: «إن قيادات الحركتين في السجون الإسرائيلية، يعربون عن غضبهم العارم على عرض فيلم يسيء لعائلاتهم، ولسمعة الأسير الفلسطيني ولعائلته، وأن ما تم عرضه في الفيلم بعيد كل البعد، عن عادات الشعب الفلسطيني وتقاليده».

البيان وصف أن ما تقوم به زوجة الأسير في الفيلم، بأنه: «أعمال لا أخلاقية في ظل وجود الزوج في السجن، من أجل الحصول على المال أو ما وصف بالحب»، وطالب البيان بـ«وقف عرض الفيلم، ومحاسبة المسؤولين عنه، لما تسبب به من حالة ذهول وغضب لدى الأسرى».

مدير الدائرة الإعلامية في وزارة شؤون الأسرى لحكومة حماس في غزة، قال إن مجريات أحداث الفيلم «بعيدة كل البعد عن أخلاق وعادات شعبنا الفلسطيني المسلم، كونه يعرض المرأة الفلسطينية كراقصة بين الرجال وتقيم علاقات محرمة، وفيه إساءة إليها وهي المناضلة الصابرة».

نجار تنفي أن يكون فيلمها تضمن أيّ مقاطع جنسية، بل على العكس كان هدفه إيصال الوجه الحضاري للفلسطينيين من خلال قصة إنسانية. وتقول: «الفيلم يتحدث عن الحالة الإنسانية لامرأة فلسطينية هي زوجة الأسير، وهي حالة تلامس الواقع في حياة الفلسطينيين».

الكاتب والناقد وليد أبو بكر الذي شاهد الفيلم، يقول: «تحت وطأة الاحتلال، أصبح هناك نوع من الانهيار السياسي والثقافي والاجتماعي، وازداد المجتمع تراجعاً فكرياً وتخلفاً اجتماعياً»، ويضيف: «لم أشعر أن الفيلم أساء لزوجات الأسرى، لكن الجدل الدائر حوله يبدو أنه انعكاس للتراجع الذي وصل إليه المجتمع».

فيلم “المرّ والرمان” لنجوى نجار جدل يعكس الصراع بين الليبرالية والتقليدية
 
02-Apr-2009
 
العدد 70