عواد علي

يحتفل المسرحيون في جميع أنحاء العالم في 27 آذار/ مارس، باليوم العالمي للمسرح في سنته السابعة والأربعين، ويتبادلون التهاني في قاعات المسارح، وعلى خشباتها، وعبر الإنترنت ووسائل الاتصال، ويعبّرون عن سعادتهم وتطلعاتهم إلى الارتقاء بفن المسرح، بوصفه واحداً من أعرق الفنون وأعظمها، وأهم جزر المصداقية الإنسانية.

فالمسرح ينحّي جانباً كل شيء يفرق بين البشر، ويدعم كل ما هو مشترك بين الناس، ويكشف عن القلب الذي يشتركون فيه، ما يجعله أفضلَ وسيط للسلام، كما يقول المخرج الفرنسي جان لوي بارو، والمكانَ النموذجي، الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معاً، كما قال ذات مرة سعد الله ونوس.

في هذا اليوم أيضاً، تُفتح في 90 دولة، أبواب مسارح تنتمي إلى المعهد الدولي للمسرح (آي. تي. آي)، لاستقبال الجمهور من دون تذاكر، وتُعقد ندوات، وورش عمل، وتُنظَّم لقاءات مباشرة بين فناني المسرح ومحبيهم وأصدقائهم من الأوساط الثقافية والاجتماعية الأخرى.

وُلد اليوم العالمي للمسرح إثر مقترح قدّمه رئيس المعهد الفلندي للمسرح، الناقد والشاعر والمخرج أرفي كيفيما (1904- 1984)، إلى منظمة اليونسكو في حزيران/يونيو 1961، وجرى الاحتفال الأول في السابع والعشرين من آذار/مارس 1962، في باريس تزامناً مع افتتاح مسرح الأمم.

اتُّفق على تقليد سنوي يتمثل بأن تكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في العالم، بتكليف من المعهد الدولي للمسرح، رسالةً دوليةً تترجَم إلى أكثر من 20 لغة، وتعمَّم إلى جميع مسارح العالم، حيث تُتلى خلال الاحتفالات المقامة في هذه المناسبة، وتُنشر في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.

كان الكاتب الفرنسي جان كوكتو أول شخصية اختيرت لهذا الغرض في احتفال العام الأول بباريس. وتوالى على كتابتها، منذ ذلك العام، أربع وأربعون شخصيةً مسرحيةً من دول العالم المختلفة، من بينها: آرثر ميلر، لورنس أوليفيه، بيتر بروك، بابلو نيرودا، موريس بيجارت، يوجين يونسكو، إدوارد ألبي، ميشيل فاتسلاف هافل، سعد الله ونوس، فتحية العسال، أريان منوشكين، سلطان القاسمي، وروبير لوباج.

يُعدّ الاحتفال باليوم العالمي للمسرح واحداً من مجموعة نشاطات وفعاليات مهمة يقوم بها المعهد الدولي للمسرح في مجال الاتصال بين الثقافات، وتبادل الخبرات بين المسرحيين في العالم.

هذا المعهد مؤسسة عالمية غير حكومية تأسست العام 1948، وكان مقره مدينة براغ، وأسهمت في تأسيسه شخصيات مسرحية عالمية، ويعدّ الشريكَ الرئيسي لليونسكو في مجال فنون العرض الحية، ويقع مقره الآن في باريس.

يهدف المعهد إلى تنشيط تبادل المعرفة، والممارسة المسرحية بين دول العالم، وزيادة التعاون بين فناني المسرح، وتعميق التفاهم المتبادل، والإسهام في ترسيخ الصداقة بين الشعوب. كما يحارب كل أشكال التمييز العنصري والسياسي والاجتماعي. وتنبثق عنه لجان متخصصة في مجالات مختلفة مثل: المسرح الموسيقي، والكتابة المسرحية، والتربية المسرحية، والصورة الثقافية والتنمية. وللمعهد مكاتب إقليمية في بلدان مختلفة، مثل: المكتب الإقليمي للشرق الأوسط في الكويت، والمكتب الإقليمي الإفريقي في بوركينافاسو، ومكتب للاتصال في تونس، ومقر لجامعة مسرح الأمم.

في ما يتعلق بالمسرح العربي، عقد المعهد مؤتمراً دولياً في القاهرة بعنوان «مواجهة فنية دولية» في الفترة من 14- 22 نيسان/إبريل 1999، واختير الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس لكتابة رسالة المسرح الدولية للعام 1996، والكاتبة المسرحية المصرية فتحية العسال للعام 2004، والكاتب المسرحي سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، للعام 2007.

وكان رحيل ونوس في العام التالي لكتابة الرسالة حدثاً فاجعاً في الوسط الثقافي العربي، لأنه طمأن فيها أصدقاءه المسرحيين، وقراءه، وجمهوره، بأنه منذ أربعة أعوام وهو يقاوم السرطان، وكانت الكتابة، للمسرح بالذات، أهم وسائل مقاومته، لأن التخلي عن هذه الكتابة، وهو على تخوم العمر، جحود وخيانة لا تحتملها روحه، وقد يعجّلان برحيله. لكن المرض اللعين انتصر عليه في النهاية للأسف، وظل صدى كلماته العميقة يتردد في مسارح العالم، وضمائر مبدعيها: «المسرح هو الذي سيدرّبنا، عبر المشاركة والأمثولة، على رأب الصدوع والتمزقات التي أصابت جسد الجماعة. وهو الذي سيحيي الحوار الذي نفتقده جميعاً. أنا أؤمن أن بدء الحوار الجاد والشامل، هو خطوة البداية لمواجهة الوضع المحبط الذي يحاصر عالمنا في نهاية هذا القرن. إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ».

رسالة العام 2008، كتبها المسرحي الكندي روبير لوباج، وتميزت بطابعها السردي المعرفي، وجنوحها نحو التأمل، وقد ربط فيها بين ماهية المسرح، وتحول العالم كله في عصرنا الحالي إلى مسرح كوني مثخن بالأحداث، في حين تميزت رسالة العام 2005 للمخرجة الفرنسية آريان منوشكين بقوتها البلاغية، وصورها المؤثرة في الوجدان، معيدةً إلى الأذهان انبثاق المسرح من رحم الشعر: «إليك أمد يدي. أيها المسرح إني أطمئن إليك، فأنجدني، أنا أغط في النوم، فأيقظني. أنا تائهة في دياجير الظلمة، فخذ بيدي، وأقله أرشدني إلى شمعة مضاءة».

في العام 2009، اختار المعهد الدولي للمسرح، المخرج والمنظّر المسرحي البرازيلي الشهير أوغستو بوال، صاحب اتجاه «المسرح المضطَهد»، ليكتب رسالة المسرح، ويلقيها بباريس يوم 27 آذار/مارس الجاري، ومما جاء في هذه الرسالة: «جميع المجتمعات البشرية دراماتيكية في أساليب حياتها اليومية، وتنتج أشكالاً عديدةً من الأداءات لبعض المناسبات الخاصة، فهي دراماتيكية بوصف الدرامية واحدةً من طرق التنظيمات الاجتماعية، لذلك فهي تنتج هذه الأداءات التي تشاهدون بعضها. وإن لم تكونوا مدركين، فإن العلاقات البشرية تتخذ دائماً صورة البناء المسرحي، من ناحية: استخدام الفضاء، لغة الجسد، اختيار الكلمات، التنويع والتنغيم في الأصوات، مواجهات الأفكار والعواطف، وكل ما نعمد على إيضاحه على خشبة المسرح، ونعيشه في حياتنا. نحن صنيعة المسرح!».