العدد 69 - استهلاكي
 

علا فرواتي

الأرز، كان وما زال في مقدمة المواد التي تشغل بال المواطن، فهو المنتج الغذائي الذي يحضر على مائدته بشكل شبه دائم.

كان الأرز في العام الفائت على رأس قائمة المواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها بشكل صاروخي لتضغط، بشكل كبير، على جيوب المستهلكين الذين تنفسوا الصعداء عندما عادت أسعار هذه المادة الحيوية إلى الانخفاض في نهاية العام، ولكن عوامل عدة تؤيد احتمال عودة الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى.

بحسب منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (FAO)، فإن الزيادات المتسارعة في أسعار الأرز بوصفه الغذاء الرئيسيّ لنحو ملياري ونصف المليار من سكان العالم، إلى جانب ارتفاع أسعار محاصيل أخرى من الحبوب في غضون العام الماضي، تمخّضت عنها سلسلة من الصدمات التي واكبها أيضاً ارتفاع أسعار الوقود والمُدخلات من الأسمدة الكيميائية، مما ترتّب عليه ردود فعلٍ من الاضطرابات السياسية لدى العديد من البلدان.

وذكرت المنظمة أن متوسط الأسعار للعام 2008 بلغ من الارتفاع نحو 80 في المئة، مقابل أسعار العام 2007، رغم الانخفاض المتواصل في المستويات القصوى للأسعار المسجَّلة في أيار/مايو 2008. وكمقياسٍ مرجعي، سجل سعر الطنّ من الأرز الأبيض التايلندي من الدرجة الثانية 611 دولاراً في كانون الثاني/يناير في مطلع العام، مقارنةً بسعر 385 دولاراً في الشهر نفسه العام 2008، بعد أن ارتفع سعر الأرز إلى مستوياته القصوى ببلوغ 963 دولاراً.

مصر، التي تزود السوق الأردنية بأكثر من 30 في المئة من حاجتها السنوية من الأرز، قررت الأسبوع الماضي تمديد حظر تصديره حتى تشرين الأول/أكتوبر، للمحافظة على انخفاض الأسعار في السوق المحلية.

وكالة أنباء الشرق الأوسط كانت نقلت عن وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، قوله إن القرار «يستهدف الحفاظ على ثبات أسعار الأرز في السوق المحلية». وكان الحظر من المفترض أن ينتهي في نيسان/إبريل.

إلا أن مستورد الأرز مصطفى الصعيدي، الذي عاد للتو من زيارة إلى مصر، أوضح أن الحظر لا يعني منع تصدير الأرز، بل إن السلطات المصرية تفرض قيودا على تصديره. وتفرض السلطات على أي مصدّر للأرز دفع رسوم تصدير قدرها ألف جنيه، أو 180 دولارا، عن كل طن يتم تصديره. كما أن السلطات هناك تشترط توريد طن من الأرز لهيئة الغذاء المصرية مقابل كل طن يتم تصديره، وذلك للحفاظ على تدفق مستمر للأرز داخل مصر، ما يؤدي إلى ثبات سعره.

وقال الصعيدي إن هذا رفع تكلفة طن الأرز إلى نحو 400 دولار، حتى قبل التصدير واحتساب أرباح التجار وتكاليف النقل.

وأضاف أن كميات من الأرز المصري ستصل السوق المحلية في الأيام القليلة المقبلة، متوقعا أن يكون متوسط سعر الكيلو 80 قرشا.

سعر الكيلو كان من المتوقّع أن يكون 40 قرشا، لو لم تفرض مصر هذه القيود والرسوم على التصدير.

سعر الأرز هذه الأيام يراوح بين دينار لكيلو الأرز المصري، و70 قرشا لكيلو الأرز التايلندي، فيما يباع الأرز الأميركي بمعدل دينار وثلاثين قرشا للكيلو.

أبو رامي، صاحب بقالة في خلدا، قال إن أسعار الأرز انخفضت، لكن الطلب ما زال منخفضا، وذلك لأن المواطنين يقنّنون في مصروفاتهم. وأشار إلى أن الطلب ارتفع على الأرز التايلندي، لأن سعره أقل من أسعار أنواع الأرز الأخرى.

الصعيدي قال إن هناك تخوفا من أن تعاود أسعار الأرز ارتفاعها، بسبب عوامل أهمها: الجفاف، قرار الحكومة الهندية حظر التصدير، فضلا عن تدخل الحكومة التايلندية وشراء كميات من الأرز من السوق التايلندية بسعر 650 دولارا للطن، وذلك لمنع الأسعار من الانخفاض وحمايةً للمزارعين.

وذكرت نشرة «مرصد أسواق الأرز» (شباط/فبراير)، التي تصدرها (FAO) أن وفرة حصاد محاصيل الأرز العام 2008 والتي فاقت توقعات الإنتاج لنهاية العام الماضي، من الممكن أن تخفِّض الأسعار الاستهلاكية لهذا الغذاء الرئيسي.

لكن المنظمة ما لبثت أن حذّرت من أنّ التباطؤ الاقتصادي العالمي يمكن أن يطغى على هذه المكاسب في حالة أفقر مُستهلكي الأرز في العالم، نظراً إلى هبوط مستويات الدخل، والتزعزع المتزايد في ضمان فرص العمل.

تتوقّع المنظمة إنتاجاً عالمياً من موسم العام 2008 مقداره 683 مليون طنّ، أي بزيادة 3.5 في المئة مقارنةً بإنتاج العام 2007، فيما يُرسي فعلياً أسرع معدّلٍ للنمو منذ ثلاث سنوات.

تُعزى الزيادة إلى توسّع بمقدار 2.2 في المئة في رُقعة الأراضي المخصصة على الصعيد العالمي من قِبل المُزارعين والحكومات لزراعة هذا المحصول الرئيسي، على سبيل الاستجابة لارتفاع الأسعار، عِلماً أن حصاد العام الماضي لدى بُلدان نصف الكرة الأرضية الشمالي بإقليم آسيا ينتهي رسمياً في أيار/مايو.

وقالت كبير خبراء المنظمة للأرز، كونثبثيون كالبيه، إن «التأثير الإيجابي لارتفاع أسعار الأرز العام 2008، تَمثّل في أن المزارعين والحكومات واجهوا التحديات والفرص بمزيدٍ من زراعة المحصول، مما رفع الإنتاج رغم تكاليف الوقود والأسمدة الكيميائية الباهظة ونُدرة البذور عالية الجودة».

كذلك، فإن الظروف المُناخية المواتية في العديد من أجزاء العالم ساعدت على استمرار امتصاص المحاصيل للتكاليف المرتفعة من الوقود وأسعار الأسمدة الكيميائية بلا آثارٍ سلبية.

أسعار الأرز بالغة الارتفاع في العام الماضي، حَدَت بالحكومات حول العالم إلى اتّخاذ إجراءات في محاولة للتخفيف من الآثار السلبية للظاهرة على الفقراء. ففي الهند ومصر، ما زالت تُفرَض قيودٌ على تصدير الأرز، خشية أن يعود تضّخم أسعار الغذاء إلى سابق حالته، إذ لم تستقر الأوضاع الاقتصادية حتى الآن كما كانت عليه قبل الارتفاع.

غير أن نشرة المنظمة تحذّر من أن الحكومات «بعدما تَعيّن عليها أن تتدخل في العام الماضي على جبهتين متعارضتين، لتحفيز إنتاج الأرز والحفاظ على سعره منخفضاً للمستهلكين، من الممكن أن تواجه مزيداً من التحديات الجديدة خلال العام 2009 وسط حدّة التباطؤ الاقتصادي العالمي الراهن».

وأضاف التقرير «أن الحكومات قد تضطر إلى التدخل ثانيةً في السياق نفسه، هذه المرة لمساندة أسعار مُنتجي الأرز، وكذلك لحماية القوة الشرائية لقطاعاتها السكانية، في وقتٍ تلحّ فيه المطالب على المساعدة العامّة من القطاعات الأخرى بسرعة كبيرة أيضاً».

من جهة ثانية، فإن معظم مكاسب الإنتاج العالمي لموسم العام 2008 من المتوقّع أن تتركّز في إقليم آسيا، حيث يُرجَّح أن يتحقّق إنتاجٌ وفير من الأرز في حالة البُلدان المُنتجة الكبيرة والصغيرة على السواء.

تشير التنبؤات في حالة البلدان الإفريقية إلى نتائج استثنائية لافتة، بالنسبة لإنتاجها من محصول الأرز، إذ يُتوقّع أن يرتفع مجموع الإنتاج الإفريقي بنسبة 18 بالمائة، نظراً إلى الدعم الحكومي وتزايُد استخدام أصنافٍ بذرية جديدة عالية المردود والجودة. وكنتيجة لذلك، يُتوقَّع أن ينخفض استيراد القارة من الأرز إلى أقلّ مستوياته منذ العام 2004.

في هذه الأثناء، فإن غلّة المحصول غير المقشور الممتازة للعام 2008 من المتوقّع أن تُعيد بناء المخزونات العالمية بقوة من الأرز لتبلغ 118 مليون طنّ، بمقياس مكافئه من الأرز المقشور، لتُرسي بذلك الحدّ الأعلى المسجّل منذ العام 2002، أي بما يزيد بتسعة ملايين طنّ عن معادل المخزونات للعام 2008. وفي حين يُنتظر أن تُعيد البلدان المستوردة تقليدياً تكوين مخزوناتها الاحتياطية بما يناهز المليون طنّ لتبلغ في المجموع 20 مليون طنّ، فإن معظم زيادات المخزون الاحتياطي العالمي يُرجَّح أن تتركّز لدى البلدان المُصدِّرة.

وتشير المنظمة في نشرة مرصاد الأرز إلى أنه بصرف النظر عن مزايا انخفاض الأسعار بالنسبة للمستهلكين، فإنه من شأن انزلاق سعر الطن من الأرز الأبيض جيد النوعية إلى دون 400 دولار أميركي، أن ينعكس على المُنتجين عكسياً، وقد يعوِّق التوجّهات الراهنة لاعتماد سياسات الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الأساسي لدى الكثير من الُبلدان المستوردة.

مصر تمدد حظر تصديره أسعار الأرز تتأرجح ومخاوف من ارتفاعها
 
26-Mar-2009
 
العدد 69