العدد 70 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير النهايات تقلقه، مثلما تقلق كثيرين. رأى النور العام 1954 في إربد التي أحب، رغم أنه تنقّل في مقتبل طفولة امتدت على خريطة الوطن، بين إربد، وجرش، ومادبا، وعمّان، والعقبة، بمعية والده القائمقام حابس المعايطة. درس في ثانوية إربد، ومنها تخرّج العام 1972. والدته إربدية من بيت النابلسي، وربما لأن هوى إربد استأثر بالأم وسرى منها إلى الأولاد، استقرت العائلة في المدينة الشمالية. عرف الفتى موسى المعايطة بوصفه رياضياً متميزاً أكثر منه تلميذاً مجتهداً، وبرز في رياضة تنس الطاولة على المستويين الفردي والزوجي، وفاز ببطولة المحافظة، ومن النشطاء في مركز شباب إربد. «مراكز الشباب كانت فاعلة في ذلك الوقت، رياضياً وثقافياً واجتماعياً، الآن لم يعد لهذه المراكز دور للأسف». بدأ وعيه السياسي بالتفتح في تلك الأيام، وأحس بقربه من الأفكار اليسارية والقومية، بتأثير من صديقه محمد عقلة بني هاني، عضو الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين آنذاك. سافر إلى حلب للدراسة في جامعتها، لكن المدينة الموغلة في تقليديتها لم تعجب الشاب الحالم بالدراسة في أوروبا.عاد إلى عمان وحظي ببعثة من وزارة التربية والتعليم للدراسة في رومانيا. في «ياش»، المدينة التاريخية التي أقامها الرومان في منطقة محاطة بالغابات على ضفاف نهر «بأهلوي»، تفتحت أفكاره السياسية واقترب بيساريته من الحزب الشيوعي الأردني، حيث نُظم من قبل عزام فايز الشاب من مدينة نابلس، وأنشأ أول فرع لاتحاد الطلبة. كان منهم عدد من الشباب المتحمسين من أمثال: «الطبيب خالد الكلالدة، والنائب السابق عوض ذيابات، والنائب محمد البطاينة، وزميل سكنه النائب السابق عبدالله فريحات. وكان والنائب السابق نبيل نهار قريباً من الحزب في اتحاد الطلبة. انتقل إلى «بوخارست» لأسباب سياسية وشخصية، فقد أوفده الحزب للمساهمة في الحركة الطلابية، في حين أن أسبابه الشخصية لها علاقة بقصة زواجه من صديقته ورفيقة دربه. أهل العروس كانوا رافضين للفكرة، على اعتبار أن العريس من بلاد صحراوية «يقايض فيها الرجل زوجته بجمل. ولم يكن ممكناً للرومانيين المصاهرة مع أجنبي إلا بموافقة الرئيس شاوشيسكو والأهل. تأجل الزواج أربع سنين، لحين وصول موافقة الرئيس للمواطنة الرومانية «روديكا» على الاقتران من أردني. بعد موافقة الأهل الذين صاروا أصدقاء مع الوقت، ونسوا حكاية الصحراء والجمل. انتخب رئيساً لاتحاد الطلبة الأردنيين بعد تخرجه، وكان يضم نحوا من 2000 طالب، ويطغى عليه أعضاء الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية فضلاً عن قوى أخرى. «في رومانيا تعلّمت العمل السياسي وتثقّفت سياسياً، «رغم أنني في السنوات الأخيرة فقدت قناعتي بجدوى الحكم الشمولي وأعلنت شكوكي في منطمة الحزب، فأحضر لي أحد الرفاق كتاب لينين المرتد كاوتسكي، مما أخافني بأن أوصف بالمرتد، مع أن قناعاتي بالديمقراطية ازدادت». قفل عائداً إلى الأردن في العام 1981، بعد أن حاز الماجستير في هندسة الاتصالات، ورغم ابتعاثه من قبل وزارة التربية إلا أنه لم يعمل بها لأسباب سياسية، فانتقل للعمل في القطاع الخاص، مع استمراره عضواً في الحزب الشيوعي ونشاطه في النقابات. اختير العام 1989 عضواً في الشعبة الكهربائية، ثم رئيساً لها، وعضواً في مجلس نقابة المهندسين. شكّل في العام 1990 لجان المناطق للمطالبة بالديمقراطية في الحزب، وعدم جدوى ديكاتورية البروليتاريا، فتم فصل أعضائها من الحزب. ساهم العام 1992 بتأسيس «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» وانتخب عيسى مدانات أميناً عاماً له. بقي جواز سفره محتجزاً حتى العام 1989، وأول سفر له في دورة إلى بريطانيا كان العام 1990. ولسوء حظه أخبروه في المطار بأن لا مكان له على الطائرة، وكان «مستقتلاً» على السفر، فبدأ بالصياح عليهم حتى «مشوه». توحّد الحزب العام 1996 مع قوى يسارية أخرى الحزب العربي الديمقراطي «مازن الساكت»، والحزب التقدمي الديمقراطي «علي عامر» واليسار الديمقراطي في حزب الشعب الديمقراطي «حشد»، «بسام حدادين وجميل النمري» في إطار الحزب الديمقراطي الوحدوي بزعامة الساكت، الذي أبدى انفتاحاً على الديمقراطية. وانتخب عضواً في مكتبه السياسي. عانت زوجته الكثير معه، ومن المواقف الصعبة التي أثرت بهما أنها تقدمت لوظيفة أستاذ في اللغة الإنجليزية بالجامعة الأردنية، وكانت مستوفية للشروط، واتخذ مجلس العمداء قراراً بتعيينها بعد الاتفاق على الراتب, لكن قرار التعيين لم يوقع من رئيس الجامعة فوزي الغرايبة، دون أن يعرفا السبب حتى الآن. «روديكا لم تعلق أبداً بأنها خسرت شيئاً بسببي، مع أن لا علاقة لها بنشاطي السياسي». تفجّر الخلاف داخل الحزب،بعد مشاركة مصطفى شنيكات في حكومة الكباريتي 1996، فقدّم الساكت استقالته، وانتخب موسى أميناً عاماً للحزب العام 1998. بعد أن صار اسم الحزب «اليسار الديمقراطي». ترشح في انتخابات 1997 في الكرك، بدون إجماع عشائري، وكان أول الراسبين «أنا مقتنع بالإصلاح السياسي وعدم إمكانية تحقيق تطور بدونه». وفي العام نفسه، تولّدت قناعات في الحزب،بفك الارتباط بالأفكار الماركسية القديمة إيماناً بأن لا بديل عن الديمقراطية، والإيمان بالدستور والنظام النيابي الملكي، بحيث يكون العمل السياسي قائماً على التعددية والأحزاب، وتشكيل الحكومات على أساس الأغلبية البرلمانية، كما كان الحزب أول من طرح شعار التنمية السياسية نهاية التسعينيات، وصار الحزب عضواً في الاشتراكية الدولية. «طوّرنا وجهة نظر بأن التنمية السياسة والإصلاح السياسي يجب أن تتم بشكل تدريجي، محافظة منا على الاستقرار داخل البلد، لأن القضية ليست محصورة في السلطة السياسية فقط، وإنما في تطوير المجتمع ليتقبل الأحزاب والأشكال الجديدة عوضاً عن العشائرية». كما طالب حزب اليسار بتمويل الدولة للأحزاب، ما دعا رئيس وزراء سابق للقول له: «ما أحلانا معطينكم أموال علشان تقووا علينا». كما خشيت أحزاب أن تصبح بعد التمويل تحت عباءة الحكومة. وكانت النتيجة أن «الدولة قبلت بتمويل الأحزاب، والأحزاب قبلت بذلك، رغم تحفظاتنا على طريقة التمويل». ظل المعايطة أميناً عاماً للحزب حتى 2008 إلى أن حال قانون الأحزاب الجديد دون بقاء الحزب «على قيد الحياة». تعديل قانون الأحزاب كان اعتماداً على أن «زيادة أعداد المؤسسين في الأحزاب سيطور الحياة السياسية، وها نحن نرى أن العمل الحزبي تراجع خلال سنتين من إقراره وسنة منذ البدء بتطبيقه». للحزب «الراحل» كتابات عديدة منها: الديمقراطية داخل الأحزاب العربية، واليسار الأردني، وآفاق تطوره، التنمية السياسية في الأردن، والمرأة في الحياة الحزبية وغيرها. «أطبق حالياً في وزارة التنمية السياسية قناعاتي في الإصلاح السياسي وتطوير المشاركة الديمقراطية، ويشغلتي حالياً كيف أخرج منها دون أن يقال عني إني غيّرت قناعاتي». يصفه حزبي بأنه «دمث، وذو روح ساخرة، وتأبط التنمية السياسية، وأخشى من عدم نجاحه». يطالع كثيراً بعيداً عن الوظيفة، وهو معجب بصاحب «الزنبقة الحمراء» جورج أمادو، مثلما تولستوي، وحنا مينة، وأمين معلوف، وأحلام مستغانمي، والطاهر وطار، وفاجأته قسوة محمد شكري في «الخبز الحافي»، وما زال في البال وربما من صميم فقدان الديمقراطية، «السيد الرئيس» لـ«ميغيل انخيل استورياس»، حين يحقق رجال الأمن مع أحد المواطنين فيعترف بأنه رأى المتهم، وحين يغادر مبنى الأمن بعد أن وقع على المحضر، يسير المواطن متلمساً الطريق بحثاً عن عصاه، لأنه أعمى. |
|
|||||||||||||