العدد 69 - حريات
 

بثينة جويحات

مراهقة، أو سنوات الخطر كما يسميها بعضهم، واحدة من المراحل الحرجة في حياة الإنسان، بحسب ما استقرت عليه نظرة المجتمع، الذي يرى فيها اختلالاً للمعايير والأحكام عند الأفراد.

لكن، بقدر ما يختل تفكير وسلوك المراهقين في هذه المرحلة، قد يختل أيضاً سلوك الكبار في تعاملهم مع أبنائهم، فالتعامل معهم في مرحلة المراهقة يختلف تماماً عمّا كان عليه وهم أطفال صغار، إذ يحتاج أسلوباً خاصاً، تفرضه العوامل النفسية والجسدية التي تطرأ عليهم خلال هذه المرحلة، التي تمتد من سن الثانية عشرة حتى سن العشرين، بل إنه في بعض الحالات قد يمتد تأثيرها في الإنسان حتى نهاية العمر، فيظل مراهقاً في سلوكه وتفكيره.

«ے» سألت عدداً من المراهقين، من الجنسين، عن علاقتهم بمحيطهم، ثم سألت آباءهم وأمهاتهم.

مهند (17 سنة) أشار إلى وجود خلافات كثيرة بينه وبين والده: «أمضي فترة طويلة خارج المنزل، فتجري معاقبتي بالحرمان من الخروج، وقد حصل أن عدت في أحد الأيام إلى البيت في وقت متأخر، فقام والدي بطردي، وأمضيت تلك الليلة عند أحد أصدقائي، وفي الصباح طلبوا مني العودة إلى البيت، وبصراحة لو كان لدي ما يكفيني من النقود، لما عدت إليهم». مهند يشير لتعامل قاسٍ آخر، من وجهة نظره: «لا يسمحون لأصدقائي أن يتصلوا بي هاتفياً أو أن يقوموا بزيارتي». ويؤكد: «لا تعجبني تصرفات أهلي معي، فأصر أمامهم على عدم الدراسة إلا إذا حققوا لي مطالبي، لكنهم في أكثر الأحيان لا يستجيبون لي».

مها (15 سنة) لديها مشكلات مشابهة: «لا تعجبني تصرفات أبي معي، فهو يحرمني من ممارسة هواياتي المفضلة، وبخاصة السباحة وركوب الدراجات الهوائية، ويعاقبني إذا رآني أشاهد فيلماً على التلفزيون، مبرراً ذلك بأنه لا يريد أن يكون أولاده منحرفين». لكن مها قريبة من أمها، وتخبرها عن كل ما يجول بخاطرها.

عبير (18 سنة) تقول إنها لم تتصرف في يوم من الأيام بشكل غير لائق: «أنا مشتركة في أحد النوادي، لكن ليس لي أصدقاء من الجنس الآخر، وأعتقد أن هذه العلاقات لا داعي لوجودها في مثل سني». ورغم أن علاقة عبير بأمها أفضل من علاقتها بأبيها، إلا أنها تخشى أن تحدثها بمشاعرها الخاصة، خوفاً من أن تعترض عليها أو تخبر والدها، فالوالد، بحسب ما تقول: «لا يأخذ رأيي في أي أمر، وأنا لست قريبة منه، ولا أحب أن أتحدث إليه أو أخرج معه».

أما سوسن (16 سنة) فتؤكد: «أهلي لم يقوموا ولو لمرة واحدة بفتح باب الحوار معي، وأشعر أحياناً أنهم يتهربون من الاستماع إلي»، لذلك، تلجأ سوسن لدفتر مذكراتها، وتسجّل فيه كل ما يخص حياتها الشخصية.

أشرف (15 سنة) يجد أيضاً أن خطوط التواصل مع ذويه مقطوعة. «لا أحدّث أهلي بأي أمر يحصل معي، والسبب هو الخوف من العقاب». أشرف يضيف شارحاً: «منذ كنت صغيراً ظل أهلي يقولون عن كل شيء هذا عيب وهذا حرام وهذا ممنوع، لذلك أشعر بالحرج من الحديث أمام أهلي، وأضطر أن أفتح قلبي إلى صديقي»، ويؤكد: «الأهل همهم توفير الطعام والشراب والملابس والاحتياجات الأساسية لحياتنا، أما حاجاتنا النفسية فهي آخر ما يفكرون به».

سوسن الكركي، أم لشاب في الخامسة عشرة من عمره، ترى أن التغيرات التي تطرأ على حياة الفرد في مرحلة المراهقة تصاحبها تغيرات نفسية: «ابني بدأ يشعر أنه على أول عتبات الرجولة، ويريد أن نعامله كرجل، لكننا نشعر من تصرفاته بعدم الإحساس بالمسؤولية، فكل ما يريد الوصول إليه هو تحقيق رغباته مهما كان نوعها، و من الصعب إرضاؤه تماماً مهما حاولت أن أحقق له كل ما يريد».

ليلى أيضاً، وهي أم لفتاة في السابعة عشرة من عمرها، تتفق مع ما قالته سوسن، مؤكدة: «مشكلة ابنتي أنها تريد شراء ثياب جديدة كلما كان هناك مناسبة، وإلا فإنها تمتنع عن مصاحبتنا إلى الزيارات، وهي تبحث دائماً عن ما يلفت أنظار الناس إليها». ليلى لا تعترض كثيراً، وترى أن هذه التصرفات تتناسب مع طبيعة المرحلة العمرية التي تعبرها ابنتها. تنصح ليلى الأمهات بأن يكن يقظات مع بناتهن في هذه المرحلة، وأن يتصرفن معهن كصديقات، «على أن يكون ذلك في حدود القيم المتعارف عليها».

من جهته، يرى عماد العيسى، وهو أب لثلاثة من الشبان في سن المراهقة، أن الجيل الجديد متفتح ومتمرد على الواقع بكل أشكاله، يهرب عندما يجد نفسه مضطراً للاعتراف بخطئه، لذا ينأى بأسراره بعيداً عن أهله، ومن هنا «لا بد للأهل من التعامل مع الأبناء باللين واللطف واحترام الرأي، حتى يصلوا إلى مرحلة النضج الفعلي، وحينها يمكن محاسبتهم». رغم ذلك، يشترط العيسى أن لا تكون ثمة تصرفات «غير مقبولة» لدى المراهقين، «مثل كثرة الخروج والتأخير خارج المنزل، وإذا حدث وتصرفوا بطريقة خاطئة، فلا بد أن يُعامَلوا بطريقة حاسمة ليعتادوا التصرف السليم». أما زوجة العيسى، فتعلق على الموضوع قائلة: «أنا كأم أحاور أبنائي وأحاول أن أزيد مساحة التفاهم بيني وبينهم، إلا أنني كلما اقتربت منهم ابتعدوا عني، أشعر أنهم يعيشيون في عالم آخر غير العالم الذي أعيش فيه».

فهيم خوري، أب لثلاثة أبناء، يشكو من تصرفات أبنائه، يقول: «لا يسمحون لي بالاقتراب من خصوصياتهم، فحين يكونون منخرطين في حديث ما، وأحاول مشاركتهم فيه، فإنهم يقومون بتغيير الموضوع أو يتوقفون تماماً عن الحديث، وكأنني غريب عنهم». الزوجة زين خوري ترى أن «أبناء هذا الجيل لا تنفع معهم الشدة، فهم يعيشون في عالم مليء بتناقضات الأفكار والمفاهيم والمعايير الاجتماعية، لأنه لا يتلقى المعارف والأفكار من مصدر واحد، وهذا ما يخلق حالة صراع نفسي مريرة بين الصح والخطأ، تضع المراهق في حالة انفعالية متواصلة».

أستاذ التربية أسامة عبد النور، يرى أن تربية الأبناء تقلق الكثير من الأهالي، فـ«الأولاد يبقون حتى سن معينة تحت سيطرة والديهم، إلا أن الوالدين كثيراً ما يسيئان استثمار هذه السيطرة، فيندمان بعد خروج الابن من تحت سيطرتهما، حيث إن لكل إنسان تكويناً بدنياً ونفسياً يبلغ أوجه في مرحلة المراهقة، لذلك لا بد من الاهتمام بكل جانب منهما بالدرجة نفسها، وإلا قد تتسع الفجوة بين الوالدين والشاب أو الفتاة في مرحلة المراهقة، ما يؤدي إلى مشاكل عديدة تصنع جداراً سميكاً بينهم، إلى جانب أن هناك عناصر أخرى مؤثرة، منها ما هو ذاتي كالصفات الوراثية والبنية النفسية والعقلية، ومنها ما هو محيطي، كسلوك الآباء والأقارب والأصدقاء».

من هنا، يشير عبد النور إلى أن التعامل مع المراهقين غاية في الخطورة، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، ولا بد أن يجري التعامل معهم بحذر «كي لا تكون هناك ثغرات يستغلها المراهقون في سلوكياتهم الحياتية، وذلك من خلال الاهتمام بالبعدين النفسي والمادي».

تتعامل المرشدة النفسية في مدارس الشويفات، رندا شاهر، مع مشاكل الطلبة في المدرسة عيانياً، وتلاحظ أن «المشكلة الأولى التي تواجه الطلبة في هذه المرحلة هي السباحة ضد تيار الأهل، وعدم وجود تفاهم متبادل معهم»، وتعتقد أن «اختلاف الزمان والأجيال له دور كبير في ذلك، لأن أكثر الآباء والأمهات تعودوا عادات معينة، ويريدون تطبيقها على أبنائهم من دون مراعاة اختلاف البيئة، لذلك يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم لأنهم يعتقدون أن الآباء إما لا يهتمون بمشاكلهم أو أنهم لا يستطيعون فهمها، وإن فهموها فليسوا على استعداد لتعديل مواقفهم». أما المشكلة الثانية فهي «الخجل والانطواء، فهما يعيقان المراهق عن التفاعل الاجتماعي، ويؤديان إلى إضعاف قدرته على التعبير عن نفسه، والتلعثم عند التحدث، هذا إلى جانب أن عدم تلقي المراهق الدعم الكافي منذ الطفولة، أو الاهتمام والمتابعة اللازمين من الأسرة والمدرسة، يؤديان إلى التأخر الدراسي عند بعض المراهقين».

الباحثة الاجتماعية رانيا الملاحمة، ترى من جهتها أن من خصائص مرحلة المراهقة «عدم الراحة النفسية، والقلق، وتقلّب المزاج، فالشاب الصغير لم يعد طفلاً، لكنه أيضاً لم يصل بعد إلى مرحلة النضوج، وأول ما يرفضه المراهق هو أن يقرر الآخرون بدلاً عنه، وهذا الأمر يدفعه للرفض والثورة والبعد عن الأهل».

ما الحل؟ تعتقد الملاحمة أن دور الأهل يكمن في «التقرّب من المراهق، وكسب صداقته وثقته، كي يتعود على مصارحتهم».

إذا كان المجتمع يرى في المراهقة «مرحلة خطرة»، فكم من الآباء والأمهات يحملون ما يكفي من النضج للحيلولة دون وقوع أولادهم في شرك «الخطورة» ذاك؟!

سلوك الكبار قد يختلّ في التعامل معهم حدود “الحرج” في مرحلة المراهقة
 
26-Mar-2009
 
العدد 69