العدد 70 - ثقافي
 

مراجعة: أسبد كوتشيكيان*

موموضوع قريب إلى قلوب الناس وعقولهم. وحين يأتي الأمر إلى تناول قضايا هوية الأرمن، فإن مهمة تعريف الأبعاد والعوامل المؤثرة في الهوية الأرمنية عملية معقدة، ومن هنا تأتي صعوبتها. وقد تصدى ليفون أبراهيميان لهذه المهمة في كتابه «الهوية الأرمنية في عالم متغير».

الكتاب الذي وضع من وجهة نظر أنثروبولوجية، يرسم خريطة لتطورات الهوية الأرمنية في أرمينيا المعاصرة، من خلال استكشافه عوامل مختلفة تؤثر في تشكيل تلك الهوية في ما بعد الحقبة السوفييتية. وهو يجادل في أن الهوية الأرمنية هي حصيلة عدد من العوامل (يسميها الكاتب «ممرات» في حديقة «الهوية»)، وينظر الكتاب في أثر هذه «الممرات» على إعادة تشكيل الهوية الأرمنية وإعادة تعريفها. وما يجعل هذا الجهد مختلفا عن أعمال سابقة حول الهوية الأرمنية هو أنه يركز على الهوية في جمهورية أرمينيا، وليس الهوية في الشتات، رغم أن الكاتب كرس فصلا في نهاية الكتاب عن ازدواجية الحياة الأرمنية في أرمينيا والخارج.

يذكر المؤلف ستة عشر «ممرا» مختلفا لتشكيل الهوية في كتابه (إطلاق الأسماء، اللغة، الموسيقى، العنف، النصب التذكارية والتقاليد، وغيرها كثير). المشكلة أن بعض هذه الممرات متشابه (مثل ممرات إطلاق الأسماء وإعادة إطلاقها؛ ممر الطغاة والحمقى والممر الملكي؛ ممر الأجداد وممر ما قبل التاريخ)، رغم أن آخرين لديهم كثير من «الممرات الفرعية» التي يبدو تصنيفها عشوائيا. وفي نهاية الكتاب، يعترف الكاتب بأن ما وصفه بأنه «حديقة» أو «ممر» قد يكون في الوقت نفسه عوامل متداخلة ومتقاطعة ومتراكبة تؤثر في الهوية الأرمنية.

لغة الكتاب مربكة قليلاً، لأن من الواضح أن العمل مترجم أو محرر من جانب شخص غير مؤهل لهذه المهمة، ففي بعض الأحيان تجعل الجمل المطولة من الصعب على القارئ تتبع أفكار المؤلف، وفي أحيان أخرى تجعل الترجمةُ الحرفية الأفكارَ غامضة.

معظم المراجع والمصادر في الكتاب إما بالروسية أو في إطار التيار الرئيسي الغربي (بنديكت أندرسون وويليام سافران وأمثالهم). ورغم أن الاختيار قد يُنظر إليه بوصفه عائقا، إلاّ أن له فوائد لأنه يوفر نظرة ممتازة إلى المشهد الأكاديمي السوفييتي والروسي السابق في تعامله مع قضايا اللغة والتاريخ والهوية.

بعض «الممرات» التي أثرت في الهوية الأميركية حديثة، وقد فعل المؤلف خيرا حين تناولها. فهو مثلا، يضع موسيقى «الرابيز» الحديثة في مواجهة مغني «الرابيز» بصورته النمطية في الموسيقى الأميركية التقليدية، موضحا كيفية تأثيرها في الهوية الأرمنية المعاصرة وتشكيلها. وفي إطار عملية التوسع في المفاهيم المتعلقة بالهوية، يحرص المؤلف على تعريف أصول الكلمات واستخداماتها في إطارات مختلفة.

ولا شك أن حماسة المؤلف لتفكيك الكلمات شائعة الاستخدام في أرمينيا ودراسة أصولها، أمر يضيء الكثير؛ فهو مثلا يتيح للقارئ تتبع تطور كلمات وإساءة استخدام كلمات في صيغتها اليومية من قبل شعب هو في إطار عملية إعادة تعريف هويته.

كان يمكن التوسع في الكتاب ليشمل تحليلات أكثر تفصيلا وعمقا، وبخاصة استخدام نظريات ومفاهيم تطوير هوية تقودها الحكومة (على مستوى الوعي أو الوعي الباطن). كما يجب الاعتراف بأنه يعكس تمايزات أكثر وضوحا بين «ممرات» الهوية. ورغم الأخطاء اللغوية والبنيوية القليلة المشار إليها سابقا، فإن الكتاب يعد إضافة ممتازة للتخصص في التعامل مع تشكيل الهوية في الحقبة ما بعد السوفييتية، بخاصة الهوية القومية المحصورة في إطار الدولة الأمة الأرمنية. ويتم التعامل مع الظروف السياسية الاجتماعية المتغيرة في أرمينيا بصرامة وعمومية، ما يجعل المهتمين في هذه القضية يحظون بهذا المصدر القيم لوضع أبحاث عن الهوية في أرمينيا.

ينصح بأن يقرأ هذا الكتاب بقوة كل من يتعامل مع قضايا الهوية المتغيرة في الحقبة ما بعد السوفييتية، حيث تجعل اللغة البسيطة للمؤلف بحثه قابلا للفهم بالنسبة لغير الأكاديميين والخبراء على حد سواء، وتعطي القارئ فرصة لاستكشاف عملية الانتقال لما بعد الحقبة السوفييتية. وعموما، فإنه لكتاب عظيم يرسي الأساس لمزيد من البحث في موضوع قليلا ما تم ارتياده.

* قسم العلوم السياسية، جامعة فلوريدا، تالاهاسي، فلوريدا.

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

تطورات الهوية الأرمنية
 
02-Apr-2009
 
العدد 70