العدد 69 - كتاب
 

قانون اقتطاع خمسة بالمئة من عائدات إعلانات الصحف يثير العجب. فهو ضرب من حمل الآخرين على التبرع بالإكراه، مع تحديد ما يتعين عليهم «التبرع» به. يصعب الحديث عن سند دستوري لهذا الشكل من الجباية، الذي يتقصد مؤسسات ربحية دون سواها.

مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب، يُملي على الصحف دفع المعلوم وبأثر رجعي يعود لأحد عشر شهراً مضت، والهدف «دعم الثقافة».

يخشى أن تكون هذه الجباية وصفة لحمل الناس على المزيد من النفور من ثمرات الثقافة. فتطبيق هذا القانون سوف يُحتسب في النهاية على المواطن، فالمعلن سوف يضيف ما يدفعه من ضريبة جديدة على إعلاناته، إلى أسعار السلع والخدمات، بما يهيئ لارتفاع جديد في الأسعار. وليس معلوماً كيف ستقتطع هذه النسبة العالية: فهل تتساوى الصحف ذات الأرباح العالية مع تلك التي تجني أرباحاً متواضعة قياساً بالأولى، وهل ستدفع الصحف الخاسرة مالياً مثل هذه الضريبة؟.

والبادي خلال ذلك أنه يتم بصورة من الصور، الانتقام من الصحافة التي لا ينظر لها المجلس النيابي بعين الرضا، ولا تمانع جهات حكومية من مسايرة المجلس في نظرته فتمرر هذا المشروع، ويتم بذلك معاقبة مؤسسات صحفية على نجاحها الإداري، والمالي، والمهني، حتى لو كانت بعض هذه المؤسسات شديدة القرب من الدولة والحكومات، بذريعة دعم الثقافة، وكأن هذا الدعم يتطلب زعزعة مؤسسات أخرى، ونزع طاقية كبيرة لتلبيسها على رأس صغيرة.

يعرف القاصي والداني أن دعم الثقافة يتطلب أولاً إشاعة أجواء من حرية التعبير، واحترام خصوصية المنجز الثقافي والإبداعي، وعدم التعامل معه كما يتم التعامل مع أية مطبوعات. التراث العربي يحفل باحترام هذه الخصوصية من ألف ليلة وليلة إلى أبو نواس إلى النفري والحلاج، حيث لم يكن العرب قد اكتشفوا من قبل «نعمة الرقابة»، التي تنبري لها حالياً في الديار العربية، السلطات وقوى تقليدية في المجتمع جنباً إلى جنب.

مع ذلك هناك دعم للثقافة يمكن تحصيله لإرساء بنى تحتية لمؤسسات ومرافق ثقافية، ابتداء من توقف النظرة الرسمية الدونية للثقافة وتخصيص ميزانية عادية لوزارتها لا ميزانية رمزية، ومروراً بتشجيع القطاع الخاص على المبادرة لبناء مشاريع وبرامج ثقافية، وانتهاء بفرض ضريبة تقل عن نصف بالمئة، على مئات الشركات الكبيرة التي تحقق أرباحاً مجزية، لصالح صندوق الثقافة.

يقول المرء بذلك انتصاراً للثقافة لا تبخيساً من شأنها، وكي تواصل الصحافة دعمها للحياة الثقافية بصورة طبيعية بعيدة عن الضغوط، ويسع الحكومة في هذه الأثناء دعم الثقافة والمثقفين بطرق بسيطة، كتمكين سائر المدارس الحكومية المتوسطة والثانوية في المملكة، من حيازة جميع منشورات وزارة الثقافة، وكوضع ثمرات الإنتاج الثقافي المحلي في صلب المناهج الدراسية للمدارس والجامعات. أما فرض جباية مرتفعة على مؤسسات بعينها، فهو من قبيل وضع الشيء في غير محله، وبخاصة أن المجلس النيابي الحالي لم يعرف عنه ولعه بالثقافة.

محمود الريماوي: انتقام من الصحافة .. ؟
 
26-Mar-2009
 
العدد 69