العدد 70 - الملف | ||||||||||||||
نهاد الجريري «كم كنت أحظى بلحظات رائعة من الذكريات حين أتحدث إلى الناس عن جامعتي؛ لا أن أبحث عن كلمات الاعتذار والتأسف حتى أمحو الأدران عن صورتها الناصعة». بهذه الكلمات بدأ علاء المخزومي، أحد خريجي جامعة اليرموك، رسالة موجهة لمن يهمه الأمر في موقع mahjoo.com في 27/4/2007 تعليقا على مشاجرات عشائرية اجتاحت الجامعة في ذلك التاريخ. وتابع علاء “كم خدم هذا الصرح الحضاري الوطن، وكم خرج من أفواج، وكم من مرة قوبل خريج اليرموك في جامعة من جامعات العالم العريقة بالترحاب فقط لأنه خريج جامعة اليرموك”. فما الذي حدث؟ باسم الطويسي الأستاذ في جامعة الحسين، وخريج اليرموك، يقول إنه كان ثمة إرادة من المجتمع الأكاديمي والنخبة الأردنية بتحقيق مشروع ثقافي “مختلف” يتميز على مستوى الشرق الأوسط، فكانت جامعة اليرموك التي تأسست في العام 1976 هي ذلك المشروع. ويضيف أن البيئة الأكاديمية للجامعة في عقد الثمانينيات “الذهبي”، كانت متميزة من حيث الاستفادة من التجارب العالمية في وضع المنهاج والمساقات و”تدويرها” محليا ومنحها الصبغة الأردنية. فكانت في اليرموك تخصصات متميزة على مستوى الإنسانيات والفنون والإعلام. كما أن الجامعة كانت تستقطب مدرسين من خلفيات ثقافية وأكاديمية وفكرية متعددة: من سوريا ولبنان ومصر والسودان وحتى ألمانيا والولايات المتحدة. التنوع نفسه ظهر في نوعية طلاب اليرموك، يضيف الطويسي. ديموغرافيا كان هناك طلاب من الضفتين: الشرقية والغربية، وطلاب عرب من الخليج، وطلاب أجانب. هؤلاء عكسوا توجهات سياسية مختلفة: إسلامية، شيوعية، قومية، بعثية. يتذكر الطويسي أنه عندما كان يدخل كافتيريا الجامعة أثناء دراسته (من 1985-1989)، كان يرى “بيئة محدودة المساحة ذات تنوع سياسي واسع”. ذيب مرجي، النائب السابق وعضو الهيئة التدريسية في جامعة اليرموك، يقول إن المجتمع المحلي كان يصغي لأصوات الطلبة في تأكيده على مدى تأثير الجسم الطلابي في الحياة العامة، ويضيف أن الجامعة آنذاك كانت “خلية نحل”، تغص فيها القاعات بالطلاب المتعطشين للبحث والنقاش، حيث انتعشت أندية المسرح والموسيقى والفنون والشعر. ومن مظاهر ذلك الحراك أن الجامعة كانت تستضيف شخصيات مهمة تلقي محاضرات تتجاذب فيها أطراف الحديث مع الطلبة. ويذكر مرجي محاضرة لرئيس الوزراء الأسبق عبد الحميد شرف تحدث فيها عن بناء الدولة الحديثة ودور المؤسسات والشباب فيها “فكان الطلاب يسألون أسئلة جريئة حول كل تلك المواضيع”. كامل حبش، عضو مجلس نقابة المهندسين، يتحدث بكثير من الفخر عن نوادي المسرح والموسيقى وأمسيات الشعر في تلك الفترة. وكيف أن زميلا لهم اسمه رمزي مهيار شكل فرقة موسيقية تغني بالإنجليزية، “وتحديدا أغاني خوليو إخليسياس”. ويضيف أن الطلاب في تلك الفترة، النصف الأول من الثمانينيات، كانوا أكثر وعيا مما هم عليه الآن، “كنا نترفع عن سؤال بعضنا البعض من أين أنت؟ فلم نكن نهتم إلا بسلوك زملائنا وتوجهاتهم الفكرية”. ويضيف حبش: “لم نختلف يوما فيما بيننا، بل كنا نحتفل بكل المناسبات الاجتماعية والوطنية وندين بصوت واحد كل الأعمال البربرية التي تمس العرب: من مجزرة صبرا وشاتيلا إلى العدوان على ليبيا في أبريل 1986”. العام 1986 كان الحد الفاصل بين ما كان، وما سيكون؛ بين عصر الذروة، وعصر الانحدار. في ذلك العام، وتحديدا في منتصف شهر أيار/مايو، اقتحمت قوات الأمن حرم الجامعة بعد منتصف الليل لتفريق اعتصام قام به طلبة جامعة اليرموك على مدى يومين متتاليين. الأحداث أسفرت عن وفاة إبراهيم حمدان: الطالب في السنة الأخيرة في كلية الهندسة، والطالبتين مها محمد قاسم ومروة طاهر الشيخ، “وحمل عدد من الطلاب والطالبات إعاقات دائمة نتيجة الضرب، فأصيبت إحدى الطالبات بشلل نصفي، وأصيب أحد الطلاب بتمزق في مرابط الساق، وأصيب آخر بكسر في أنفه”، بحسب ما جاء في كتاب “الحركة الطلابية الأردنية” لسامر خرينو. تختلف القراءات لأحداث ذلك اليوم. البعض يؤكد أن الأزمة ما كانت لتقع لو تمتعت إدارة الجامعة ببعض الحكمة. فيما يذهب آخرون إلى حد ربط الأزمة بعوامل سياسية تتعلق بالعلاقة بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت. الثابت أنه في تلك الفترة، احتج طلاب كلية الهندسة على قرار الجامعة تحصيل نحو 90 دينارا رسوما عن فصل التدريب الذي يسبق التخرج. الاحتجاجات استمرت وحصل طلبة الهندسة على تضامن واسع من بقية الطلبة في الجامعة. رافق ذلك اعتقال الأجهزة الأمنية عددا من الطلبة على خلفية تلك التظاهرات، وقرار لإدارة الجامعة بفصل 32 طالبا على خلفية الأحداث نفسها. في 13\5\1986، نظم الطلبة تجمعا كبيرا داخل حرم الجامعة طالبوا فيه بإلغاء قرارات الفصل والاعتقال، ووقف التدخل الأمني في القضية، وإقامة اتحاد عام لطلبة الأردن. القوات الأمنية ضربت حصارا حول الجامعة. واستمر الطلبة في اعتصامهم حتى اليوم التالي. وفي الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل 15\5\1986، اقتحمت قوات الأمن حرم الجامعة، واستعملت القوة لفض الاعتصام. انتهت هذه الأزمة بإقالة رئيس الجامعة آنذاك، عدنان بدران، رئيس الوزراء لاحقا. وفصل عدد من أعضاء الهيئة التدريسية ممن ساندوا الطلاب في تلك القضية. مرجي الذي كان من الأساتذة الذين فصلوا ذلك العام، يقول إن للمسألة أبعادا تتعلق بخلاف بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير. ويعتبر أن جامعة اليرموك في تلك المرحلة كانت المعقل الوحيد المتبقي للعمل الطلابي بعد أن حيدت الحكومة الجامعة الأردنية مطلع الثمانينيات على خلفية أحداث مماثلة. لكن يعقوب زيادين، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الأردني، وفي مقابلة مع صحيفة الراية القطرية بتاريخ 16\3\2008، لا يربط بين هذه الأحداث وأي عوامل أو نتائج سياسية. مع هذا يلفت زيادين إلى أن تلك الفترة شهدت، ولأول مرة، عجزا من جانب “الأجهزة الأمنية عن اختراق الجسم الطلابي الموحد خاصة تحالف الشيوعيين مع التيار الديني غير محدد المعالم، بحيث تم تداول شعار يحمل من الطرافة الطلابية بقدر ما يحمل من المعني (يا عمال العالم، صلوا علي النبي)”. برز من القيادات الطلابية في تلك الفترة: سعد الطاهر، وائل أبو سمحة من الإخوان المسلمين، رمزي الخب من الشيوعيين، تهاني الشخشير من الجبهة الشعبية، وعبد خليل وعامر عوض وموسى الزيتاوي وأحمد خليل، وغيرهم. الطويسي يعتبر ما حدث “انقلابا” على الحركة الطلابية في الجامعة، ومرجي يقارب بينها وأحداث حرب 1967 التي ضاعت فيها الأرض ولم تقم للعرب بعد ذلك قائمة. في النصف الثاني من الثمانينيات، ضعف العمل الطلابي، وبخاصة اليسار الذي ما لبث أن تلقى ضربة قاصمة بانهيار الاتحاد السوفييتي. وظهرت تنظيمات طلابية من نوع آخر. ماجد توبة، الصحفي وخريج اليرموك، يعتبر أن الحكومة بدأت تلجأ إلى “التخريب الممنهج الداخلي” الذي يؤطر للعشائرية والجهوية والمقرب من الأجهزة الرسمية. وربما كان في تعاظم دور “التيار الحكومي” بحسب خرينو، في نهاية الثمانينيات، وفي ظهور التجمع الوطني الطلابي الأردن “وطن” في العام 1991، أهم الخطوات على تلك الطريق. |
|
|||||||||||||