العدد 70 - بلا حدود
 

عدة آلاف من العاملين في الصناعات الدوائية، يتطلعون مثل غيرهم في سائر القطاعات العمالية إلى أن يكون لديهم تنظيمهم النقابي العمالي الخاص بهم. لكن وزارة العمل تقف حجر عثرة أمام ترجمة هذا «الحلم»، إلى واقع، مستندة إلى نظام تصنيف قديم للمهن يحشر منذ العام 1976 الصناعات الدوائية، ضمن مهن أخرى لا رابط معها مثل البترول، الدباغة، البطاريات، البلاستيك، والزجاج . «التعددية النقابية» من الحقوق الأساسية للنقابيين العمال، وتؤكد عليها اتفاقيات العمل العربية والدولية منذ سنين طويلة، لكنها مع ذلك لا تجد قبولاً لدى وزارة العمل، أو إسناداً من قيادة الاتحاد العام لنقابات العمال في الأردن. لتسليط الضوء على جهود لجنة المتابعة لعمال الصناعات الدوائية، حاورت «السّجل» اثنين من أعضاء اللجنة، هما: خالد سعيد وأحمد مراغة.

«السّجل»: أنتم تطالبون بنقابة للعاملين في الصناعات الدوائية، لماذا؟.

- خالد: التنظيم النقابي العمالي هو حق دستوري وقانوني، ومطلب مشروع يشمل كل العمال في المملكة بغض النظر عن القطاع الذي يعملون فيه. والصناعات الدوائية التي بدأت منذ العام 1962، هي من الصناعات الرائدة في المملكة، لكن العاملين فيها حرموا من حقهم في الانتظام النقابي. من المهم بالنسبة لنا أن نتمتع بحقنا في التنظيم النقابي على قدم المساواة مع القطاعات العمالية الأخرى.

«السّجل»: لكن لماذا حرمتم من هذا الحق حتى الآن؟.

- أحمد: بحسب تصنيف المهن والصناعات التي يحق لعمالها تأسيس نقابات عمالية لهم، أدرجت الصناعة الدوائية ضمن الصناعات التي يتبع عمالها للنقابة العامة للبترول والكيماويات، التي عرقلت قياداتها المتعاقبة انضمامنا لهذه النقابة، ثم عارضت السماح لنا بتأسيس فرع خاص بالصناعات الدوائية إلى جانب فروع النقابة الأربعة الأخرى. ففي العام 1987 سمحوا لأعداد محدودة من زملائنا الانتساب لفرع عمّان في النقابة العامة، وهو فرع مخصص للصناعات البلاستيكية أساساً، لكن عندما جرت الانتخابات، قرر رئيس الفرع حرمان زملائنا من الانتخاب، وأنهى عضويتهم من طرف واحد. بعد ذلك، تركزت مطالبنا حول إيجاد فرع خاص بالصناعات الدوائية ضمن نقابة البترول والكيماويات، ولم يكن يتطلب الأمر في حينه أكثر من قرار للهيئة الإدارية للنقابة العامة، وقد طرح على الهيئة الإدارية أن تبت في هذا الأمر العام 1996، واعترض رئيس النقابة آنذاك إلى وزير العمل بأن نصاب الهيئة الإدارية، لا يكتمل على مدار عدة اجتماعات متتالية ما يحول دون مناقشة هذه القضية واتخاذ قرار بشأنها.

«السّجل»: كيف تصفون أوضاعكم في شركات الأدوية؟.

- خالد: سمحت مكانة الصناعات الدوائية للعاملين فيها خلال العقدين الماضيين بتحقيق مكتسبات جيدة بدون وجود ضغوط نقابية مباشرة. لكن هناك خشية في الظروف الراهنة لدى العاملين من الانعكاس السلبي لاتفاقيات «الجات»، وما تنص عليه من التزام باتفاقية حقوق الملكية الفكرية وحماية براءة الاختراع على مستوى الصناعات الدوائية. فكما هو معروف، فإذا منيت أرباح الشركات بتراجع، فإن هذا ينذر بمخاطر إعادة الهيكلة التي تلجأ إليها الإدارات على حساب موظفيها لخفض نفقاتها. لذلك يتطلع عمال الصناعات الدوائية إلى وجود مظلة نقابية، تحمي مكتسباتهم وظروفهم المعيشية، علاوة على حقهم المبدأي في أن يكون لهم نقابتهم التي تمثلهم وتدافع عن حقوقهم المادية والمعنوية، فوجود النقابة عامل مهم للاستقرار الوظيفي، وتحسين الإنتاجية.

- أحمد: الصناعة الدوائية متقدمة في الأردن، ويجب أن يترافق ذلك مع الارتقاء بوضع العاملين فيها وتمتعهم بحقوقهم النقابية. فقد ارتفعت صادرات المملكة من الصناعات الدوائية من نحو 200 مليون دينار العام 2005 إلى حوالي 348 مليون دينار العام الفائت. ويصدر الأردن أدوية إلى أكثر من 65 دولة في العالم، من بينها الولايات المتحدة ودول أوروبية. وتعدّ الصناعات الدوائية من أكثر القطاعات الاقتصادية تشغيلاً لليد العاملة الأردنية. كما أن إنتاجية العامل الأردني في تطور مستمر. وتحتل صادرات الصناعة الدوائية المرتبة الرابعة في الأهمية، بعد صادرات البوتاس والألبسة والأسمدة، وهي الأولى من بين الصناعات التحويلية، وتمثل 8 بالمئة من مجمل الصادرات الوطنية.

«السّجل»: لماذا انتقلتم من المطالبة بفرع ضمن نقابة البترول والكيماويات، إلى نقابة خاصة بكم؟.

- أحمد: في الحقيقة نحن نبحث عن حل. فقد عرضت علينا وزارة العمل العام 1999 في عهد الوزير عبد الحافظ الشخانبة، أن ننضم على سبيل المثال إلى نقابة الخدمات الصحية، باعتبارها أكثر قرباً إلى تخصصنا، فوافقنا على ذلك، إلا أن الوزارة لم تحسم أمرها في هذا الاتجاه، فعدنا للمطالبة بفرع خاص بنا ضمن نقابة البترول والكيماويات. لكن قيادة الاتحاد العام لنقابات العمال، أقدمت في الصيف الماضي على عقد مؤتمر استثنائي، وقررت إلغاء جميع فروع النقابات العمالية. بالنسبة لنا إلغاء الفروع يعني إلغاء الإطار، الذي يمكن أن نمارس من خلاله خصوصيتنا، لأن لا شيء يجمعنا مع البترول والكيماويات.بهذا لم يعد أمامنا سوى أن نعمل من أجل إقامة نقابة خاصة بنا.

«السّجل»: ما مهماتكم كلجنة متابعة؟

- خالد: نحن لجنة متابعة عمال الصناعات الدوائية، مفوضون من 400 من العاملين في الصناعات الدوائية، لمتابعة مطلبهم مع وزارة العمل بإنشاء نقابة عامة للعاملين في الصناعات الدوائية لتمثل هذا القطاع العمالي الذي يربو على 8000 عامل، يعملون في ما يزيد على 25 شركة أدوية ومستحضرات طبية في الأردن، حسب مصادر الأمانة العامة للاتحاد الأردني لمنتجي الأدوية أواخر العام الماضي.

«السّجل»: هل تقدمتم بطلب رسمي لوزارة العمل، وماذا كان جوابها؟.

- خالد: نعم لقد تقدمنا بطلب لوزير العمل في 25 شباط/ فبراير الماضي لتأسيس نقابة للعاملين في الصناعات الدوائية، على أرضية قانون العمل الذي يعطينا هذا الحق،شرط أن لا يقل عدد المؤسسين عن 50 عضواً من العاملين في مهنة واحدة ،أو مهن متماثلة أو مهن يرتبط بعضها ببعض في إنتاج واحد، ونحن مفوضون عن أضعاف هذا الرقم من العاملين في مهنة واحدة، وشركاتنا جميعها تنضوي تحت لواء الاتحاد الأردني لمنتجي الأدوية والمستلزمات الطبية. لهذا طالبنا الوزير بإعادة تصنيف الصناعات الدوائية، بشكل مستقل عن الصناعات الأخرى المشمول عمالها بنقابة البترول والكيماويات. لكننا تلقينا رفضاً لطلب تأسيس نقابة لعمال الصناعات الدوائية، استناداً إلى التصنيف القديم للمهن الذي يعود للعام 1976، والذي قلّص عدد النقابات في ذلك الوقت إلى 17 نقابة، هبط مؤخراً إلى 16 بعد إقدام وزارة العمل على ضم ما تبقى من عمال نقابة البلديات بعد وفاة رئيسها إلى نقابة أخرى. هذا يشير إلى الوضع البائس للحركة النقابية العمالية، فمعظم النقابات واجهات صورية ويتم التجديد لقياداتها بدون انتخابات. ويعكس رفض وزارة العمل لمطلبنا، اعتقاداً خاطئاً بأن حرمان العمال من حريتهم النقابية، يخدم أرباب العمل والمستثمرين، لكن هذه «النظرية» ساذجة، تحرم العمال من حقوقهم الدستورية وفوق ذلك تسيء إلى سمعة البلد.

«السّجل»: أين تقف اتفاقيات العمل الدولية والعربية من مطلبكم؟.

- أحمد: هناك إعلان لمنظمة العمل الدولية يعالج «المبادىء والحقوق الأساسية في العمل»، ويتطلب هذا الإعلان التزام الدول الأعضاء في المنظمة بثماني اتفاقيات دولية أساسية، حتى لو لم تصادق عليها. واحدة منها هي الاتفاقية الدولية رقم 87 واسمها «اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي». يتعلق جوهر هذه الاتفاقية بحق كل من العمال وأصحاب العمل، في تكوين منظماتهم وفي وضع أنظمتها الداخلية. وبشكل أكثر تحديداً فإن المادة الثانية من الاتفاقية الدولية التي صدرت العام 1948، تنص على حق العمال وأصحاب العمل، دون أي تمييز من أي نوع في إنشاء ما يختارونه هم لأنفسهم من منظمات، ولهم كذلك دون أن يرتهن ذلك بغير قواعد المنظمة المعنية، الحق في الانضمام إلى تلك المنظمات، ودون ترخيص مسبق.

- خالد: على الصعيد العربي، هناك اتفاقية عمل عربية بشأن الحريات والحقوق النقابية، تحمل الرقم (8)، وصدرت في مؤتمر العمل العربي السادس المنعقد في الإسكندرية العام 1977. وتسترشد الاتفاقية العربية عملياً بالاتفاقية الدولية رقم (87)، حيث تنص على أن لكل من العمال وأصحاب الأعمال، أياً كان القطاع الذي يعملون فيه، أن يكوّنوا ما بينهم منظمات، دون إذن مسبق، أو ينضموا إليها لترعى مصالحهم، وتدافع عن حقوقهم، وتعمل على تحسين حالتهم المادية والاجتماعية. أما المادة الثالثة من اتفاقية الإسكندرية، فهي تحدد بوضوح أن إجراءات تكوين منظمة العمال أو منظمة أصحاب الأعمال، تقتصر على إيداع أوراق تكوينها لدى الجهة المختصة. فأين نحن من كل ذلك؟.

«السّجل»: ماذا تعتزمون عمله في الفترة المقبلة؟.

أحمد: تبنّت الحملة الوطنية من أجل «الخبز والديمقراطية» مطلبنا، وهي تعتزم عقد ملتقى وطني نقابي عمالي قريباً لبحث واقع الحركة النقابية العمالية، ويمثل الملتقى فرصة جيدة لطرح قضيتنا ،خاصة أن هناك قطاعات عمالية أخرى، تحتاج أن يكون لديها إطارها النقابي الخاص مثل العاملين في الاتصالات، وفي شركات الدخان وغيرها. كذلك سنقوم بتقديم شكوى لدى المركز الوطني لحقوق الإنسان، وسنطرح قضيتنا على منظمة العمل العربية التي ستعقد دورتها السادسة والثلاثين في العاصمة عمّان في 5 نيسان/أبريل الجاري. وسنطلب من وزارة العمل إعادة التصنيف للمهن، لأن المعايير الموضوعة في قانون العمل تحتم فصل الصناعات الدوائية، عن المهن التي يعمل فيها منتسبو النقابة العامة للبترول والكيماويات.

وزارة العمل تخالف قانون العمل والاتفاقيات الدولية فخر الصناعة الوطنية عمّالها بلا مظلة نقابية
 
02-Apr-2009
 
العدد 70