العدد 70 - ثقافي
 

عواد علي

مارس 2009، فعاليات الدورة 15 لأيام عمان المسرحية «دورة فلسطين»، التي تنظمها فرقة الفوانيس المسرحية بالتعاون مع أمانة عمّان الكبرى، ووزارة الثقافة، وتستمر حتى السابع من نيسان/إبريل.

يتضمن برنامج المهرجان، الذي يتزامن مع يوم المسرح العالمي، عروضاً مسرحية وسينمائية، وأمسيات شعرية وغنائية وموسيقية، وورشة عمل بعنوان «ما بين التقنية والخيال» تتمحور حول مسرح الشارع وتقنياته وفنونه وأساليب تقديمه وتطويره، وحلقة نقاشية بعنوان: «التعليم والتدريب في المسرح الجامعي».

العروض المسرحية تقدمها 13 فرقة مستقلة من دول عربية وأوروبية، إضافةً إلى الأردن، هي: فلسطين، تقدم ثلاثة عروض تحمل عناوين «شارع فساد الدين»، «المتحول» و«غزة رام الله»، لبنان «متلي متلك»، العراق «أحلام محظورة»، تونس «خارج النص»، و«وزن الريشة»، الجزائر «فالصو»، سورية «المهاجران»، بولونيا «كارمن فونيبري»، سويسرا «ليصعد الجميع»، فرنسا «لحظة تلاشي»، وإيطاليا «مجرد 2».

تشتمل العروض السينمائية على أربعة أفلام تسجيلية هي: «سيرة لاجئ» للمخرج آدم شابيرو، من أصل أميركي، ويتكون من ستة أجزاء، يوثق تاريخ اللاجئين الفلسطينيين حول العالم، وينتقل بين الشيوخ والشباب والأطفال ليروي ما تبقى في ذاكرتهم من أحداث، ابتداءً من «النكبة» العام 48 حتى اليوم، والفيلم المصري «جلابية وجزمة» للمخرج الشاب أحمد نور، والفيلم الفلسطيني «الصورة الأولى» للمخرج أكرم الأشقر، والفيلم الأردني «جنازة أمل» للمخرجة تينا عمران.

في الأمسيات الشعرية الأربع، التي تقدَّم بعنوان «شعر في مسرح»، حيث ترافقها إضاءة وموسيقى ديكور، يشارك كل من الشعراء: سميح القاسم، زكريا محمد، ونجوان درويش من فلسطين، اسكندر حبش، وحسين بن حمزة، من لبنان، ، نزيه أبو عفش، ونوري الجراح من سورية، زليخة أبو ريشة، جمانة مصطفى، ومحمد العامري من الأردن، عائشة البصري من المغرب، فاطمة قنديل من مصر، وأحمد الملا من السعودية.

أما الأمسيات الغنائية والموسيقية فيشارك فيها: الأردن فرقة رم، عمر الفقير، فرقة سلام، يزن الروسان، سحر خليفة، وعزيز مرقة، ومصر فرقة حبايبنا، وسورية فرقة التخت الشرقي.

وكان مدير المهرجان ورئيس فرقة الفوانيس نادر عمران قال في مؤتمر صحفي عقدته أمانة عمان الكبرى ووزارة الثقافة، إن المهرجان لهذا العام يأتي كتحية لمبدعين رحلوا العام الماضي والجاري، وهم: محمود درويش، والموسيقي عامر ماضي، والقاص محمد طمليه.

من العروض المشاركة في المهرجان، مسرحية «كارمن فونيبري»، التي تنتمي إلى مسرح الشارع. تستلهم المسرحية، التي أداها ممثلون ثمانية (ست رجال وامرأتان) أحداثها من حرب البوسنة والهرسك، لتكشف عن فظاعات الحروب والصراعات العرقية، والمآسي التي تخلفها، مثل مأساة اللاجئين والمهجّرين والمعوقين.

بدأ العرض بمشهد صادم يتمثل بدخول جنديين اثنين في هيئة مصارعين رومانيين مقنعين، يسيران على أرجل خشبية طويلة، حامِلين سوطين، فيبدوان عملاقين يثيران الرعب، وسرعان ما يقومان بمطاردة ستة أشخاص أسرى وجلدهم وإرغامهم على نزع ملابسهم ودفعهم إلى داخل زنزانة القلعة، في حين أخذ هؤلاء الأسرى المساكين يجْرون في كل الاتجاهات، ويتساقطون على الأرض مثل حيوانات أليفة داهمتها كائنات مفترسة، وهم يستغيثون ويطلقون الصرخات من الرعب والألم.

في مشهد ثانٍ يدخل إله الموت إلى الساحة على ساقين خشبيتين طويلتين، أيضاً، وعلى وجهه قناع يمثل هيكلاً عظمياً، يجر عربة حديدية غرزت في وسطها عصا تُستعمل لحمل الحشائش، ثم يدور في الساحة ويمسك قطعا من الملابس ويرميها على الأرض. يلي هذا المشهد دخول اللاجئين إلى الساحة قادمين من خلف الجمهور، وهم يحملون بين أيديهم مشاعل، ويقومون بتعليق الملابس الملقاة على الأرض وإضرام النار فيها. وينتهي العرض بمشهد يشير إلى تحرر الناس من سطوة مشعلي الحروب، ويأخذون بتحطيم القلعة وإحراقها، بوصفها رمزاً لقوة الشر.

أما المسرحية السورية «المهاجران» فهي من تأليف الكاتب البولوني سلافومير ميروجيك، ترجمة وإخراج وتمثيل سامر عمران، إلى جانب محمد آل رشي.

يسعى كاتبها ميروجيك، كما في العديد من نصوصه، إلى استكشاف الاغتراب، وإساءة استعمال السلطة، والمطابقة، والقيود المفروضة على حرية الإنسان في ظل الأنظمة السياسية الشمولية. ويوظف في صياغتها الأسلوب السيريالي الهزلي، والمواقف البشعة للكشف عن المعتقدات المشوهة التي تؤمن بها شخصيتا المسرحية، وهما مهاجران يقطنان في قبو بناية مأهولة بالسكان في بلد غربي رأسمالي، يعيشان على هامش المجتمع في ظروف مادية لا تطاق، وحيدان منعزلان، لا علاقات اجتماعية لهما ولا احتكاك حقيقي مع العالم الخارجي، لكنهما، رغم اجتماعهما في مكان واحد، ينتميان إلى عالمين مختلفين، أحدهما نقيض للآخر: مثقف سياسي يائس، وعامل بسيط يعمل في مهنة شاقة ليجمع قدراً من النقود يحقق بها، حين يعود، حلمه المتواضع في بناء بيت لأسرته.

يجري الحدث الدرامي ليلة رأس السنة، وفي تلك الليلة ينبشان كل هموم وطنهما الذي جاءا منه عبر همومهما، يثيران الكثير من المشاكل، ويكشفان تناقضاتهما الهائلة، حتى يكادا يدمران بعضهما بعضاً. العامل البسيط الساذج (مثّل دوره محمد آل رشي) أزاح الستار عما في داخل المثقف، الملمّ بالمنطق والأخلاق وعلم النفس والفلسفة، مظهراً عقده، وعجزه، ونظرياته ومثالياته التي ليست سوى ورق لا تقوى على مواجهة الواقع. وفي المقابل كشف المثقف (مثّل دوره المخرج سامر عمران) عن أسرار العامل، أكاذيبه، سذاجته، جهله بما يدور حوله، أوهامه عن وضعه في هذا البلد، بهيميته وصفاته التي اكتسبها في المنفى.

المخرج الإيطالي بيترو فلوريدا، حاول في مسرحية «التحول»، إنتاج مشترك بين مسرح الحارة الفلسطيني ومسرح ديلا أرجيني الإيطالي، إجراء بعض التغييرات على رواية «المسخ» الشهيرة لفرانز كافكا، ليقدم رؤيته الخاصة، التي رأى بعض المتلقين أنها تتناول، على نحو مضمر، حال الشعب الفلسطيني المحاصر والمصادرة حقوقه، لكن هذا التصور لا يستند إلى أي قرائن نصّية، ولذلك فهو أقرب إلى الإسقاط غير المسوّغ منه إلى التصور الموضوعي.

في النص الأصلي، أي الرواية، يستيقظ الشاب غريغور سامسا ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة ضخمة. وغريغور هذا يعمل بائعاً لصالح إحدى الشركات، وقد اضطر للعمل من أجل مساعدة أهله وقضاء حاجاتهم بعد تقاعد أبيه العجوز. ولأنه أصبح الآن حشرة كريهة، فإن أهميته بالنسبة لأسرته تلاشت تماماً. لذا نراه خلال الرواية بكاملها وهو يحاول التواصل مع أبيه وأمه وأخته؛ لكن من دون أمل تقريباً، لأن الجميع تخلى عنه. الرواية التي تجري أحداثها في غرفتين فقط تلقي أمام القارئ تساؤلات حادة عن وجود الإنسان في هذه الحياة؛ الإنسان الذي وجد نفسه فجأة في عالم ليس من اختياره. ورغم ذلك فهو مرغم على التعايش معه وفق طاقاته المحدودة، تماماً مثل غريغور سامسا الذي تحول إلى مخلوق كريه بشكل مفاجئ من دون أن يُمنح فرصة اختيار قدره الخاص. أما في المسرحية فإن الأسرة لا تتخلى نهائياً عن ابنها، بل تظل متعاطفة معه، وتحاول أن تهتم به، وتضطر إلى أن تعمل في مهن شاقة لتوفير احتياجاتها. وفي نهاية العرض ينتهي مصيرها إلى وضع غامض حينما يسقط أفرادها (الأب والأم والابنة) على الأرض، دون أن نعلم إن كانوا في غيبوبة أم قضوا نحبهم، في حين يتخلص غريغوري من جلد الحشرة الضخمة ويخرج من مكانه ويبدأ بجمع صور الأشجار التي سبق أن انتزعتها أخته من جدران غرفته.

الحرفة الإخراجية كانت واضحة في كل تفاصيل العرض، رسم حركات الممثلين (أدهم نعمان، فؤاد هندية، رائدة غزالة، رهام إسحق، ونقولا زرينة)، التكوينات المشهدية، أسلوب الأداء، السينوغرافيا (تصميم جبرائيل سيلفا، وعصام رشماوي) التي اقتصرت على مربع معدني تصل بين أضلعه أعمدة رفيعة، استُخدم لأكثر من غرض، وكتلة كبيرة مربعة الشكل، لها جداران مغلقان بقماش شفاف وجداران مفتوحان ليرى المتلقون ما يجري في داخلها، وهي تستقر على لولب، فيقوم الممثلون بتحريكها مثل دولاب الهواء لإضفاء دلالات رمزية على الفعل المسرحي. وربما أن استخدام أغنية عربية في العرض كان المسوِّغ لأولئك الذين أسقطوا أحداثه على الحالة الفلسطينية.

الدورة 15 لأيام عمّان المسرحية: مسرح الشارع وتحيّة للراحلين
 
02-Apr-2009
 
العدد 70