العدد 69 - ثقافي
 

مراجعة: نورمان موروتزي*

في لقاء لجمعية دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشمالية (ميسا) في واشنطن العاصمة العام 2005، تضمنت ورقة حول الجنوسة والحدود في إيران والمنطقة خروجا غير متوقع عن الموضوع، تطرق إلى صعوبات إنجاز بحث في إيران منذ الثورة.

أحد الحضور طرح القضية خلال فترة المناقشة، وفجأة وجد المشاركون في الندوة والجمهور أنفسهم يعبّرون عن إحباطهم من التأشيرات والحرس ومعوقات بيروقراطية أخرى. وما لبثت النقاشات أن عادت مرة أخرى إلى المواضيع الأكثر تحديدا للأوراق المقدمة، لكن الخروج عن الموضوع في حد ذاته ألقى ضوءا جيدا على الأمر.

من الصعب على المتخصصين الموجودين في الخارج أن يتدبروا أمر السياق الإيراني في أبحاثهم، سواء كان ذلك في العمل الميداني أو في الدراسات الأرشيفية، فالكتابة عن إيران الحديثة والمعاصرة تتضمن معوقا إضافيا، ما يتطلب دفعة إضافية لتحقيق الهدف العلمي الاعتيادي لدراسة مفهومية جيدة مدعمة بكثير من التفاصيل التجريبية المتأنية.

الكتابان موضوع المراجعة يعكسان هذه الصعوبة في البحث والكتابة حول إيران.

كتاب مينو معلم «بين إخوة محاربين وأخوات محجبات» دراسة تحليلية متقدمة للخطابات المتنافسة للأصولية والنسوية الإسلامية، لكنها تفتقد الأساس التجريبي المتناسب معها.

في ما يتعلق بالسياسة الاجتماعية المعاصرة، فإن هناك انقساما سيئ السمعة بين الخطاب الديني/ السياسي المحظور رسميا، وبين المفاهيم والسلوكيات الشعبية، وهذه مشكلة.

كتاب أفسانة نجمابادي«نساء بشوارب ورجال من دون لحى»، يعرض التوجه المضاد: فهو يوفر ثروة من التفاصيل التاريخية والاجتماعية والثقافية الخاصة بالأدوار الجنوسية والجنسية في القرنين التاسع عشر والعشرين، لكنه يفتقر تقريبا إلى أي مفهوم نظري للسلطة الاجتماعية. وفي كتاب يحاول تقديم وجهة نظر حول الأدوار المتبادلة للجنسين في إطار تطوير هوية وطنية حديثة وحركات اجتماعية ذات صلة، فإن هذه مشكلة أيضا.

الكتاب يضع الحالة الإيرانية داخل السياق النظري لدراسات الجنوسة ما بعد الحداثية وما بعد الكولونيالية. أما كتاب نجمابادي، فيستحضر الدراسات الجنسية ونظرية النشاط الجنسي ويتكئ عليها في دراسة تاريخ الهوية الوطنية السياسية الإيرانية. بالنسبة لمعلم، يشمل السياق النظري تحليلا بسيطا للحياة الاجتماعية المعاصرة، وتبقى الأمثلة الإيرانية المحددة غير مطورة. وبالنسبة لنجمابادي، تغلب النظرية الاجتماعية المختصرة على العمل الأرشيفي وتأخذ النقاش إلى جرف التفكير الرغبي.

يمثل كتاب «بين إخوة محاربين وأخوات محجبات»، دراسة متأنية لبروز خطاب إسلامي سياسي إيراني في مرحلة ما بعد الثورة، ولدور الذكورة في المجتمع السياسي المسلم الذي تم بناؤه، وتأثيره في المرأة، ونهوض نسوية إسلامية محلية. وتقدم معلم وجهة نظر قوية ترى أن الإسلام السياسي الإيراني ظاهرة حديثة، استيلاء تجديدي على الرمزية الدينية ردا على أزمة قومية في الهوية المدنية والشرعية السياسية. أما مصادرها فنصوص إيرانية منشورة مدروسة في سياق النظرية الاجتماعية والنسوية الدولية المعاصرة.

على أي حال، فمن دون نقاش أكثر تفصيلا لاستجابات المرأة الإيرانية للخطابات الإسلامية المحلية، سواء كانت أبوية أو نسوية، فإن كل ما يبقى هو التلميحات المألوفة عن أن الثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية «أصولية حكماً». وهذا التعبير هو الذي تستخدمه معلم باستمرار، وهو يحمل الارتباط الحتمي بين التخلف والقمع، ولا يغير من الأمر أن وجهة نظرها تحاول أن تكون أكثر دقة.

الكتاب، إلى حد كبير، نتاج وجهة نظر البحث الخارجي، مع اللجوء قليلا إلى الاحتمالات البديلة لوضع المرأة الإيرانية المعاصرة وممارساتها. وتدرك معلم جيدا موقعها الذاتي، لذا فهو يعكس ذاتها بدقة. ومع ذلك، فإن الجمع الخاص بين نظرية اجتماعية مكثفة وتحليل اجتماعي بسيط نسبياً، يمثل مشكلة للقارئ: فهو معقد جدا على المستوى النظري بالنسبة لقارئ عادي، لكنه ضعيف بالنسبة للتفاصيل المادية المعقدة التي قد يرغب فيها المتخصص.

ربما كان كتاب «نساء بشوارب ورجال من دون لحى» أكثر بعثا للخيبة، لأنه يبدو أكثر وعدا. فهو في محافظته على كثير من كتاب نجمابادي السابق، يخترق أرضا جديدة على مستوى المنظور والموضوع. فبعد دراسة أرشيفية تفصيلية للجانب الجنسي للأسرتين القاجارية والبهلوية، وانعكاساتها على الصورة القومية والخيال المدني، تعلن نجمابادي أنها تفضح القمع في قلب المواطنة الإيرانية الحديثة: إمحاء الرغبة الذكورية لدى الشباب، والممارسة الجنسية المفتوحة بأنواعها المختلفة. لقد كشف كتابها السابق عن جوانب مهمة منسية لتاريخ الثقافة الإيرانية. على أي حال، فإن هذا الكتاب يأخذ القارئ في اتجاهين، نصفه يوفر تحليلا أرشيفيا موثقا توثيقا جيدا للتحول في الصورة القومية الإيرانية، مثل «السيدة» صون «خورشيد خانم» اللعوب، وهي تنظر من فوق أسد فارسي متجهم ومسنّ، فتصبح بالتدريج أكثر جدية وذكورية، وصورة مصغرة للشمس المشرقة من خلف ملك الغابة المهيب.

أما النصف الثاني من الكتاب، فيناقش أن قمع الصورة أو الواقع لعشيق الشاب الذكر، قد أصبح ضروريا لبناء ذكورية إيرانية حديثة وهوية مدنية جنسية متحضرة، وأن هذا القمع يترك آثاره بوصفها «علامة ولادة» على مشروع تحرر المرأة. تدرس نجمابادي ثروة من المادة التاريخية (نصوصا وصورا) لتجادل بوجود هيمنة وقبول للعلاقة بين ذكرين في إيران الحديثة في طور مبكر. غير أنه لا يبدو أنها تلاحظ المضامين النظرية لدليلها هي: هذه العلاقات كان من المتوقع لها أن تكون أكثر تركيبا، وذات تراتبية مطلقة، ومن الواضح أنها منقسمة على أساس الذات والموضوع، فقد يرغب الذكر النشط في شاب أو فتاة، ولكن المستهدف في هذه الرغبة، سواء كان ذكرا أو أنثى، لم يعدّ أبدا ذاتا «راغبة». في مثل هذه التراتبية الذكورية، قد يعدّ الشاب المرغوب فيه هدفا أكمل للجمال، حيث إنه على الأقل يجسد هدفا محتملا لا تطمح إلى الوصول إليه أي امرأة.

المشكلة مع هذا النموذج الجنسي هو أن الذاتية متطلب أساسي للمواطنة، وفي هذا المجال يشير فوكو إلى أن العلاقات الجنسية لها منطق ممارستها الخاص، وأن الاجتماع لا يشير بالضرورة إلى الحرية، رغم أن الديمقراطية تقوم على المساواة. نجمابادي، في غمرة اكتشافها لأن يكون الذكر موضوعا للرغبة، تنسى المدى الذي بنت فيه السلطة قصة التشييء الجنسي الرومانسية (للذكور والإناث). وفيما ناضل الإيرانيون لخلق أنفسهم بوصفهم ذوات مواطنة – قومية، كان يمكن للرجال أن يندمجوا في الدور الذكوري النشط، ولكن، كان على المرأة أن تتحدى مجمل نموذج التراتبية الجنسية المطلق لإعلان ذاتيتها. فلو طالبت الحركة النسوية بزواج قائم على شراكة زوجية مفردة (ورفض الأولاد أو البنات من أخريات) كقاعدة للمشاركة المدنية الحديثة، لكان ذلك لأنهن حاولن تحدي نموذج ذكوري لهيمنة جنسية (ربما رقيقة) مع احتمال جديد لنوع من المساواة (الجنسية السليمة).

كلا الكتابين يستهدف القراء العامين والمختصين الذين يبحثون عن دراسات عميقة ذات صلة بالعلاقات الإيرانية، بخاصة بين الأدوار الجنوسية والتنمية السياسية القومية ومشاركة المرأة في الحياة العامة. أما القراء الباحثون عن نص يعالج عمليا هذه المسائل بميزان التبصر النظري والتفصيل التجريبي، فقد يتحولون إلى دراسة صدرت أخيرا لكامرون أمين بعنوان «خلق المرأة الإيرانية الحديثة: الجنوسة سياسة الدولة والثقافة الشعبية، 1865 -1946» (منشورات جامعة فلوريدا، 2002). كتاب أمين هذا شهادة على حقيقة أن صعوبات سياق البحث الإيراني يمكن تجاوزها.

على أي حال، فإن المصاعب حقيقية ومحددات الكتب، بما فيها تلك التي وضعها مختصون مجددون رفيعو المستوى مثل معلم ونجمابادي، تذكّر بالقيود غير العادية الموضوعة على كل باحث يعمل على قضايا إيرانية حديثة ومعاصرة.

* قسم العلوم السياسية وبرنامج دراسات الجنوسة والمرأة، جامعة إلينوي في شيكاغو، شيكاغو

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

صعوبة الكتابة حول إيران بعد الثورة
 
26-Mar-2009
 
العدد 69