العدد 70 - الملف
 

دلال سلامة

في الخمسينيات، أصدرت بلدية إربد قرارا خصصت بموجبه، وبالمجان، جزءا من المقبرة الاسلامية في البلدة لأبناء الطائفة البهائية في المدينة.

من يراقب ردة فعل الناس في الوقت الحاضر عندما تذكر كلمة بهائي، ومن يدخل إلى شبكة الإنترنت ويرصد نوعية الألفاظ التي يوصفون بها في المنتديات والمواقع (فئة مارقة، مشبوهة، منحرفة، كافرة)، فإنه يستنتج أن قرار البلدية الذي تضمن اعترافا بهم كعقيدة، يبدو الآن، وبعد أكثر من خمسين سنة، واحدا من العجائب.

ليس معلوماً على وجه الدقة يعرف عدد البهائيين في الأردن، وإن كان التقرير الأميركي السنوي لحقوق الإنسان قدرهم بنحو الألف شخص. استقر البهائيون في الأردن منذ أكثر من مئة عام، وذلك عندما قدموا العام 1890، من إيران، فارين من حملات اضطهاد متكررة عانوا منها. جاءوا واستقروا في الشمال، ولأنهم قدموا من إيران، أطلق الناس عليهم اسم «العجم».

منوشهر الإيراني، طبيب الأطفال المقيم في إربد، وهو حفيد المهاجرين الأوائل من البهائيين، يقول إنهم الآن يتوزعون في مختلف أنحاء المملكة، ولكن بصمتهم الحقيقية تاريخيا تركزت في منطقتي الشمال والوسط. فأبرز المعـــلمين في مدرسة السلط الثانوية وهما: حسين روحي، وعلي روحي، كانا من البهائيين، كما أن محمود سيف الدين الإيراني، رائد القصة القصيرة في فلسطين والأردن، ومدير المدرسة الثانوية في إربد كان بهائياً. تركز وجودهــم في صورة أساسية، في العــدسية، في منطقة الأغوار، وهناك أسهموا بشكل كبير في تطوير تلك المنطــقة زراعيا، فقــد قاموا باستصــلاح مساحات شاسعة من الأراضي، واستخدمـــوا آليات وطرقا زراعية حديثة، كما أدخلوا كثيرا من المحاصيل الزراعيــة التي لم تكن معروفة في المنطقــة مثل: الموز والحمضـــيات والباذنجان الذي ما زال إلى الآن يســـمى «العجمي» نسبة إليهم.

في الستينيات فقدوا كثيرا من أراضيهم. يقول المؤرخ الأردني عبدالكريم الغرايبة، إن الحكومة، بعد فتح قناة الغور الشرقية، وضعت يدها على الملكيات الزراعية هناك، وقدمت تعويضات لأصحابها، ثم قسمتها إلى حصص وباعتها لأفراد.

رغم ذلك، ما زال للبهائيين حضور واضح في المنطقة، فهم يزرعون الحمضيات، وينتجون العسل، ومن المعروف أن أفضل ماء زهر يمكن شراؤه في الأردن، ينتج في مزارع الورد الخاصة بهم.

قبل ما يقارب السبعين عاما، بنى البهائيون في العدسية ما يسميه الناس «المعبد البهائي»، ولكن البهائيين يقولون إنه لا معابد في عقيدتهم، ذلك أنها لا تتضمن إقامة صلاة جماعية، وذلك باستثناء الصلاة على الميت، وهي صلاة تشترك فيها النساء مع الرجال، ومن هنا فإن ما يسميه البهائيون «حظيرة القدس» وهو البناء الذي ما زال قائما في العدسية، لم يكن دارا للعبادة، بل مدرسة ومكانا للاجتماع. البناء صار عند توزيع الحصص الزراعية جزءا من ملكية الشيخ عبد الرحمن الواكد، والبهائيون رغم ذلك ما زالوا يزورونه باعتباره جزءاً من تاريخهم في المنطقة. وهم بعد ذلك قاموا في بداية الثمانينيات ببناء «حظيرة قدس» ثانية في إربد.

المقبرة البهائية القديمة في العدسية المغلقة منذ أربعين سنة تقريبا، هي أيضا جزء من تاريخهم، ولكنها في صورتها الحالية لا تمثل مفهوم البهائيين للمقابر التي يسمونها «الرياض الأبدية»، فمقبرة العدسية التي تضم رفات المهاجرين الأوائل، ألحقتها وزارة الأوقاف بها، وهي منذ ذلك التاريخ مهجورة ومليئة بالصخور، ما يجعل من الصعب الوصول إلى القبور.

قرار بلدية إربد تخصيص جزء من المقبرة للبهائيين، يعكس جو التعايش الذي كان سائدا في ذلك الوقت، يقول منوشهر إنه في الخمسينيات والستينيات، تصادق في المدرسة مع مسيحيين ومسلمين، ولم تكن مسألة النبش في عقائد الآخرين أو رفضهم على أساسها واردة في تلك الأيام «ربما عانيت قليلا من بعض المعلمين الذين كانوا يوجهون انتقادات إلى عقيدتي، ولكنني لم أشعر أبدا بأي مشكلة مع آخرين لا في المدرسة ولا في الحي».

الإيراني يقول إن الحال تغيّر في الوقت الحاضر «عندي علاقات طيبة مع الجميع، ونحن نتزاور ونتبادل التهاني في الأعياد، ولكنني بصراحة لا أشعر أنهم يقبلونني تماما كما أقبلهم، بل أشعر بوجود قدر من الحذر والتوجس في تعاملهم».

قدموا من إيران واستقروا في الشمال البهائيون: تعايش في الخمسينيات وتوجس في الألفية الثالثة
 
02-Apr-2009
 
العدد 70