العدد 69 - حريات | ||||||||||||||
السجل - خاص بعد أسابيع فقط من إصدار دائرة الأحوال المدنية والجوازات، دفتر عائلة للمواطن الأردني جورج الفار، المتزوّج حديثاً، قامت كنيسة الروم الكاثوليك التي كان ينتمي لها، باتهامه بأنه «يعيش حالة الزنا العلني» منذ «محاولته عقد الزواج»، بحسب بيان أصدرته بتاريخ 27 شباط/ فبراير 2009، وفسّرت فيه عبارة «محاولته الزواج» بأنها تعبير عن عدم اعترافها بزواجه. بدأت القصة حين قرر «الأب» جورج الفار، في آب/ أغسطس 2008، إنهاء عمله كرجل دين لدى الكنيسة الكاثوليكية، بعد 26 سنة من الخدمة، سبقتها 11 سنة من «التحضير للكهنوت». سبب اتخاذ القرار، بحسب ما قال الفار لـ«ے»، أنه بدأ في السنوات الأخيرة دراسة الفلسفة، ما أحدث عنده تحولاً فكرياً وذهنياً. «عدت إلى فحص المسلّمات الدينية، والبحث عن البراهين، فصرت أتململ داخل المؤسسة الكنسية، حتى اتخذت قراراً صريحاً بالمغادرة». لكن التغيّر الذي أصاب الفار، لم يكن بلا أساس، فهو يؤكد أنه كان مختلفاً دائماً: «في شبابي كنت أفكر بإعطاء صورة جديدة للكهنوت، مثل أن يُقبل الخوري صاحب الرأي» لكن «لا الرعية قبلت بمثل هذا، ولا البطركية، فلم يكن ثمة بديل من المغادرة». التقى الفار مع البطريرك في الكنيسة، وأبلغه قراره بالمغادرة، فقال له، بحسب ما يذكر الفار: «بالتوفيق والسلامة». غادر الفار عمله كرجل دين، ومضى إلى لبنان حيث أنهى برنامج الدكتوراه في الفلسفة من جامعة الكسليك، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، ولما كان الفار في الأصل من عائلة أرثوذكسية، فقد تمكّن من عقد زواجه في كنيسة أرثوذكسية، كونها تتعامل معه كفرد مسيحي لا كرجل دين، ومنها حصل على «شهادة عمّاد وإطلاق حال» ليتمكن من إتمام زواجه. عاد الفار إلى الأردن في مطلع العام الحالي، ليعمل محاضراً في قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية، محاولاً أن يعيش حياة طبيعية، بعد أن لم يعد ثمة صلة بينه وبين «ماضيه» كرجل دين، حتى فوجئ ببيان الكنيسة الذي يتهمه بالزنا، بحسب ما يقول. الفار، يعتقد أن سبب تركيز بيان الكنيسة على موضوع زواجه، وتصويره على أنه الدافع الحقيقي لتركه العمل كرجل دين، مردّه أن هذا الجانب أقل تكلفة على الكنيسة من الإشارة لمسألة تبدل القناعات لديه، مؤكداً أن الغاية من تركه العمل الديني لم يكن الزواج، «لكن عندما وجدت نفسي وحيداً، قررت أن أتزوج». ما يثير الاعتراض لدى الفار تجاه البيان الذي أصدرته البطركية حول قضيته، وقُرئ في أكثر من كنيسة، في مادبا وعمّان، أنه ينطوي على تشهير وقدح بحقه وبحق زوجته، ما يسيء لصورته في المجتمع. لكن ما يثير الاعتراض أكثر، هو تعارض البيان مع الإجراءات الرسمية التي اتخذتها الدولة، وانطوت على اعتراف قانوني بالزواج، ومن ذلك إصدار دفتر العائلة. عن هذه المسألة القانونية، يقول رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان/ فرع الأردن، المحامي هاني الدحلة، إن الوضع القانوني للفار «سليم مئة بالمئة» كونه «حصل على قرار رسمي من الكنيسة بإنهاء الخدمات قبل زواجه، وإن الزواج تم حسب أحكام وقوانين الكنيسة الأرثوذكسية التي تسمح بزواج الشخص الذي يرغب أن يصبح كاهنا قبل التحاقه بالخدمه الكنسية». الدحلة أضاف أن الفار «يتمتع بالحماية القانونية لأوضاعه، وأن أي طعونات في هذه الأوضاع ليست قانونية ولا تستند لأساس، ومن حقه أن يلاحق أي شخص يستعمل ألفاظاً غير مقبولة مثل الزنا والزواج الباطل، بوصف ذلك ذماً وقدحاً بحقه، ويستطيع التقدم بشكاوى إلى المحاكم المختصة في هذا الموضوع». أما من ناحية الحريات، فيرى الناشط في حقوق الإنسان، سليمان صويص، أن زواج الفار يعدّ حرية شخصية، وحقاً طبيعياً لا يجوز التعرض له بالقدح والذم ومحاولة اغتيال شخصيته، مؤكداً: «يجب استنكار هذه الحملة من جانب كل المؤمنين بقضايا الحرية والديمقراطية، وعدم التجاوب مع أي حملات ضده، لأنه في النهاية مواطن وله الحق في اختيار الحياة التي يريدها». لكن الكنيسة تصر على الدفاع عن بيانها. أحد رجال الدين من الكنيسة الكاثوليكية، قال لـ«ے» بعد أن طلب عدم نشر اسمه أو هويته، إن الكنيسة تعدّ الفار مفصولاً، وإن هذا الإجراء «يقع ضمن لائحة القوانين الكنسية البحتة، التي تفيد بأن التزام رجل الدين بالقوانين الكنسية والخدمة الدينية، هو التزام أبدي لا عودة عنه»، مضيفاً أن الفار «عندما اتخذ قراره بأن يكون رجل دين، كان بعمر 26 سنة، أي على وعي واطلاع وإدراك كامل بقوانين الكنيسة، وعلى علم بالالتزام الأبدي بالعزوبية المقدسة لرجل الدين». لكن الفار قام بإنهاء خدماته قبل أن تقرر البطركية «فصله». رجل الدين الذي رفض ذكر اسمه يقول إنه برغم ذلك، فإن القوانين الكنسية تجرد الفار من صلاحياته، وتعدّه محروماً كنسياً، وتنظر لزواجه على أنه «زنا علني». هي، إذاً، قضية قانونية عامة تماماً، كما أنها خاصة من حيث مسألة التشهير والذم، إذ إن فيها تجاوزاً على تشريعات الدولة، وإجراءاتها الإدارية. |
|
|||||||||||||