العدد 70 - دولي
 

فيصل دراج

يرغب الاشتراكيون الفرنسيون، في دراسة ظاهرة أوباما والتعلّم من تجربته الناجحة التي قادته إلى رئاسة الولايات المتحدة. أمّا السبب الحقيقي فقائم في فشل الاشتراكيين في انتخابات رئاسة الجمهورية الفرنسية العام 2007، التي فاز فيها نيكولا ساركوزي، وطموحهم إلى النجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة العام 2012. هذا الطموح الذي يدفعهم إلى دراسة ظاهرة أوباما وتجربته، ذلك أنهم يعتقدون أن الطريقة التي أدار بها حملته الانتخابية، كما العناصر التي أدرجها فيها، تشكّل نموذجاً متميزاً، على الباحثين عن النجاح أن يستفيدوا منه.

انطلاقاً من هذا الطموح، فقد وفد من الحزب الاشتراكي، خلال الأسبوع الجاري للولايات المتحدة برئاسة «أرنو مونتبور»، السكرتير الوطني المسؤول عن التجديد، مدعوماً من رئيسة الحزب «مارتين أوبري» التي انتزعت، عقب الانتخابات الرئاسية، زعامة الحزب من «سيجولين رويال» التي هزمت أمام ساركوزي، ما يلفت النظر، في هذه المبادرة، أمران: اعتبار ظاهرة أوباما درساً في التجديد السياسي، لم تعرفه فرنسا ولا الحياة السياسية الأوروبية، في العقود الأخيرة، وتطلّع الاشتراكيين الفرنسيين، الباحثين عن التجديد، إلى التعلّم والاستفادة من جديد أوباما، كما لو كان الأخير رائداً في التجديد السياسي داخل الولايات المتحدة وخارجها. أمّا الأمر الثاني، فيحيل على «مارتين أوبري»، التي تطمح إلى جعل الحزب الاشتراكي حزباً للفئات اليسارية الفرنسية المتنوعة، مثلما صرّحت أكثر من مرة. يبدو التجديد الذي جاء به أوباما، والحال هذه، تجديداً موضوعياً، صالحاً لأطراف تعمل على تجديد الرأسمالية وإخراجها من أزمتها الراهنة، بقدر ما هو صالح لحزب اشتراكي فرنسي، يتطلع إلى قيادة «جماهير اليسار» في ألوانها المختلفة.

ولعل هذه الصلاحية هي التي تعطيه طابعاً كونياً، يصلح لأوروبا والولايات المتحدة، وللحزب الديمقراطي الأميركي، والحزب الاشتراكي الفرنسي في آن.

كيف يمكن لحزب يساري أن يستفيد من تجربة حزب ليبرالي، أو كيف يمكن لتجربة ليبرالية ناجحة أن تفيد الليبراليين واليساريين معاً؟ مع أن السؤال يحرّض على تعليق سياسي - فكري متعدد الوجوه، فإنّ الأساسي فيه ماثل في فكرة التجديد، من حيث هي، التي تتضمن وجوهاً تنظيمية وأخرى في قيادة الحملة الانتخابية، وثالثة تمس «الشعارات الحزبية» وكيفية التعامل مع الجمهور السياسي والتوجه إليه، ولهذا يتوقف الاشتراكيون الفرنسيون، وهم يدرسون ظاهرة أوباما الناجحة، أمام عناصر ثلاثة: الانتخابات الأولية داخل الحزب، التي تؤمّن نجاح المرشح الرئاسي داخل حزبه، قبل أن يصبح مرشحاً وحيداً للحزب في الانتخابات العامة، والمقصود بذلك ممارسة الانتخابات الديمقراطية داخل الحزب، الأمر الذي يقنع جماهير الحزب وأنصاره بالوقوف وراء مرشحهم، والنضال من أجل فوزه، ويتمثل الأمر الثاني بخلق دينامية إعلامية - سياسية، تجعل من الانتخابات شأناً وطنياً عاماً، يحرّض المواطنين على المشاركة فيه، ويدفعهم إلى طرح أسئلتهم وتساؤلاتهم السياسية والاجتماعية، وإلى المقارنة بين ما هو قائم وما ينبغي أن يكون، أي انها تحوّل، في النهاية، الانتخابات إلى عملية تسييس جماهيرية.

وبسبب ذلك، بدأ التواصل مع الناس، كما تقصير المسافة بينهم وبين مرشحهم، عنصراً أساسياً في نجاح أوباما. أما العنصر الثالث، الذي يتحدث عنه الاشتراكيون الفرنسيون، فموضوعه الشعارات الجديدة، التي تحيل على حاجات اجتماعية جديدة، وتقترتح وسائل جديدة لإشباعها أو تحقيقها، ولو بشكل مجزوء، وواقع الأمر أن الاشتراكيين الفرنسيين، كما غيرهم، يعرفون بمقادير مختلفة أسباب نجاح أوباما، لكن انجذابهم إلى تجربة أوباما يدفعهم، كما يبدو، إلى «دراسة ميدانية» مستفيضة مقتنعين، ضمناً، أن الرئيس الأميركي يحمل لواء ثورة سياسية.

والسؤال الذي لا بُُدّ منه هو التالي: هل يفسّر ذهاب الوفد الاشتراكي الفرنسي إلى الولايات المتحدة بجاذبية «الثورة السياسية»، التي أنجزها أوباما، أم يفسّر بمأزق الحزب وعدم قدرته على التجدّد، أم بأزمة اليسار الأوروبي بعامة، الذي لم يستطع الوصول إلى صيغ تنظيمية - سياسية تقنع الجماهير الواسعة المتمردة على الرأسمالية وأزمتها؟ وهذا سؤال مشروع بسبب تاريخ الحزب الاشتراكي الفرنسي الطويل وانتسابه نظرياً، إلى موروث الثورة الفرنسية، فقد ظهر هذا الحزب في عشرينيات القرن الماضي، وقاد حكومة «الوحدة الشعبية» في ثلاثينياته، وكان على رأس الحكومة خلال الاعتداء على مصر 1956، وأصبح سكرتيره العام «فرانسو ميتران» رئيساً للجمهورية، في دورتين متتاليتين، بدءاً من أول الثمانينيات.

الواضح، هو أزمة الحزب، التي حوّلته إلى جملة أحزاب تتعايش في حزب تنقصه المبادرة، والواضح الآخر هو «دينامية الرأسمالية» التي استبدلت برئيس مثل جورج بوش، رئيساً جديداً يتعلّم منه «اليساريون».

السؤال الأخير: هل قام أوباما فعلاً بثورة سياسية، أم أن الأزمة العالمية الشاملة هي التي أعطت، بتسامح كبير، تجربته صفة «الثورة»؟.

اشتراكيو فرنسا تلاميذ في “مدرسة أوباما”
 
02-Apr-2009
 
العدد 70