العدد 70 - اقليمي | ||||||||||||||
داليا حداد ثارت قضية المصالحة في العراق والموقف من الحوار مع حزب البعث جدلاً واسعاً في الأسابيع الثلاثة الماضية، مع إصرار تيارات سياسية على التمييز بين الحزب نفسه وبين من حملوا هويته. وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي طرح هذه القضية خلال كلمة ألقاها في تجمع عشائري عُقد في التاسع من آذار/ مارس الماضي، دعا فيها المعارضين العراقيين في الخارج إلى العمل من داخل العراق والعودة اليه، مؤكداً أن «حقهم مصان في الداخل وفق الدستور والمصلحة العليا». بيّن المالكي أن «باب المصالحة مفتوح الآن للجميع باستثناء من يدعو إلى الطائفية وإلغاء الآخر، ومن أجرم بحق الشعب العراقي». وأشار إلى أن «المجرمين قلة، وأن هناك مجالاً كبيراً ضمن الدستور للراغبين في الانخراط بعملية المصالحة».و من الواضح أنه يقصد بهم المسؤولين السابقين الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين، و«أسهموا في إنتاج القرار السياسي الذي سبب الكارثة في العراق، ولم يكن صدام حسين مسؤولاً عنها وحده»، حسب تعبير علي الأديب، النائب في البرلمان عن حزب الدعوة. في اليوم الذي أطلق فيه المالكي دعوته هذه، استقبل عادل عبدالمهدي، نائب الرئيس العراقي، محمد رشاد الشيخ راضي ممثل قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي (الجناح السوري)، حيث «بحثا في سبل دعم العملية السياسية، وتعزيز الحياة الديموقراطية، وحال الوئام بين أبناء الشعب العراقي، والتعاون في التصدي للإرهاب والعنف». يذكر أن الشيخ راضي كان من الشخصيات المعارضة للنظام السابق، وربطته اثناء فترة المعارضة تحالفات وعلاقات مشتركة مع القوى السياسية المعارضة. في السياق ذاته، كشف أكرم الحكيم، وزير الدولة لشؤون الحوار، في بيان نشر على موقع الوزارة الإلكتروني، عن اتصالات وحوارات أجراها مع عناصر بعثية قيادية مرتبطة بالجناح السوري للحزب. وقال الحكيم: إنه منذ تسلمه مسؤولية الوزارة بدأ بعدد من الاتصالات والحوارات المباشرة، وغير المباشرة، بشخصيات وجهات عراقية غير مشتركة في العملية السياسية، أو معارضة ورافضة لها أو للحكومة، ومن ضمن تلك الجهات والشخصيات عناصر قيادية مرتبطة بحزب البعث العربي الاشتراكي- قيادة قطر العراق، التي كانت حواراته معها شخصية وغير رسمية، لكنها ايجابية ومفيدة، وساعد على استمرارها. تجدر الإشارة إلى أن حكومة المالكى فتحت خلال مطلع العام الجاري، خمسة مكاتب في عدد من الدول العربية ضمن برنامج المصالحة لتلقي طلبات ضباط الجيش العراقي السابق، بغية منحهم مرتبات تقاعدية أو إعادتهم إلى الجيش. وقد أكد عضو لجنة المتابعة والتنفيذ في «الهيئة العليا للمصالحة» عبود العيساوي أن أكثر من 350 ضابطاً مقيماً في سورية، و25 ضابطاً في الأردن، بعضهم يحمل رتباً رفيعةً مثل لواء وعميد، ملأوا استمارات عودتهم إلى الجيش أو إلى وظائف مدنية، موضحاً أنه «تم الحوار معهم كأفراد وشخصيات عسكرية عراقية وليس كبعثيين أو بعناوين أخرى». ونتجت عن هذا التعاطي مع البعثيين وشمولهم في الحوار والمصالحة، ردود فعل متباينة من قبل التيارات السياسية، ووسائل الإعلام، وأوساط شعبية ودينية في العراق، اتسم بعضها بالتشنج والرفض المطلق، متعللاً بقانون «اجتثاث البعث»، الذي أصدره الحاكم المدني السابق للعراق بول يريمر، وجرى تغييره في ما بعد إلى «قانون المساءلة والعدالة»، واعتبرها البعض «خطوةً لتمكين كبار الضباط البعثيين والسياسيين من العودة إلى مسرح الأحداث السياسية في العراق، وبأنها لم تأت إلاّ من خلال قرار فردي وشخصي، ودليل على تنكر المالكي لثقة الناخبين الذين صوّتوا لقائمته الانتخابية (ائتلاف دولة القانون)، وجميعهم هم من المتضررين من جرائم البعثيين، وحقبة ثلاثة عقود ونصف من القتل والإبادة والاعتقال والمقابر الجماعية» . صالح المطلق، رئيس جبهة الحوار، وصف الرافضين بـ «الأصوات الناعقة أو المبحوحة المملوءة بالعقد الانتقامية والنزعة الحاقدة»، وطالب رئيس الوزراء بعدم الالتفات إليها لأنها «تعرقل مبادرته بالحوار مع كافة الأطراف وبدون استثناء بمن فيهم البعثيون». لكن مكتب رئيس الوزراء سرعان ما أصدر بياناً الخميس 19/03/2009 شدد فيه على أن دعوة المالكي للمصالحة مع البعثيين تقتصر على من وصفهم بأنهم «أكرهوا على الانضمام إلى حزب البعث المنحل ولم يرتكبوا جرائم»، مضيفاً أن المالكي «اشترط على من يعود منهم التعهد بعدم الانضمام مجدداً إلى حزب البعث». أوضح البيان أن المالكي يرى أن أية مصالحة مع البعثيين تعد مخالفة دستورية، كون الدستور حظر التعامل مع حزب البعث المنحل. ورأى البيان أن دعوة المعارضين للعملية السياسية موجهة للإسلاميين والقوميين واليساريين في إطار المصالحة الوطنية، مؤكداً «أن لا مبرر على الإطلاق لحصرها بالبعثيين. يذكر أن الولايات المتحدة كانت أجرت العام الماضي حوارات مع بعثيين يمثلون جناحي الحزب المتصارعين، وهما جناح عزة الدوري، الذي يدعو إلى إسقاط الحكومة الحالية وعودة حزب البعث إلى الحكم، وجناح يونس الأحمد، الراغب في الدخول إلى العملية السياسية. كما أجرت حوارات مع فصائل مسلحة ينخرط فيها بعثيون، وذلك بهدف زجهم في العملية السياسية. هذه الحوارات أثمرت عن نتائج محددة، وقد نقلت واشنطن هذه النتائج إلى الحكومة العراقية التي بنت على هذه النتائج، وهو ما كان أشار اليه ضمناً نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، الذي أعلن أن إدارته ستمارس «ضغوطاً على الحكومة العراقية بهدف توسيع نطاق المصالحة». لكن قيادات سياسية نافذة في الحكم، تفضل العمل على نوع من «تقنين» المصالحة، بمحاولة وضع أطر محددة لها، بحيث يجري استبعاد ثلاث فئات من دعوة المعارضين إلى الحوار، و تشمل هذه الفئات المطلوبين من قبل القضاء ، وأعضاء حزب البعث «الذين أجرموا بحق المواطنين»، إضافة إلى عناصر تنظيم القاعدة، والجهات التي تؤيد العنف. |
|
|||||||||||||