العدد 70 - اقليمي | ||||||||||||||
معن البياري يتوجه الكويتيون مجدداً في 16 نيسان/إبريل الجاري إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب نواب جدد، بعد حلّ الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح البرلمان، المنتخب قبل نحو عام فقط، يوم 18 الشهر الماضي، لسبعة أسباب عرضها في خطاب لمواطنيه، منها: «الكيدية والشخصية» في ممارسات بعض النواب، وتباريهم في مماحكات وممارسات محمومة تهدد سلامة الكويت واستقرارها ووحدة أبنائها، بحسب تعبيره. و«ممارسات مؤسفة» في الساحة البرلمانية شوّهت وجه الحرية والديمقراطية الكويتية، وأفسدت التعاون بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، قال الأمير إنها تجاوزت كل الحدود وأذكت «رماد الفتنة». من الأسباب أيضاً ما وصفه الخطاب بأنه «خلل متفاقم يشوب العمل البرلماني، وفيه انتهاك للدستور وللقانون وتجاوز لحدود السلطات، وتدّني لغة الحوار وانتهاج سبل التعسف والتشكيك والتصيد والقدح بذمم الناس وأخلاقهم. تحول البرلمان إلى ساحة للجدل العقيم والخلافات وافتعال الأزمات، تعج بها عبارات التشكيك والإهانة». هذه التعبيرات وأخرى غيرها، تنمّ عن غضب مقيم في نفس القيادة السياسية من البرلمان الذي انتخب العام 2008، بعد حلّ سابقه، ولا شيء يضمن عدم تكرار الغضب نفسه بشأن البرلمان المرتقب، فالحل الأخير هو الثالث، وللأسباب نفسها تقريباً، وتم سابقه في 2006. ولمّا كان فقهاء القانون الدستوري يقولون إن خيار حل البرلمان، وإن كان حقاً يعطيه الدستور لرأس الدولة، وُجد كي لا يستعمل، وأثبتت تجارب في غير بلد أن التلويح باستعمال هذا الحق غالباً ما يجعل النواب يفكرون بالنتائج، ويؤثرون التروي في صداماتهم مع الحكومات. غير أن استخدام هذا الحق، وفق المادة 107 في الدستور، ثلاث مرات خلال ثلاث سنوات، يعني أن ثمة خللاً غير هين في إدارة الخلافات بين مجلس الأمة (البرلمان) والحكومات، أو ربما بين نواب ووزراء، أو بين تكتلات نيابية ورئيس مجلس الوزراء. وفي البال أن حكومة ناصر المحمد، الأولى عزت الحل الأول إلى ما اعتبرته «تعطلاً لأعمال البرلمان، وإثارة الفتن بين أطياف المجتمع، وتشويه الحوار الوطني والإضرار بالمصالح العليا». وعزت الحكومة الثانية برئاسة المحمد نفسه الحل الثاني إلى «عدم تعاون مجلس الأمة» معها. والبادي أن استهداف شخص رئيس الوزراء بالاستجوابات كان السبب في الإقدام على الحل الجديد، وهو الرابع دستورياً منذ أول مجلس نيابي منتخب في 1963 غداة أول دستور في 1962 وإعلان الاستقلال في 1961، مع الإشارة إلى أنه تم حل مجلس الأمة حلاً غير دستوري، وتعطلت الحياة النيابية، مرتين في 1976 و1986. وفي وسع معلقين إبداء قدر من الاستغراب إزاء التحذير من «الخطر كل الخطر» بسبب ممارسات بعض النواب، ممن «استمروا في تقديم استجوابات غير مبررة» ومن أجهزة إعلامية أصبح بعضها يستغل «كمعاول هدم لمجتمعنا ولثوابتنا الوطنية». ومبعث الاستغراب أن استجوابات النواب في المعارضة لرئيس الوزراء البريطاني (مثلاً) كل يوم أربعاء يهون أمامها استجواب المتهم في محكمة، غير أنه يردّ على أسئلة معارضيه باقتدار وإيجاز، ثم يواصل عمله الحكومي والتنفيذي. يشار هنا إلى ريادة التجربة البرلمانية والديمقراطية في الكويت في جوارها الخليجي، وإلى ما تمتع به هذا البلد من حريات في وسائل الإعلام، خصوصا قبل غزو صدام حسين في صيف 1990. وقد يستبعد البعض هذا الضرب من المقارنات، مع بريطانيا وغيرها، ويعزوه إلى أن البناء الديمقراطي الحديث غير متحقق تماماً في الكويت، ما يفسر غياب أداء راقٍ من الممارسة النيابية الحكومية يماثل ما يجري في ديمقراطيات عريقة. جرت مبالغات معلومة في استهداف رئيس الوزراء ناصر المحمد، وأحياناً في شؤون لا تتصل بعمله مباشرة، من قبيل هدم لجنة مختصة بإزالة التعديات على أملاك الدولة مصلّى غير مرخص، مع أن المساءلة ينبغي أن تتوجه إلى وزير الأوقاف. كما طلب نائب استجوابه حول نفقات ديوانه، رغم أن الموضوع محال إلى القضاء، ما يعني عدم جواز النظر فيه. ولوّح نواب باستجواب رئيس الوزراء بدلاً من وزير الصحة لوفاة مولود بطريق الخطأ في مستشفى حكومي. والمعلوم أن استجواباً تم بسبب محاضرة ألقاها عالم دين إيراني في أثناء الحكومة قبل الحالية. حدث الاحتدام في توالي طلبات استجواب رئيس الوزراء، فيما كانت الحكومة تنشط باتجاه تمرير موافقة نيابية على صفقة لتحفيز الاقتصاد تتكلف خمسة مليارات دولار، في ظل الأزمة المالية العالمية. وأيضاً فيما يميل الأمير للعودة إلى المزاوجة بين منصبي رئيس الحكومة وولي العهد، بتعيين شقيقه نواف الأحمد رئيساً لمجلس الوزراء بعد انتخابات الشهر المقبل. وتعكس الخطوة إذا حدثت تراجعاً عن مسار إصلاحي، وتوقفاً لتطلعات نحو تطوير النظام الديمقراطي وتأهيله. وتتوازى مع انتكاسات عديدة تتراكم في الكويت على هذا الصعيد، منها عدم قدرة أي امرأة على الفوز بمقعد نيابي، وتنشيط المرجعيات القبلية في تنظيم انتخابات فرعية بين أفخاذها وفروعها لاختيار مرشحين لانتخابات البرلمان، وهو إجراء يمنعه القانون وتحاربه الدولة من دون أن تملك وقفه. وهذه وغيرها من ظواهر تدلل على فشل النخب السياسية والتمدينية في الكويت، في إرساء بنى تحديثية، وفي تدعيم النظام السياسي بنقاش تيارات وأفكار وحركات سياسية جديدة، تراكم منجزاتها باتجاه انتقال الكويت إلى مراتب متقدمة على مستوى التحول من مجتمع تقليدي، وإلى دولة عصرية. وهذه آمال وطموحات، قد تصطدم بها نتائج انتخابات برلمانية جديدة، ليس مؤكدا أنها لن تسبّب حلاً جديداً للبرلمان الذي سيتشكل منها، إذا ما جدّ جديد يماثل ما يُعايَن في هذا البلد. |
|
|||||||||||||