العدد 70 - الملف | ||||||||||||||
دلال سلامة كان مروان في الصف السابع عندما ترك المدرسة ليعمل صبيا لدى فني كهرباء. لم تكن ظروف عمله القاسية تقتصر على ساعات عمل تصل إلى العشر يوميا، براتب 100 دينار شهريا، بل في أن صاحب العمل بدأ يكلفه هو ابن الثالثة عشرة، القيام بأعمال تمديد خطوط الكهرباء على ما فيها من مخاطر. مروان، واحد من 60 ألف طفل قالت دراسة أجراها مركز المعلومات والبحوث في مؤسسة الملك الحسين، إنهم تسربوا من مدارسهم، ونزلوا إلى سوق العمل ليعملوا في مهن الصيانة والحدادة والنجارة والبيع والتحميل، ومعظمهم يعملون في ظروف سيئة، إذ يصنف كثير من المهن التي يعملون فيها بالخطرة، إضافة إلى طول ساعات العمل وانخفاض الأجر. بحسب الاستراتيجية الوطنية للحد من عمالة الأطفال التي أنجزتها وزارة العمل، فإن 86 في المئة من هؤلاء الأطفال تراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة، وهم يشكلون ما يسمى بـ«العمالة الرخيصة»، إذ يتلقى 10 في المئة منهم أقل من دينار يوميا، في حين يقل دخل 70 في المئة منهم عن الثمانين دينارا شهريا. النسبة الأكبر من هؤلاء يعملون في العاصمة عمان، بنسبة 57 في المئة، تليها الزرقاء بنسبة 21 في المئة، ثم إربد 8 في المئة، وأخيرا البلقاء بنسبة 4 في المئة. مروان الذي يقيم في إربد كان محظوظا، إذ كان جزءا من مشروع رائد للحد من عمالة الأطفال في المحافظة نفذته البلدية ما بين العامين 2005 و2006، بالشراكة مع جمعية حماية الأسرة والطفولة في إربد، ومركز البحوث والمعلومات في مؤسسة الملك الحسين، بدعم من الوكالة السويسرية للتنمية. ارتكز المشروع على فكرة عملية مفادها أن يتم سحب الطفل من سوق العمل وإرجاعه إلى المدرسة، مقابل توفير تدريب مهني لواحد من أفراد العائلة البالغين المتعطلين عن العمل في دوائر البلدية. وخلال فترة التدريب التي تستمر ثلاثة أشهر يقوم المشروع بدفع ثمانين دينارا للأسرة مناصفة بين البلدية وجمعية حماية الأسرة. المبدأ كان تعويض الأسرة عن الدخل الذي ستفقده برجوع الطفل إلى المدرسة، وتوفير تدريب لفرد آخر من الأسرة ليحصل على عمل. من هنا تلقى أخ لمروان كان يبلغ الثامنة عشرة آنذاك تدريبا على ميكانيك السيارات، وهو يعمل في المهنة منذ ذلك الوقت، في حين أكمل مروان الدراسة، وهو الآن في الصف الأول الثانوي، ويخطط لدخول الجامعة، ليمثل بذلك واحدا من قصص النجاح التي حققها المشروع. المنسق عن بلدية إربد آنذاك أشرف الطواها، قال إن النتائج التي حققها المشروع كانت كبيرة في ظل الصعوبات الكبيرة التي صادفت فريق العمل، فبالإضافة إلى عدم توافر قاعدة دقيقة للبيانات ترصد هؤلاء الأطفال، وتخوف الأسر الناجم عن تجاربها السابقة المخيبة مع جهات أخرى تقوم بالعمل الاجتماعي، كانت هنالك صعوبة كبيرة في إقناع الأطفال أنفسهم بالعودة إلى طفولتهم. «بعد أن يصبح الطفل صاحب دخل خاص وعضوا فاعلا في الأسرة، مع ما يتبع ذلك من امتيازات تتمثل في حصوله على هامش كبير من الحرية والاستقلالية، لن يعود بسهولة إلى المدرسة ليأخذ مصروفه من أهله»، يقول الطواها. وبحسب المنسق عن بلدية إربد، فإن المشروع الذي اشتركت فيه عشرون أسرة كان تجريبيا، إذ هدف إلى قياس مدى تقبل الأسر والأطفال للفكرة واستعدادهم للتعاون، لكن المخيب للآمال هو أن جهة ما لم تقم بعدها باستثمار نجاحه، فهو يرى أن «المشروع كان نقطة انطلاق فقط، وكان من المفروض أن تتبعه مشروعات أخرى أعم وأشمل، تغطى أعدادا أكبر من الأسر، وتشترك فيها مؤسسات أخرى من القطاعين العام والخاص، ولكن هذا لم يحدث». عاملون في المشروع أكدوا على أن العديد من الأسباب يقف وراء انتشار ظاهرة عمالة الأطفال، وقلة فعالية الجهود المبذولة للحد منها، فرئيس جمعية حماية الأسرة والطفولة في إربد كاظم الكفيري الذي يقول إن عدد الأطفال العاملين في إربد يقارب ثمانية آلاف طفل، أتوا أساسا من التجمعات المهمشة في المدينة مثل أحياء التركمان وحنينا ومخيم إربد، يحمّل الجهات العاملة من أجل الأطفال مسؤولية التقصير، فكثير منها أسير لأجواء الفنادق: «تقام أحيانا مؤتمرات يكلف الواحد منها عشرة آلاف دينار، ولا تنفذ أي من توصياتها. الاستراتيجية الوطنية للحد من عمالة الأطفال التي نفذتها وزارة العمل مثلا، وكان يجب أن ينفذها جهاز حكومي وليس وزارة بسبب التداخل الكبير في عمل الجهات العاملة مع الأطفال، لم تنفذ أي من توصياتها». الكفيري يرى أيضا أن افتقادنا «تقاليد المؤسسة» عامل أساسي في تعثر الجهود العاملة من أجل الأطفال، فعندما أنجز المشروع بالشراكة مع البلدية، كان هناك تفاهم على إنشاء دائرة للطفولة في البلدية، ولكن بذهاب الرئيس تعثرت الفكرة، فلكل بلدية جديدة على حد قوله أولويات مختلفة، وهي مرتبطة أساسا برؤية الأشخاص؛ هناك من يكون الأطفال أولوية بالنسبة إليه، وهناك من تكون الشوارع هي أولويته. عدم وجود مشاريع لاحقة تستفيد من نجاح المشروع وتستدرك أخطاءه، كان أيضا سببا في أن بعض من شملهم المشروع عاد بعد انتهائه إلى حياته السابقة. وأحد الأخطاء بحسب الكفيري تمثل في عدم إشراك المدرسة، بشكل فاعل، في المشروع، فالبيئة المدرسية يجب أن تهيأ لتكون بيئة حاضنة لهؤلاء الأطفال ومشجعة لهم على العودة. أحمد، نموذج على ذلك، فقد عاد إلى المدرسة لمدة أسبوعين فقط: «كان المعلمون يشتمونني ويصفونني بأنني متشرد وهامل وعار على المجتمع». أحمد يعمل الآن ثلاث عشرة ساعة يوميا في محل للستائر، ويقوم بأعمال تراوح بين تركيب الستائر وتنظيف المحل وشراء الأغراض لمنزل معلمه، يتلقى راتبا مقداره 120 دينارا، يعطي أسرته نصفها، ويتبقى له بعد خصم مواصلاته 38 دينارا. عندما سئل أحمد الذي يبلغ الآن السابعة عشرة من عمره: كيف يرى مستقبله، أجاب «شو يعني المستقبل، أنا ما بفكّر بالمستقبل». |
|
|||||||||||||