بعد محاولات عسيرة، تمكنت أسرة الرجل الخمسيني من الحصول على “طحين مدعوم” من مخبز قريب رغم التشديدات الحكومية، وبذلك اقتسمت خبز يومها مع “حلالها”.

الأسرة التي تتألف من 11 فرداً يقول ربها إن تأمين الطحين المدعوم مقابل 18 ديناراً/ شوال لن يتيسر في معظم الأحيان، لذلك بات يفكّر فعلياً بالتخلص من عنزاته- مصدر دخله الوحيد بمعدل 7000 دينار سنوياً.

كيس الشعير يقل ثلاثة دنانير عن الطحين، إلا أن هذه المادة الخفيفة تكفي وجبة واحدة (العنزة تأكل كيلو غراماً في اليوم) بينما يمتد الطحين- قليل الفوائد الغذائية - على مدى أربعة أيام، حسبما يتحسّر خالد.

الحكومة السابقة رفعت دعمها عن الأعلاف العام الماضي المقدر بـ 160 مليون دينار، وخصّصت 60 مليوناً لتوسيع قاعدة صندوق المعونة الوطنية الذي بلغ 301 مليون.

على أن خالد وأقرانه يؤكدون أنهم لم يلجأوا إلى صندوق المعونة الوطنية بسبب «شروطه التعجيزية»، إذ على مقدم طلب الانتفاع إثبات خطياً أنه شديد الفقر ولا يمتلك أي أملاك أو عقارات أو يتلقى رواتب من أي جهة.

تعليمات صندوق المعونة «حسب الموقع الإلكتروني للصندوق» نصت على أن«لا تخصص المعونة المالية المتكررة لأفراد الأسرة من الأبناء الذكور والإناث الذين تزيد أعمارهم على 18 عاماً».

وخصّ الصندوق الفئات التالية بأحقيتها بالدعم: (أسر الأيتام، والمسنون، والعاجزون عجزاً دائماً عن العمل وأسرهم، وأسر السجناء والمعتقلين).

الحكومة تدافع عن نفسها باتهام تجار لحوم بأنهم «جنوا ثروات طائلة نتيجة لاتجارهم بالأعلاف المدعومة حكومياً أو استخدامها في تسمين خرافهم المستوردة»، ما يفسره صغار مربيّ الماشية على «عجز حكومي عن ضبط الإتجار بالأعلاف في السوق السوداء».

ارتفاع أسعار الأعلاف يكبد مربي الماشية خسائر جسيمة، على ما يرى عدد من المربين التقت بهم «السّجل».

يشتكي عايد الجعيد (40 عاماً) من أن عديداً من صغار مربي الماشية تخلّوا عن قطعانهم «لعدم قدرتهم على إطعامها».

ويضيف الجعيد، وهو متقاعد عسكري وأب لخمسة أبناء، إن ارتفاع أسعار الأعلاف رفع تكلفة إطعام الرأس الواحد من أربعة إلى 13 ديناراً شهرياً.

و(يدلّل) مشاري حمد، على قطيع من الماشية «بغية بيعها أو التخلص منها». مشاري اعتاد قبل سنوات على التنقل مع قطيعه في فصل الصيف إلى الأطراف الغربية لمحافظة المفرق واربد أو بادية المفرق شرقاً في فصل الصيف، إلا أنه يقر بعدم قدرته على التنقل منذ سنوات «بسبب ضيق المساحة الرعوية في تلك المناطق، وارتفاع أسعار الأعلاف».

 خمسة ملايين رأس من الماشية هي حصيلة تعداد المواشي الذي نفذته وزارة الزراعة بالتعاون مع القوات المسلحة ومؤسسة المتقاعدين العسكريين ووزارة الداخلية والأمن العام ودائرة الإحصاءات العامة الصيف الماضي. أقرّت الوزارة في حينه بأن مشروع التعداد شابه عديد من الأخطاء وتجاوزات مزارعين ولجان التعداد. وهكذا أحالت الوزارة عدداً من اللجان إلى التحقيق لدى المدعي العام. شبهة التجاوزات تطال إحدى اللجان التي أحصت 70 ألف رأس من الماشية في يوم واحد.

المشروع يقضي باستغلال مياه حوض الديسي، أكبر خزان جوفي للمياه العذبة في المنطقة، لأغراض الزراعة.

الحباشنة ذكر مجلس الأعيان السابق بأن مشروع الديسي- 400 كيلو متر جنوبي عمان- قام في البدء على أساس إنتاج الأعلاف على اختلاف أنواعها وتربية المواشي. إلا أن الشركات المستثمرة في الحوض حوّلت جزءاً واسعاً من نشاطها لزراعة الخضراوات سريعة المردود، ما أخلّ بالأهداف المرجوة من استغلال مياه الحوض. شح إنتاج الأعلاف وطنياً نتج عن خلل طال نوعية الزراعة في الديسي «نتيجة لعدم التزام الشركات المستثمرة ببنود العقود الموقعة مع الحكومة التي نصت على اقتصار الزراعة على الأعلاف وتربية الماشية»، على ما يرى الحباشنة الذي طالب «بإعادة توجيه المشاريع نحو زراعة الأعلاف وتربية الماشية لدعم الاقتصاد الوطني و قطاع الزراعة».

الحباشنة يقترح زراعة الاعلاف في 10 بالمئة من المساحات الزراعية المروية بالآبار الجوفية. وذلك لتخفيض فائض إنتاجنا من الخضراوات في خطوة من شأنها الإسهام في التوازن المطلوب بين الزراعات المختلفة في ضوء احتياجاتنا الوطنية.

الحباشنة، غادر مجلس الأعيان نهاية العام الماضي بعد أن أعيد تشكيله، ولم يتلق أي رد من الحكومة على اقتراحه الذي وصفة بـ«القانوني»، واصفاً موضوع مياه الديسي الذي تباع مياهه العذبة للشركات الاستثمارية بأسعار بخسة او «شبة مجانية» بـ «الأمر المسكوت عنه». الحباشنة، يرى أن مشروع القانون الذي تقدم به مجلس النواب بفرض ضريبة على المواطنين لدعم الأعلاف خيار غير مجد بسبب حجم الضرائب الكبير الذي يرزح تحت وطأته المواطن العادي.

ويقدر معدل تصدير الخضار والفواكه للعراق والخليج العربي في حدود 2500 طن يومياً يتم نقلها بوساطة برادات خاصة إلى أسواق تلك الدول.

محللون يرون أن «الخيار الاقتصادي الليبرالي» يتبنى سياسة تعتبر القطاع الزراعي لا مستقبل له في الأردن، نتيجة شح المياه وتدهور إنتاجية الأراضي الزراعية وعدم قدرة الحيازات الزراعية الأسرية والصغيرة على منافسة الإنتاج الزراعي- الصناعي.

الاستراتيجية الوطنية للمياه (العام 1999) نصت على أن الأولوية في استخدامات المياه ستكون لقطاع الاستهلاك المنزلي ومن ثم الصناعي، ويليه القطاع الزراعي، ما جعل نسبة استهلاك المياه في القطاع الزراعي تتراجع من 73بالمئة 1998 إلى 62بالمئة عام 2005. هذه النسبة في نظر المحللين تبقى مرتفعة جداً كون القطاع الزراعي لا يساهم إلا بنسبة 4بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 8بالمئة في العام 1990 ، فيما تتمثل القيمة التنموية والاجتماعية لقطاع الزراعة في كون القطاع يمثل نمطاً معيشياً ريفياً وبنية أساسية للأمن الغذائي.

النواب طالبوا في مذكرة سلموها إلى الحكومة اعتبار “الثروة الحيوانية ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها”، معتبرين أن توفير الدعم المالي لمربي الماشية من شأنه العمل على “توفير اللحوم وتقليل الاستيراد وبالتالي توفير العملات الصعبة”.

حسب تعداد المواشي الذي تم في الصيف الماضي تضم محافظة المفرق ثلث عدد الثروة الحيوانية الموجودة في الأردن، وتشكل حيازات صغار المربين والتي لا تتجاوز 500 رأس 95 بالمائة من عدد الحيازات الخمسة ملايين رأس. السلطات الأمنية فرقت في الصيف الماضي تظاهرة شارك فيها زهاء ألف من مربيٍ ماشية احتجاجاً على قرار رفع الدعم الحكومي عن الأعلاف. ورفع المشاركون «عدداً من المواشي النافقة»، إشارة على أن أغنامهم ستنفق جوعاً نتيجة ارتفاع أسعار غذائها.