العدد 69 - الملف
 

سعد حتر

منذ انتظمت مواقيت القمم العربية سنويا مطلع الألفية الثالثة، بدأت الدول العربية في استخدام سلاح جديد هو سلاح تخفيض مستوى تمثيل بعض الدول، إما بسبب معارضتها لمضامين جدول الأعمال أو موقفها من الدولة المضيفة.

المقاطعة ذات «الدلالات السياسية»، على مستوى القيادة، تجلّت في قمّة دمشق (آذار/مارس 2008)، ويتوقع أن تتواصل في الدوحة.

غياب عدّة زعماء عرب عن دمشق، في مقدمتهم قادة السعودية، مصر، والأردن، تركت صدى كبيرا وعمّقت سياسة الاستقطاب.

في ذلك الوقت كان الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك غاضبين بسبب تصريحات صدرت سابقا عن رئيس القمّة بشار الأسد على خلفية الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان في صيف 2006. ذلك أنه نعتهما ضمنا ب«أنصاف الرجال»، في معرض انتقاده لمواقف دول عربية لامت حزب الله الموالي لدمشق وطهران لاستدراجه العنف الإسرائيلي عبر الحدود، في حرب أودت بحياة 1500 لبناني على الأقل.

وهكذا أوفدت أثرى دولة عربية دبلوماسيا عاديا لحضور قمّة دمشق. الأردن حذا حذو السعودية، إذ سحب وزير الخارجية صلاح الدين البشير، آنذاك، عقب اجتماعات مجلس وزراء الخارجية، وأوفد بدلا منه سفيره في القاهرة عمر الرفاعي في ذلك الوقت.

احتمالات تخفيض التمثيل تطل برأسها من جديد قبل أيام من قمّة الدوحة، إذ تلوّح دول عربية بمقاطعة القمّة على مستوى القيادة، إن أصرت قطر على دعوة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لحضور القمة كمراقب، على غرار وجوده في القمّة الطارئة التي استضافتها قطر منتصف كانون الثاني/يناير الماضي.

لذلك تتزايد الاحتمالات بأن توفد مصر دبلوماسيا لحضور القمّة على خلفية التوتر بين البلدين. كذلك يتوقع أن يقاطع ملك المغرب، محمد السادس، القمة يعد المشاحنات التي لامست حدود القطيعة بين بلاده وإيران.

الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس شارك في قمّة دمشق حتى لا يخسر جميع أوراقه، بخاصة وأن سورية تمتلك أدوات ضغط من بينها استثارة خصمه الفلسطيني خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو ما فعلته قطر في قمّة الدوحة الطارئة، وفي هذه الحالة لن يحضر عباس.

مسؤولون مقربون من عباس في رام الله، يؤكدون أن السلطة الفلسطينية لا تتعرض لضغوط لتخفيض مستوى تمثيلها، ويتوقعون أن يشارك عباس في القمّة حتى لو حضرها نجاد.

لا يغيب عن البال العلاقة الوثيقة على المستوى الشخصي بين عبّاس وقادة قطر، فهو قضى في قطر شطرا من حياته العملية.

وقد تكون القمم الثنائية والمتعددة (أردنية-سورية في عمان/ أردنية-مغربية في الرباط/ مصرية - أردنية في العقبة/ ورباعية سعودية-مصرية-سورية-كويتية في الرياض)، جزءا من التلويح بسلاح «التمثيل»، أو تقع ضمن مساعي حشد أكبر عدد من الرؤساء لحضور قمة الدوحة الدورية.

رئيس الديوان الملكي الأسبق عدنان أبو عودة، يرى أن المفارقة تكمن في أن جدولة مواعيد القمم بدأت تعطي نتائج عكسية «مفسدة»، بعد أن كان من المفترض أن تعزز التضامن العربي وتفعّل آليات تطبيق القرارات.

أبو عودة، الذي حضر خمس قمم عربية إلى جانب الملك الراحل الحسين بن طلال، يؤكد أن «سلاح تخفيض التمثيل» إلى ما دون رأس الدولة، كان نادرا في بدايات مؤسسة القمّة، قبل 55 عاما. وإذا غاب رأس دولة ما، كان يمثّله الرجل الثاني عادة كرئيس الوزراء أو ولي العهد.

و قلّل أبو عودة من استثناءات استقرت بوصفها عرفا لدى عدد من الزعماء قلّما غادروا بلادهم مثل سلطان عُمان، قابوس بن سعيد، وملك المغرب الراحل الحسن الثاني. ولسد ثغرة غياب الحسن الثاني، استضاف المغرب عددا كبيرا من القمم، حسبما يستذكر أبو عودة.

أما الرئيس العراقي السابق صدام حسين (1979-2003) فكّف عن مغادرة بلاده بعد الحصار الدولي، الذي زنّرها صيف العام 1990، ردّا على اجتياح قواته للكويت. أما التردّد الاستعراضي حتى اللحظة الأخيرة للرئيس الليبي معمر القذّافي (المحاط بالغموض)، فكان يعود غالبا لاعتبارات أمنية في ضوء المقاطعة الأميركية على بلاده بين عامي 1986 و2003، بحسب أبو عودة.

في قمّة عمان 1987 فوجئ قادة عرب بوصول زين العابدين بن علي لتمثيل تونس بدلا من الحبيب بورقيبة الذي كان قد أطيح به قبل سويعات من التئام القمّة.

قبل ذلك بسبع سنوات، عزمت ما كانت تعرف ب«جبهة الصمود والتصدي» (سورية، الجزائر وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية) على مقاطعة قمّة عقدت في عمان أيضا. إلا أنها غيرت رأيها في اللحظة الأخيرة.

يرى أبو عودة أن جدولة انعقاد القمّة دوريا «أثر سلبا على العمل المشترك بدلا من أن تحسن الأداء (..) لأن الزعماء يعرفون موعدها، وبالتالي يفترض أن يرتبوا جدول أعمالهم بحيث لا يتقاطع مع توقيتها». كذلك يفترض أن تعطي مجلس وزراء الخارجية العرب وقتا كافيا لطبخ القرارات على نار هادئة، وصولا إلى توافق على مضامينها.

وزير خارجية أسبق، فضل عدم الكشف عن هويته، يؤكد أن غالبية قرارات العمل المشترك وضعت على الرفوف فيما اصطدمت المبادرة السياسية العربية التي صدرت عن قمّة بيروت (2002) «بتعنت إسرائيل المتجدد».

وتحاول دول مضيفة فرض أجندتها على بنود القمّة. فعناوين قرارات قمة دمشق تمحورت حول مضامين فضفاضة وإنشاء متكرر من قبيل «دعم حق سورية في استعادة الجولان، التضامن مع لبنان وسورية في مواجهة إسرائيل، السلام العادل والشامل خيار استراتيجي، رفض العقوبات الأميركية ضد سورية، احترام وحدة واستقلال وسيادة أراضي العراق، دعم السلام والتنمية في السودان، إدانة الإرهاب بكل أشكاله، النهوض باللغة العربية وإدانة الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين».

لكن رغم تشكيل لجان فنية فرعية ومحاولة بناء آليات عمل، سترحّل جميع العناوين إلى الدوحة مع إعادة صياغة تجميلية، فلم تردع «إدانة الجرائم الإسرائيلية» هذه الدولة من قتل أكثر من 1300 فلسطيني في قطاع غزّة مطلع العام الجاري، بعد سنتين ونصف من سقوط 1500 لبناني في محاولة اجتياح أخرى صوب الشمال.

سابقا، كانت الدعوة ترسل إلى الرؤساء والملوك «على الحارك»، كلما استوجب انعقاد قمّة لحدث طارئ. وكان الزعماء يتجاوبون مع الدعوة كأحجار الدومينو عبر إذاعات بلادهم الرسمية وقنواتها التلفزيونية، ونادرا ما كان يتخلف أي منهم، رغم ضيق الوقت، بين توجيه الدعوة والتئام القمة.

رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأسبق فايز الطراونة، يرى أن محاولة الدولة المستضيفة فرض رأيها على جدول الأعمال تؤثر في مدى استجابة سائر أعضاء منظومة الـ 22 دولة.

مثل أبو عودة، يرجع الطراونة تخفيض مستوى التمثيل أو مقاطعة القمم إلى «دوافع سياسية»، لافتا إلى أن المقاطعة الكاملة تصل إلى «كسر العظم»، لذلك من الأفضل حضور رأس الدولة أو الرجل الثاني فيها. أما إذا خفض التمثيل إلى دبلوماسي، فهذا يعكس «حجم التوتر» مع الدولة المضيفة.

ويؤكد الطراونة أن «الدولة المضيفة يجب أن توفر المقر من دون أن يكون لها حريّة التغيير في نمط وشكل القمّة (..) أو دعوة من تريد كمراقبين».

وكان يشير بذلك إلى دعوة سورية وقطر للرئيس الإيراني أحمدي نجاد للمشاركة كمراقب في قمة الدوحة، مع أن علاقات بلاده شبه مقطوعة مع عدة دول عربية.

يري المسؤول السابق أن العرف انحصر في دعوة أمين عام الأمم المتحدة أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو منظومة عدم الانحياز.

بخلاف أوروبا الفسيفسائية الخارجة من حرب عالمية ثانية، فشل العرب خلال ستة عقود في توحيد صفوفهم والاتفاق على الحد الأدنى من الجوامع، رغم هبوطه على مستوى القيادات. أما تحالف «الفحم والصلب» المتواضع الذي ولد في روما العام 1956 فتضخم إلى اتحاد متجانس بأسلحة سياسية، اقتصادية ونقدية فعّالة.

خفض التمثيل: سلاح قد يطيح بالعمل العربي المشترك
 
26-Mar-2009
 
العدد 69