العدد 70 - أردني | ||||||||||||||
محمود الريماوي ما إن افتتحت قمة الدوحة صباح الاثنين الماضي، حتى اختتمت أعمالها مساء اليوم نفسه. السرعة غير المسبوقة في الاجتماع والانفضاض، لم تفاجئ كثيرين. ذلك أن القمم باتت تلتئم من أجل الانعقاد، فإذا تيسر لها إنجاز أمرٍ ما، كان به.. وإلا فستكون أوفت قسطها للعلا، بالتئامها في الموعد والمكان المحددين، واحتفظت بصفتها الدورية. الدولة المضيفة قطر، سعت لنزع أكثر من فتيل أمام القمة بإسناد واضح من الرئيس السوري بشار الأسد، رئيس القمّة السابقة. فتجنبت دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، واكتفت بدعوة الوفد الفلسطيني الرسمي (خلافا للقمة الطارئة التي استضافتها منتصف كانون الثاني/يناير الماضي). رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم مازح الصحفيين خلال لقاء مشترك معهم عشية القمة إلى جانب أمين الجامعة العربية عمرو موسى: «توبة.. لن ندعو نجاد وحماس مرة أخرى..». على أن الدولة المضيفة لم تفلح في طي صفحة خلافاتها مع مصر، فغاب رئيس الشقيقة الكبرى عن لقاء القادة، بل لم يمثله رئيس وزرائه ولا وزير خارجيته. غياب حسني مبارك المعلن قبل الاجتماع بثلاثة أيام، يؤشر على خلاف بدأ يدخل مرحلة استعصاء. المشكلة هنا أن خلافاً ثنائياً بين مصر وقطر، انسحب على المشاركة المصرية في أرفع لقاء على مستوى عربي، وكان يفترض الفصل بين الأمرين. فيما كانت الدولة المضيفة مدعوة لبذل جهد أكبر لحل خلافها مع القاهرة، إذ إن المضي في تنظيم القمة وترقب نتائج «طيبة» لها، لا يستقيم مع استمرار خلاف الدولة المضيفة، مع دولة تعدادها 80 مليوناً. طمحت قمة الدوحة إلى تكريس المصالحات، تأسيساً على القمة الرباعية في الرياض آذار/مارس الماضي. لكن تلك القمة التي غابت عنها قطر، كما غاب أو غُيب آخرون عنها، ألقت في النتيجة بظلالها على القمة الشاملة، فيصعب تبعاً لذلك وصفها بأنها أنجزت هذا الهدف. وبقيت المصالحات عرجاء وجاء الفلسطينيون على جناح واحد. وجاء لقاء المصالحة بين الزعيم معمر القذافي والملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، ملتبساً وتكتنفه أجواء غير طبيعية بعد أن اختلط الاعتذار الليبي بتهجمات، فطويت صفحة الخلاف من جانب وظلت مفتوحة من جانب آخر. دمشق التي لم تستعد دفء علاقاتها مع القاهرة، تحدثت بلسان مسؤولين فيها منهم وزير الخارجية عن «تنظيم وإدارة الخلافات»، لا عن مصالحة وتفاهمات. عزا المعلم عدم إثارة موضوع العلاقات العربية مع ايران، إلى تباعد الرؤى حول المسألة بين الأطراف العربية، وفي المحصلة تم الإبقاء على «تباعد الرؤى» دون تقريبها باعتباره إنجازاً أو ما يشبهه. وذلك خلافا لوجهة نظر أطراف عربية عديدة، ترى أن التقارب يتطلب أرضية من التفاهمات السياسية حول العلاقة مع إيران وسواها. هكذا اقترن عدم توجيه القمة الدعوة لزعيم غير عربي هو أحمدي نجاد، بسحب بند العلاقة مع الجمهورية الاسلامية من جدول الأعمال، فعادت الأمور إلى نقطة البدء.. إلى ما قبل قمة الرياض الرباعية، التي ضمت قادة مصر، السعودية، سورية والكويت. الأردن شدّد في الخطاب الملكي أمام القمة على رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ودعا الملك إلى عدم تمكين أطراف إقليمية ودولية من التدخل في قضايا عربية. كان من المثير حقاً أن لا يتوقف أرفع لقاء عربي عند التغيير الذي جرى في واشنطن، وطرح مطالب محددة على الرئيس باراك أوباما الذي جاء محمولاً على شعار التغيير، بدلاً من الاكتفاء في البيان الختامي بالحديث عن «المجتمع الدولي». في ضوء ذلك يصعب الحديث عن نتائج فعلية انتهت اليها الدورة الحادية والعشرون للقمة العربية، وذلك في غياب وضع أية برامج او آليات للعمل، الذي كان في ما مضى بصورة من الصور «عملاً عربياً مشتركاً». لقد أشار البيان الختامي إلى ضرورة وضع إطار زمني محدد لوفاء إسرائيل بالتزاماتها تجاه عملية السلام والمبادرة العربية.حسناً، لماذ لم تبادر القمة إلى تحديد هذا الإطار، وما الحكمة من إبقاء هذه المسألة في أيدي الآخرين؟. ولعل الرابح الأول إن لم يكن الوحيد في هذه القمة، هو الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي تلقى دعماً واضحاً برفض جماعي «لقرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية»، ما يمنح الرئيس البشير مظلة عربية في رفضه القرار، الذي لم يعد والحالة هذه مجرد رفض سوداني أو من طرف صاحب العلاقة فقط. تحدث البيان عن دعم جهود السلام في إقليم دارفور، وبالقياس إلى خبرة السنوات الست الماضية على نشوب النزاع، فالخشية أن يظل هذا الدعم لفظياً، أو أن ينعكس الخلاف القطري المصري على هذه الجهود، علماً بأن القاهرة والدوحة هما الطرفان العربيان اللذان يعملان على هذا الخط. ومن الواضح أن سجالاً سوف ينشب حول هذه القضية بين المجموعة العربية والمحكمة الجنائية ومن يؤيدها. يسترعي الانتباه هنا أن تل أبيب دخلت على هذا الخط على طريقتها التقليدية «البناءة»، عبر إعلانها عن قصف قوافل سودانية حكومية في شرق البلاد. بهذا تنجح الدولة العبرية ليس فقط في تنصلها من مقتضيات السلام، بل في تغذية خلافات عربية بالاعتداءات العسكرية الفظة وليس أقل من ذلك. مع هذا لم تتناول القمة في بيانها الختامي هذا التطور ولو بإشارة جانبية. هكذا باستثناء المشكل السوداني، لم تفلح القمة في ملامسة القضايا ذات الأهمية، وعزفت عن وضع تصورات للتعامل معها، بما يجعلها تبدو في هذا الحساب، حدثاً خارج الزمن ومجرياته ومقتضياته. فلم تأخذ علماً بالتحدي المتجدد مع صعود اليمين الإسرائيلي إلى الحكم مرة أخرى، ولا بوصول أوباما إلى البيت الأبيض،ولا بالحاجة إلى مأسسة العلاقات والخلافات البينية (لا أحد يتحدث عن مشروع مجلس الأمن العربي)، ولا لاحظت حجم التدخلات في الانقسام الفلسطيني، ولا تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصادات وحراك العمالة العربية.. الخشية الآن في ضوء هذا التقصير، أن تكون مؤسسة القمة، وفق تشخيص أستاذ أكاديمي، قد بدأت تستنفد وظائفها ودورها التاريخي – منذ انطلاقها قبل نصف قرن - في الحفاظ على حد أدنى من التفاهمات والاحترام ولو الشكلي للعمل الجماعي. تأتي هذه المخاوف دون وجود بديل صالح لها، بما يجعل الفراغ السياسي سيد الموقف إلى إشعار آخر، وما يحمل تكرار أطراف شتى إقليمية ودولية على محاولة ملئه. |
|
|||||||||||||