العدد 70 - اقليمي | ||||||||||||||
رياض الغساني ثمة فتوى دينية يهودية تحرّم تشغيل العرب، وأخرى تحظر تأجيرهم منازل، وثالثة تحظر تأجيرهم أراضٍ من قبل «دائرة أراضي إسرائيل» المسؤولة عن الأرض المشاع وما يسمى أراضي الدولة، وهي كلها أرض عربية مملوكة للاجئين، وهناك قوانين تمنع منح تراخيص بناء للعرب داخل إسرائيل. عملياً هدف هذه الفتاوى والقوانين ذات المنحى العنصري، التضييق على أبناء البلاد الصامدين في أراضيهم منذ العام 1948، وستأخذ هذه الإجراءات زخماً كبيراً مع تشكيل الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي سيعيد إحياء وزارة «تطوير الجليل والنقب» والتطوير هنا يعني التهويد، فقد اندلعت شرارة يوم الأرض في منتصف السبعينيات 1976، بعد تقرير كينيغ الذي دعا إلى تهويد الجليل. وفي حكومة تضم أقطاب اليمين المتطرف على رأسهم افيغدور ليبرمان، يمكن توقع الكثير من الإجراءات ضمن سياسة «الترانسفير» التي يعتنقها ليبرمان والأحزاب الاخرى التي ستشكل ائتلافا مع نتنياهو. وكان ليبرمان توعد أعضاء الكنيست العرب العام الماضي، بأنه سيقوم بطردهم من الكنيست في ظل أية حكومة مقبلة ومن البلاد أيضاً. إبان حكومة آرييل شارون، اقترح ليبرمان طرد الفلسطينيين من منطقة المثلث وأم الفحم إلى الضفة الغربية أو إجراء تبادلية سكانية، بحيث يتم ضم المستوطنات بسكانها إلى إسرائيل وضم منطقة المثلث إلى الأراضي الفلسطينية بهدف خلق دولة يهودية بحتة. فالإسرائيليون يشعرون بعد ستة عقود على إنشاء دولتهم بفراغ يهودي في منطقتي النقب والجليل، وسبق لرئيس الدولة شمعون بيريز الذي رعى حملة لجمع التبرعات لتوطين يهود في النقب قبل سنوات، أن وصف تهويد النقب بأنه «أهم مشروع صهيوني خلال السنوات المقبلة». قبل يوم الأرض 30 آذار/مارس، أعطى اليمين الإسرائيلي مؤشرات عما يضمره للجليل والنقب من مخططات تضييقية، حيث قام مائة من نشطاء اليمين وقادة مستوطنين، بمسيرة استفزازية في مدينة أم الفحم بحماية أكثر من ألفي شرطي، وتم خلالها اعتقال 32 شخصاً أغلبهم من القاصرين من سكان أم الفحم لتصديهم للمسيرة. وأعلن قادة اليمين عن تشكيل لجنة لمراقبة المدن والقرى العربية، ترصد عمليات البناء والتوجهات السياسية على غرار ما تفعله حركة السلام الإسرائيلية من رصد للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية. فالأنظار الآن تتجه نحو عرب 48 ضمن سياسة غير سرية للتضييق عليهم، وتخييرهم بين الولاء والطاعة للدولة اليهودية، أو البقاء دون حقوق أو الهجرة للخارج. ومع حلول الذكرى الثالثة والثلاثين ليوم الأرض، ذكر تقرير أصدرته جمعية حقوق المواطن أن المجتمع العربي «يعاني من حرمان مستمر وتضييق متزايد في مجال الأرض والسكن، على مر عشرات السنوات، إن كان من خلال مصادرة الأراضي من مالكيها العرب ووضعها لاستخدام اليهود فقط، أو من خلال تقليص مسطحات نفوذ البلدات العربية، أو لانعدام خرائط هيكلية توفر مناطق سكنية للمواطنين العرب، أو من خلال رفض الاعتراف بعشرات القرى والتجمعات السكنية العربية، وبخاصةً في النقب». يشير التقرير إلى أنه خلال العام 2008 كانت حصة العرب من القسائم التي وزعتها دائرة أراضي إسرائيل، 9في المئة فقط، في الوقت الذي يشكل فيه المواطنون العرب خمس السكان. تبرز ضآلة حصة المواطنين العرب في قسائم البناء بصورة أكثر وضوحاً، لدى مقارنتها بالحاجة المتزايدة في القرى العربية لأراضي البناء، وبسياسة تجميد التطوير والتخطيط في هذه القرى لعشرات السنوات. تؤكد المعلومات الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، أنه مع بداية العام 2009 يشكل المواطنون العرب في إسرائيل نحو خمس السكان، فنسبة الازدياد الطبيعي في المجتمع العربي 2,6في المئة مقارنة بـ 1,6في المئة لدى المجتمع اليهودي، في العام 2007 كان عدد متوسط الأفراد في العائلة العربية هو 4,91 مقارنة ب 3,5 للعائلات اليهودية، عدد متوسط الأفراد في الغرفة في المنازل اليهودية 0,84 مقارنة ب 1,41 في المنازل العربية، وفي العام 2006 كان هناك 44,685 حالة زواج، حوالي 25في المئة منها كانت في المجتمع العربي. هذه المعطيات تشير إلى أن حاجة المجتمع العربي لتخصيص أراض للبناء، هي أكبر مما هي عليه في المجتمع اليهودي، وبخاصة أن 90 في المئة من العرب يعيشون في القرى والمدن العربية، ولا يمكنهم امتلاك منزل في المدن الكبيرة. لا يقتصر التمييز على حصة المجتمع العربي من الأراضي العامة، إنما تنتهج «دائرة أراضي إسرائيل» سياسة تمييز لمنع المواطنين العرب من السكن في أماكن معينة خصصت لليهود فقط. كما هي الحال في الالتماس الذي تقدمت به «جمعية حقوق المواطن» و«المركز العربي للتخطيط البديل»، ضد «دائرة أراضي إسرائيل» على خلفية إعلان الأخيرة في تموز 2004 عن مناقصة لتوزيع 26 قطعة أرض للبناء في أحد أحياء مدينة كرميئيل، واشترط الإعلان تخصيص هذه الأراضي لليهود فقط دون العرب. كما تفتقر القرى والمدن العربية إلى خرائط هيكلية مصدقة، تمكن ساكنيها من استصدار تراخيص للبناء على أراضيهم. حيث إن إجراءات المصادقة على الخرائط الهيكلية تستمر لفترات طويلة قد تتعدى 10 سنوات. بحسب تقرير «جمعية الجليل» حول السلطات المحلية العربية، فإن نحو 42في المئة من الخرائط الهيكلية المعتمدة حالياً تم إعدادها منذ مطلع الستينيات وحتى نهاية الثمانينيات، ونحو 18في المئة فقط منذ العام 2000 وحتى 2006. ولم يتم تعديل معظم الخرائط المعتمدة منذ أن وضعت. في قرية مجد الكروم، لم يصادق على خارطة هيكلية واحدة طيلة 20 سنة: مسطحات القرية آخذة بالتقلص، وعدد سكانها آخذ بالتضاعف. 65في المئة من الوحدات السكنية في القرية شيدت دون ترخيص بالبناء، ويعيش أصحابها تحت وطأة التهديد بالهدم، حيث أعلنت السلطات أنها ستهدم 600 منزل، إضافة إلى الأعباء المالية التي تتكبدها العائلة نتيجة دفع الغرامات، التي تكرر كل ثلاث سنوات. إلى ذلك، يسكن في القرى العربية غير المعترف بها وفي القرى التي ما زالت في طور التخطيط ضمن مجلس إقليمي «أبو بسمة» في النقب ما يزيد على 80 ألف عربي. معظم هذه القرى قائمة قبل قيام إسرائيل، والأخرى أقيمت في سنوات الخمسينيات بسبب تهجير السكان من أرضهم في فترة الحكم العسكري، أي قبل تشريع قانون التخطيط والبناء. ورغم ذلك، فإن إسرائيل ومؤسساتها تجاهلت القرى وسكانها واعتبرتها غير قانونية، حارمة سكانها من كافة الخدمات الاجتماعية والاقتصادية مثل: المياه، والكهرباء، وشق الطرقات، وتأمين المواصلات العامة، وتوفير الخدمات الصحية، والتعليم للأطفال. لا تتوقف معاناة سكان القرى عند هذا الحد، بل يعيشون في خوف دائم من فقدان البيت والمأوى، والسكن في العراء بسبب سياسة هدم البيوت. وتفتقر قرية تل الملح، على سبيل المثال، غير المعترف بها لعيادة طبية في المنطقة. والعيادة الطبية الأقرب تقع في اكسيفة على بُعد 15-18 كيلومترا من بيوت سكان القرية. ومع انعدام المواصلات العامة المنظمة وعدم وجود شوارع معبدة وصالحة للسفر، يستغرق زمن الوصول إلى العيادة ساعتين ونصف الساعة في كل اتجاه، فتضطر نسبة كبيرة من السكان، للتنازل عن تلقي العلاجات الضرورية أمام مشقة الوصول إليها. وفي استطلاع قامت به جمعية أطباء لحقوق الإنسان، تبين أن هناك 4 من بين كل 5 نساء عربيات بدويات من القرى غير المعترف بها، لا يستطعن الوصول إلى العيادة العامة أو عيادة الأم والطفل للحصول على الخدمات الطبية التي يحتجن إليها. ويشكل النقص في الخدمات الطبية سبباً مباشراً في النسبة العالية للوفيات بين الأطفال، والإصابة بأمراض مختلفة كالسرطان والسكري، علماً أن عدد الأطفال العرب البدو الذين يتلقون التطعيمات هو الأدنى في البلاد. على أن هذه السياسة الإسرائيلية التهويدية، لم تفلح في تحويل اليهود إلى أغلبية في الجليل، فما زالت نسبة العرب 53 بالمئة من السكان، والحال نفسه في النقب، حيث حاول ديفيد بن غوريون عن طريق إقامة مدينة الناصرة العليا، ابتلاع المدينة الوحيدة التي بقيت عربية خالصة بعد حرب 1948 وهي الناصرة، لكن سياسته فشلت، فالناصرة تتمدد نحو المستوطنة العليا. بعد تقاعد بن غوريون داعية تهويد النقب اختار السكن في كيبوتس سديه بوكير في النقب، كإشارة منه إلى ضرورة جذب اليهود إلى تلك المنطقة، وباستثناء تهويد بئر السبع لم تفلح الحكومات الإسرائيلية في جذب المزيد من اليهود إلى النقب، رغم ان حكومة شارون السابقة خصصت 3,5 مليار دولار لتهويد النقب والجليل، ومنحت حوافز مالية لمن ينتقل للسكن في هاتين المنطقتين، بل شهدت السنين الاخيرة هجرة عكسية من النقب والجليل نحو مدن الوسط، حيث ان الاغراءات المالية لم تجذب الكثيرين وظلت آلاف المنازل التي تم بناؤها لاستقبال يهود جدد فارغة. |
|
|||||||||||||