العدد 69 - الملف | ||||||||||||||
معن البياري
الترتيب الأبجدي هو الذي جعل قطر تستضيف في 29 آذار/مارس الجاري، وللمرة الأولى، مؤتمر القمة العربية. بعد ذلك، بيومين تستضيف قطر مؤتمر القمة الثانية للدول العربية ودول أميركا الجنوبية الذي سيعقد في 31 آذار/مارس الجاري. وستضاف القمتان إلى مؤتمرات عربية وإسلامية ودولية انتظمت في الدوحة في السنوات القليلة الماضية، فقد استضافت قمة دول منظمة المؤتمر الإسلامي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2000، وعشرات المؤتمرات الوزارية العالمية، منها مؤتمر دول منظمة التجارة العالمية، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2001، ما جعل العاصمة القطرية تبدو وكأنها المكان المحتمل لأي اجتماع على أي صعيد. انعقاد هذا العدد الكبير من المؤتمرات في قطر راكم لدى الدولة الخليجية الصغيرة خبرة كبيرة في تنظيم المؤتمرات، والمنتديات الدورية، وبعضها في قطاعات الطاقة، التجارة، العلوم، الأديان والثقافات وغيرها. ودشنت الدوحة هذا التوجه بطلبها استضافة مؤتمر قمة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في دورته الثالثة، وهو ما تم في العام 1998، وسط دعوات عربية لمقاطعته، لإرسال رسالة لحكومة نتانياهو في حينه في إسرائيل، ورفضت الدوحة التراجع عن استضافتها المؤتمر الذي كان الرابع والأخير من نوعه، فقد تم نعيه لاحقا. وفي البال أن قطر، كانت إبان ذلك، قد بدأت علاقات مع إسرائيل، واستقبلت إسحق رابين وشمعون بيريز، وتم فتح مكتب تجاري إسرائيلي في الدوحة العام 1996. جرى ذلك وسط استهجان سعودي وخليجي، وذلك بعيْد تسلم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم في بلاده، عقب إزاحة والده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني الذي كان يقوم بجولة خارجية في صيف 1995. مع التغيير، انعطفت قطر إلى خيارات سياسية مختلفة ومفاجئة، ومغايرة لما كانت عليه منذ استقلالها العام 1971 هي التي عرفت باتباع سياسات تقليدية وهامشية، وانضواء في «العباءة» السعودية. وكانت الاحتكاكات الإعلامية والسياسية مع السعودية، التصعيد مع البحرين، «النديّة» مع مصر، الانفتاح على إيران، العلاقات مع إسرائيل، والتواصل الدافئ مع عراق صدام حسين بداياتٍ ظاهرةً للسياسة الخارجية لدولة قطر، الموصوفة بأنها صغيرة المساحة (11437 كم مربع، ومحدودة السكان (744 ألف نسمة، منهم نحو 174 ألف نسمة من القطريين بحسب إحصاء 2004). وكان الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، في أثناء ترؤسه للمرة الأولى وفد بلاده لقمة دول مجلس التعاون في مسقط في كانون الأول/ ديسمبر 1995، انسحب من المؤتمر وعاد منزعجا إلى بلاده، وتردّد في حينه أن سبب الانسحاب يعود إلى عدم ترحيب القمة بتوليه السلطة في بلاده. بعد ذلك لوّحت قطر بالانسحاب من المجلس، تعبيرا عن غضبها الشديد من تولي السعودي جميل الحجيلان الأمانة العامة لدول المجلس، وكانت تعمل على تنصيب القطري عبد الرحمن العطية في المنصب، وهو ما تحقق في سنوات تالية على أي حال. من المحطات الأولى في مسار العهد «الجديد» أن البحرين قاطعت مؤتمر قمة «التعاون» في 1996 في الدوحة، وهي المرّة الوحيدة التي غابت فيها دولة خليجية، بحجة القبض في المنامة على «جاسوس قطري»، وتوازى ذلك مع «حرب إعلامية» بين صحف الدوحة والقاهرة، ما مثّل معطى جديدا في المشهد العربي، حيث إن دولة صغرى لا تُحسب مركزية أو ذات ثقل سياسي، تتصدى إعلامياً لمصر ذات الثقل المركزي المديد. وكانت اتهامات مستترة قد تسربت من الدوحة عن دور استخباري مصري في «محاولة انقلابية» ضد الحكم الجديد، وهو ما نفته القاهرة. وصدرت أحكام لاحقا بحق متهمين بالتورط في المحاولة، ثم صدر عفو عن بعضهم . بهذا وبغيره، بات لقطر موقع مركزي ومتقدم في الحراك السياسي للنظام الرسمي العربي، وغابت التشنجات عن علاقاتها العربية، وإن بدا أنها مصابة بتحفظات هنا وهناك، فقد اندفعت العلاقات القطرية البحرينية في اتجاه التحسن، خصوصا أنه تم التراضي بينهما بشأن جزر حوار التي قضت محكمة العدل الدولية في آذار/ مارس 2001 بتابعيتها للبحرين، وتابعية الزبارة وفشت الدبل لقطر. ووقع البلدان في حزيران/ يونيو 2006 على اتفاقية إنشاء «جسر المحبة» بينهما، والذي يستغرق تنفيذه خمس سنوات، بكلفة بليوني دولار، تقسم مناصفة بين المنامة والدوحة. كما تجاوزت العلاقات القطرية السعودية مختلف المطبات، ودخلت منذ عامين في طور متدرج من التحسن، ساعد عليه تخفف قناة «الجزيرة» من تناول الرياض بلغة لا تقبلها الأخيرة. تنعقد القمة العربية في الدوحة بعد أيام من تسليم الأمانة العامة للأمم المتحدة للسعودية وقطر وثائق التصديق على المحضر المشترك للاتفاقية بشأن الحدود البرية والبحرية بينهما، والتي تم توقيعها في تموز/ يوليو 2008. حيوية الدبلوماسية القطرية، التي توصف أحياناً بالاستعراضية، يكاد يكون لها حضور في معظم الأزمات العربية والإقليمية، إن بالوساطات والاتصالات المكثفة، أو بتوظيف التدخل المالي أحيانا. من ذلك أنها تعمل بهمّة في ملف إقليم دارفور في السودان، وكانت نشطت في ملف الحوثيين في اليمن، وتم الحديث عن دور لها في إفراج ليبيا عن الممرضات البلغاريات في صيف 2007. ويعدّ نجاح الدوحة في أيار/ مايو 2008 في إنهاء أزمة الاحتقان السياسي في لبنان، والذي طال لنحو عامين، نجاحا كبيرا كان محل تقدير عربي ودولي. كما كانت لها وساطة ناجحة في إنهاء علاقات توتر بين إريتريا والسودان، وسعت إلى تبريد الصراع بين المسلحين الشيشان والروس، ونجحت في التقريب بين فرنسا وسورية، وكان لها دور في الوصول إلى اللحظة الراهنة في الصومال، لجهة انتخاب شيخ شريف شيخ أحمد رئيسا للبلاد. ويذكر أن قطر كانت عضوا في مجلس الأمن الدولي في العامين 2006 و2007، وكانت ترأسته في كانون الأول/ ديسمبر 2006. وصوتت في الأثناء ضد قرار بتوجيه إنذار نهائي لإيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم، وكان لها دور بارز في المداولات بشأن وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006. ومع انفتاح الحكم في قطر على حركات إسلامية وتيارات أصولية في غير بلد عربي وإسلامي، واستضافتها على أراضيها شخصيات من هذه التيارات معارضة في بلادها: الجزائري عباسي مدني مثلا، والرئيس الشيشاني السابق سليم خان بندرباييف الذي اغتيل في الدوحة في شباط/ فبراير 2004، وشخصيات عربية ذات توجهات قومية، بينهم مسؤولون عراقيون سابقون، فإن قطر بقيت دولة حليفة للولايات المتحدة، وهي تستضيف أهم بنية تحتية عسكرية أميركية في المنطقة، حيث يقوم المقر الميداني للقيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطى في قاعدة السيلية، التي تعد بحسب بيانات البنتاغون أكبر مخزن للمعدات والأسلحة الأميركية في العالم. وقد انتقلت القيادة الجوية للقيادة العسكرية المركزية الأميركية من السعودية إلى قاعدة العيديد في قطر ما بين 2002 و2003. مع ذلك كله، يقع المراقب على فتور طبع العلاقة بين القيادة القطرية والإدارة الأميركية السابقة، خصوصا في العامين الأخيرين، ولا يلحظ حرارة خاصة في الاتصالات الثنائية مع الإدارة الديمقراطية الجديدة. لم تقتصر انعطافات قطر في السنوات ال 14 عاما الماضية على الأداء السياسي في الخارج، فقد عرفت داخلياً انتخاب أعضاء المجلس البلدي الوحيد (29 عضوا)، في ثلاث دورات من التصويت والاقتراع بمشاركة المرأة في 1999 و2003 و2007. وللمرة الأولى أيضاً، شارك القطريون في استفتاء مباشر على مسودة أول دستور دائم لبلادهم في نيسان/ إبريل 2003، وجاءت النتيجة بالموافقة على المسودة التي أنجزتها بتكليف من الأمير لجنة مختصة. وينص الدستور، الذي لم يتم العمل به بعد، على إنشاء مجلس شورى (برلمان) من 45 عضوا، بينهم 30 منتخبون و15 يعينهم الأمير. كما ينص على أن حرية تأليف الجمعيات مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولا يجيز تشكيل أحزاب سياسية. إلى هذين التطورين، ألغيت في قطر وزارة الإعلام في 1998، ورُفعت الرقابة المسبقة عن الصحف، وتم في 1996 إطلاق قناة الجزيرة، ويجوز القول إن المشهد الإعلامي العربي قبلها غيرُه بعدها، هي التي لم تلبث أن تحولت شبكة واسعة، تشمل قناة بالانجليزية وأخرى وثائقية ورابعة للأطفال وخامسة لبث مباشر لمناسبات عديدة. «الجزيرة» باتت من الأذرع السياسية والإعلامية القوية للحكم في قطر وعلاقاته الإقليمية، العربية خصوصا. وتتمتع الصحافة القطرية بمقادير من الحريات في أدائها وفي التعبير عن الرأي فيها في القضايا العربية أكثر من الشؤون الداخلية. وقد أنشئ في العام 2007 مركز الدوحة لحرية الإعلام، الذي يرصد في تقارير دورية واقع الحريات ويعمل على تعزيزها، ومن المفارقات أن تقريره الجديد قبل أيام كان شديدا في انتقاده ممارسات إعلامية في قطر نفسها. تتنوع مظاهر الحضور القطري العالمي، ويمكن اعتبار الرياضة إحدى هذه المجالات، وما زال ماثلا في الأذهان استضافة الدوحة العديد من البطولات والمسابقات الخليجية والعربية والآسيوية والدولية، ومن أبرزها استضافة دورة الألعاب الآسيوية الخامسة عشرة في نهاية 2006، وكان افتتاحها حدثا فنيا عالميا مثيرا وبارزا. وسبقتها استضافة مسابقة كأس الخليج السابعة عشرة لكرة القدم والتي فازت بها قطر. ومن المهم أن يشار هنا إلى أن المرأة القطرية شاركت في منافسات مفتوحة للجمهور، للمرة الأولى في دورة ألعاب غرب آسيا العام 2005. في قطاع التربية والثقافة والفنون، يبرز حضور مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع التي ترأسها حرم أمير قطر الشيخة موزة المسند، وهي تنشط في إعداد برامج منوعة في مجالات عملها، وتتوجه إلى الأجيال الحاضرة وأجيال المستقبل. وهناك المتاحف المتنوعة، و أبرزها متحف الفن الإسلامي الذي يعد من المعالم المميزة في عالم المتاحف والآثار الإسلامية في العالم، وتم افتتاحه في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي بحضور عربي ودولي رفيع. وثمّة المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث الذي ينشط في إقامة تظاهرات فنية وثقافية، من أبرزها مهرجان الدوحة السنوي ومعرض الكتاب ومهرجان الدوحة للأغنية العربية. |
|
|||||||||||||