العدد 10 - دولي
 

صلاح حزين

على الرغم من البرودة التي عمت شوارع مدينة تبليسي عاصمة جورجيا، فإن هذه الشوارع غصت بنحو 80 ألف متظاهر يحتجون على الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات التي جرت في مطلع يناير الجاري والتي فاز فيها الرئيس السابق مخائيل ساكاشفيلي بنسبة تناهز 52 في المئة.

المتظاهرون حملوا الرايات البيضاء مختارين لونهم الخاص بهم في إطار ظاهرة الثورات الملونة التي ابتكرها ساكاشفيلي نفسه في العام 2004، حين قاد الجماهير، فيما سمي بالثورة المخملية، لإقصاء الرئيس آنذاك، وزير الخارجية السوفييتي السابق إدوارد شيفارنادزه، وإجراء انتخابات فاز فيها ساكاشفيلي بتسعين في المئة من الأصوات.

منذ ذلك الحين تحول الشاب الممتليء حماسا، خريج جامعة هارفرد الأميركية، إلى “فتى الغرب المدلل” الذي وعد بالعمل على تحويل بلده الصغير من جمهورية موز سوفييتية فاسدة سابقا إلى واحة للديمقراطية، ويدخلها إلى حلف الناتو، وهي على حدود روسيا التي ناصبها العداء ولم يتوقف عن افتعال المشاكل معها، وإلى الاتحاد الأوروبي أيضا.

كانت المعارضة قد هددت باللجوء إلى القضاء والتظاهر في الشوارع إلى حين رضوخ الرئيس الجديد القديم لعقد دورة انتخابات ثانية لتأكيد الفوز المشكوك فيه، فهي أعلنت أن هناك مخالفات شابت الانتخابات من شأنها أن تجعل نجاح الرئيس أمرا غير مؤكد، وأعلنت على لسان زعيمها ليفان غاشيشلادزه، أنها احتسبت عددا من الأصوات المزيفة تزيد في نسبتها على 2 في المئة، وهي النسبة التي فاز فيها على مرشحي المعارضة الستة الذين خاضوا الانتخابات ضده، والذين أعلنوا أنهم سوف يتكتلون ضده في انتخابات الإعادة بحيث يهزمونه بقيادة غاشيشلادزه الذي قالت النتائج الرسمية إنه فاز بنحو 26 في المئة من الأصوات، فيما أعلن هو أنه فاز بنحو 36 في المئة مقابل 43 في المئة لساكاشفيلي مطالبا بإعادة الانتخابات.

المراقبون الأوروبيون التابعون لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الذين راقبوا الانتخابات وأعلنوا فوز ساكاشفيلي لم يبدو مرتاحين كثيرا لهذا الفوز، وخاصة لدى مقارنته بالفوز الكاسح الذي حققه قبل نحو ثلاث سنوات، واعترفوا جميعا بأن هناك مخالفات بعضها جسيم شابت الانتخابات، واعترف بعضهم في تصريحات صحفية بعد العودة إلى بلاده، بأن الفوز مشكوك فيه، ولكن ألسي هيستنغز، عضو الكونغرس الأميركي الذي ترأس بعثة المراقبة الأوروبية، أصر على أن ما جرى في جورجيا كان “انتصارا للديمقراطية”، ولكنه لم يستطع تجاهل وجود انتهاكات. وقالت جمعية المحامين الشباب في جورجيا، وهي جمعية ترصد انتهاكات حقوق الإنسان، إنها سجلت نحو 230 شكوى بالانتهاكات، ولكن المنظمة الأوروبية قالت إن 30 منها فقط مثلت انتهاكات خطيرة.

ولكن السؤال الذي طرحته جميع وسائل الإعلام التي غطت الانتخابات مثلما غطت التظاهرات أثارت سؤالا حول تلك السقطة التي أنزلت “فتى الغرب المدلل” من التأييد الكاسح وحصوله على 90 في المئة من أصوات الناخبين، إلى هذه النسبة المتدنية من الأصوات، بفرض كونها صحيحة، خلال وقت قياسي في قصره؟

خلال السنوات الثلاث الماضية اتبع ساكاشفيلي سياسة مناكفة لموسكو، والمعارضة التي لا تقل عداء لموسكو هي أيضا، وجدت أن في ذلك تقربا من الغرب حتى ينال رضاه. كما أثار الاستياء بسياسته التي أعلن فيها تأييده غير المشروط لجورج بوش وسياساته الخارجية غير الشعبية، والتي أرسل بموجبها قوات جورجية للمشاركة في الحرب على العراق تعتبر الأكبر عددا نسبة لعدد سكان بلاده.

كما كانت هناك اتهامات له بمخالفات جسيمة لحقوق الإنسان وصلت الذروة حين ظهر وزير الدفاع السابق إيراكلي أوركواشفيلي على الملأ متهما الرئيس بإبرام عقود لقتل خصومه، وقد نفى ساكاشفيلي ذلك، وبدأ في اتباع سياسة إعلامية متحيزة وأغلق بعض محطات التلفزيون الخاصة التابعة للمعارضة. وكان ذلك كله كفيلا بإنزال المتظاهرين إلى شوارع تبليسي بأعداد هائلة في تشرين الثاني الماضي، فما كان منه إلا أن أصدر أوامره باستخدام القوة ضد المتظاهرين، ما أسفر عن سقوط أكثر من 350 جريحا. ومع اتساع نطاق المعارضة أعلن ساكاشفيلي إجراء انتخابات مبكرة في مطلع العام 2008، هي تلك التي أسفرت عن فوزه بالنسبة الضئيلة المثيرة لشكوك الخصوم وبعض الحلفاء.

الرئيس الشاب (40 عاما) يصر على أنه الفائز في الانتخابات قائلا إن أي بلد ديمقراطي يفوز فيه رئيس بنسبة 50 في المئة يعتبر فائزا، فلم لا ينطبق ذلك على جورجيا؟ وهو يعد للبقاء في قصر الرئاسة الذي لم يغادره، ولكنه سيقيم احتفالا خاصا بفوزه يدعو إليه فكتور ياشنكو، زعيم الثورة البرتقالية في أوكرانيا. أما المعارضة فأعلنت أنها ستواصل التظاهر براياتها البيضاء في الشوارع، رغم الأجواء الباردة، حتى تجرى انتخابات الإعادة التي تطالب بها، فهل تطيح المعارضة، من خلال ثورتها البيضاء، بفتى الغرب المدلل الذي وصل الحكم في ثورة بنفسجية؟

جورجيا: فتى الغرب المدلل في مواجهة الثورة البيضاء؟
 
17-Jan-2008
 
العدد 10