العدد 69 - ثقافي
 

محمد جميل خضر

عندما قرر مؤتمر الوزراء والمسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي الذي عُقد في العاصمة العُمانية مسقط (2006) أن تكون القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009، لم يكن في وارد ممثلي الحراك الثقافي العربي الرسمي، أن يربطوا خطوةً بهذه الأهمية، بخطوة أكثر أهمية منها، هي تحرير القدس من قيود احتلالها الممتدة على مساحة 42 عاماً ماضية.

ويبدو أن هؤلاء عوّلوا أساساً، على ما يمكن أن تتيحه بعض اتفاقيات السلام ومعاهداته المنعقدة بين دولة الاحتلال وبين بعض الدول العربية، من إمكانيات تحرك باتجاه بيت المقدس، مستندين إلى سلْمية المناسبة، وما تحمله في طياتها من وجهات تعاون حول بقعة تقرّ الأديانُ السماوية الثلاثة بقدسيتها وأهميتها.

وقد تُرك الباب موارباً، لحلول بديلة، في حال واصل الإسرائيليون تعنّتهم، ورفضهم مبدأ القبول بالأمر الواقع، ومنعهم أي مظاهر احتفال أو احتفاء بالقدس عاصمةً للثقافة العربية، بذريعة أن هذا يتعارض من حيث المبدأ مع مساعيهم للاحتفاظ بيبوس (أحد أسماء القدس) عاصمةً أبدية لدولتهم، ويتناقض كلياً مع مشروعهم التوسعي الاستيطاني.

وكان من الحلول البديلة، أن تنظم بعض العواصم العربية (بخاصة الأكثر تفاعلاً مع القدس)، برنامجاً احتفالياً ممتداً على طول عام القدس عاصمة للثقافة العربية.

الأردن من جهته، جهّز، بحسب وزير الثقافة صبري الربيحات، ملفاً متنوعاً ونوعياً ومزدحماً كمّاً، ومستنداً إلى ميزانية معقولة (حوالي ثلاثة أرباع المليون دينار)، للاحتفال بالقدس والاحتفاء بها.

الملف الأردني الخاص ببيت المقدس، تحصّن بجملة من الحيثيات التي تحقق خصوصية في سياق العلاقة الأردنية الفلسطينية من جهة، ومن بين تلك الحيثيات المكانة الاستثنائية للقدس، بخاصة ما يتعلق منها بالبلدة القديمة داخل الأسوار، عند الأسرة الهاشمية.

الربيحات أورد في هذا السياق، أن الشريف الحسين بن علي مدفون في القدس، وأن ابنه الملك عبد الله الأول بن الحسين اغتيل أثناء خروجه من المسجد الأقصى بعد تأديته الصلاة فيه.

وتحدث في سياق متواصل عن أواصر قربى لا شبيه لها بين الشعبين الأردني والفلسطيني، وتذكر بسالة الجنود الأردنيين في الذود عنها وحماية مقدساتها، وكيف اختلط دمهم مع حجارة أسوارها.

لذلك، يتميّز الملف الأردني عن سواه من الملفات العربية المعنية بالقدس في عامها العربي، بالتنوع، وبالمساعي الجادة للتواصل خلاله مع الأشقاء الفلسطينيين في مناطق السلطة في رام الله وبيت لحم ونابلس حتى أقرب نقطة تحت أسوار المدينة المحاصرة بالجدار العازل، والجند المدججين بالسلاح والأوامر الصارمة.

من بين الفعاليات في هذا السياق، أسبوع أردني فلسطيني يقام على وجبتين، واحدة في عمّان، وأخرى في فلسطين، إذ تجري الاتصالات، وتتواصل المساعي ليتسنى للمشاركين من الأردن في الأسبوع في شقّه الفلسطيني، دخول القدس، عبر ترتيبات ربما ثلاثية أو ثنائية.

في أجندة عام القدس، مؤتمرات وملتقيات أربعة، يعُقد أولها في تشرين الأول/أكتوبر المقبل: مؤتمر «القدس تراث حضاري»، ملتقى «الأردن والقدس»، ملتقى «القدس في عيون الرحالة العرب والأجانب»، ومؤتمر القدس الدولي. وتسع ندوات: جهود الدولة الأردنية في الحفاظ على المقدسات، الحياة العلمية والثقافية في القدس قديماً وحديثاً، العمارة المقدسية وجماليات قبة الصخرة، الدور الشعبي ودور مؤسسات المجتمع المدني في دعم عروبة القدس، الاستيطان في القدس، القدس عبر التاريخ، المؤامرات على القدس- الحركة الصهيونية، المزاعم اليهودية التوراتية حول القدس وأهمية سجلات المحاكم الشرعية والوثائق العثمانية في إثبات ملكية الفلسطينيين لأراضي القدس. إضافة إلى خمس ورش عمل: ملامح الحياة الراهنة لأهالي القدس (الطفولة، التعليم، المرأة، البطالة)، القدس والمنظمات الإقليمية والدولية، نحو إنشاء صندوق عربي للقدس، واجبنا نحو القدس والقدس في الآداب والفنون قديما وحديثا: الشعر، الرواية، المسرح، القصة القصيرة والفن التشكيلي. وخلال العام تقام 16 أمسية شعرية، وأقل منها بواحدة أمسيات فنية موسيقية غنائية تراثية، ويقام في سياق متواصل مِهرجانان، واحد منهما مهرجان المسرح الأردني الذي يحمل هذا العام اسم دورة القدس.

الاحتفالية الأردنية بالقدس عاصمة للثقافة العربية: خصوصية تاريخية رسمت ملامحها الذاكرة
 
26-Mar-2009
 
العدد 69