العدد 68 - أردني
 

منصور المعلا

لم تحسم وزارة المياه والري حتى مساء الأربعاء 24 آذار/مارس، سبب تلوث مياه نهر اليرموك، الذي وقع في السابع من آذار/مارس، حيث “رجّح” وزير المياه رائد أبو السعود أن تكون الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة أخيرا، هي السبب في تدفق المياه العادمة إلى نهر اليرموك، دون أن يبين مصدر تلك المياه.

ترجيح الوزير لسبب التلوث يتناقض مع تقرير لصحيفة “الغد” (23 آذار/مارس)، أعده برهوم جرايسي الكاتب في الصحيفة من تل أبيب، الذي بيّن أن وزارة البنى التحتية الإسرائيلية اعترفت بوجود مياه ملوثة في نهر اليرموك، مرجعا سبب التلوث إلى “شح الأمطار، وانخفاض مناسيب المياه في المجمعات المائية”، مؤكداً “تلوث بعض المناطق داخل إسرائيل بالمياه الملوثة”، وبحسب وزارة البنى التحتية الإسرائيلية فإن “الوضع تم إصلاحه عن طريق لجان مشتركة بين الطرفين” الأردني والإسرائيلي.

أبو السعود في مؤتمر صحفي عُقد الثلاثاء 24 آذار/مارس في رئاسة الوزراء، بحضور وزير الاتصال والإعلام نبيل الشريف، قدم تقريرا مفصلا أوضح فيه نوعية ونتائج الفحوصات التي أُجريت على المياه، منذ الأول من شباط/فبراير الماضي، حتى يوم 23 آذار/ مارس.

أبو السعود بدا ممتعضا من حجم التركيز الإعلامي على قضية التلوث، مستعرضا مراحل اكتشاف التلوث، ابتداء من “ملاحظة تغيير في نوعية المياه في نهر اليرموك”، واكتشاف بعض “المحددات التشغيلية مثل الفوسفات والكربون العضوي والنيترات والأمونيا” في السابع من آذار/مارس الجاري، حيث عمدت الوزارة إلى إيقاف محطة زي في اليوم التالي، بناء على طلب من وزارة الصحة، بعد ملاحظة ارتفاع نسبة الملوثات في منطقة الشق البارد المقابل لمنطقة المخيبة.

وزارة المياه عمدت إلى إبلاغ الجانب الإسرائيلي في أعقاب إغلاق محطة زي أن “الوضع أصبح مقلقاً جداً”، وقامت بإرسال عينات بناء على طلب الإسرائيليين من طريق مكتب الارتباط العسكري.

بيّن الوزير أن التغيير وصل إلى قمته يوم 11 آذار/مارس، حيث أجرى اتصالاً بوزير البنى التحتية الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر، الذي أبدى استغرابه لهذا التلوث متعهدا بإصلاح الخلل “في فترة بسيطة”، وقامت وزارة المياه بإغلاق نفق العدسية من جهتها. وفي يومي 13 و14 آذار/مارس، ارتفعت نسب التلوث، قبل أن تشهد انخفاضاً ملموساً، حيث قام الجانب الإسرائيلي بضخ 576 ألف متر مكعب، وهي أعلى بكثير من الكمية المتفق عليها في مثل هذا الوقت والتي تقدر بـ 60 ألف متر يوميا، عبر ناقل طبريا.

تأخر الرد الإسرائيلي على استفسارات وزارة المياه عن سبب التلوث، دفع الوزارة إلى طلب تأجيل لقائها بلجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب، الذي كان مقرراً الأحد 21 آذار/مارس، إلى حين استكمال الوثائق الخاصة بالتلوث من الجانب الإسرائيلي، حيث سيتم الخميس 26 آذار/مارس، عقد اجتماع اللجنة التي تعتزم تشكيل لجنة تحقيق في القضية، في حين رحب وزير الدولة لشؤون الاتصال نبيل الشريف بالتعاون مع اللجنة النيابية.

أزمة “القناة” تحولت إلى أزمة سياسية، حيث تعالت أصوات مطالبة بالإطاحة بوزير المياه والري رائد أبو السعود، لوجوده خارج البلاد، بينما تتدفق المياه العادمة من الجانب الإسرائيلي إلى الأردن. كما أعلن النائب وصفي الرواشدة عضو لجنة الزراعة والمياه، نية اللجنة تشكيل لجنة تحقيق في قضية التلوث. رئيسُ تحرير “الغد” موسى برهومة في تعليق له الثلاثاء 23 آذار/مارس، طالب وزيرَ المياه بـ”تقديم استقالته فوراً”، بينما بقيت الانتقادات الموجهة إلى رئيس الحكومة نادر الذهبي أقل حدة مما واجهه الرئيس السابق معروف البخيت، إبان تلوث مياه منشية بني حسن في صيف العام 2006، والهجوم العنيف الذي تعرضت له حكومة عبد السلام المجالي في صيف العام 1997.

بحسب مصدر مطلع في وزارة المياه والري فضّل عدم ذكر اسمه، فإن أبو السعود عقد بعد ساعات من عودته من تركيا مساء الثلاثاء 23 آذار/مارس اجتماعاً مع رئيس الحكومة نادر الذهبي أطلعه فيه على أنه سيقوم بتحقيق في الحادث، وأن الجانب المقصّر سيتحمل تبعات التلوث.

في الوقت نفسه، لم تتمكن وزارة المياه وسلطة وادي الأردن طوال هذه الفترة، من تحديد مصدر التلوث، إلا أن صحيفة “معاريف” الإسرائيلية بينت في تقرير لها الأربعاء 11 آذار/مارس أن “وزارة البيئة الإسرائيلية قامت بعد الفحوصات التي أجرتها وزارة الصحة، بإغلاق شاطئين ملوثين من بحيرة طبريا أمام المتنزهين”، مشيرة إلى وجود “مشكلة حقيقية في منظومة المجاري”.

كانت وزارة المياه اكتفت ببث خبر عن التلوث يوم الخميس 12 آذار/مارس لتعود الثلاثاء 17 آذار/مارس إلى عقد مؤتمر صحفي، أوضح فيه أمين عام سلطة وادي الأردن موسى الجمعاني ملابسات الحادثة. الجمعاني بيّن أن مختبرات وزارة المياه وشركة “مياهنا” أظهرت وجود نسب مرتفعة في المياه من مادتي “الدهون” و”اليوريا”، وهو “سماد كيمائي يُستخدم لنمو الورقيات”، وأوضح الجمعاني أن تلك المواد يتم استخدامها لأغراض زراعية ومنزلية.

في غمرة أحداث التلوث، قام عدد من النواب بجولة على قناة الملك عبدالله، والتقوا عدداً من المزارعين ودونوا ملاحظاتهم حول حادثة التلوث. الجمعاني أطلع النوابَ في أثناء الجولة على “أن محطتين من محطات الإنذار المبكر الخمس العائدة ملكيتها إلى شركة (مياهنا) تعطلت نتيجة الحادث”، مبينا أن سلطة وادي الأردن “ستعمل على تثبيت محطات خاصة بها لقراءة التركيبة الجرثومية والبيئية للمياه”.

غير أن شركة “مياهنا” نفت ملكيتها لمحطات الإنذار المبكر، مبينة أنها تعود لسلطة وادي الأردن، وأضافت أن المحطات “لا تعمل، ولا يمكن الوثوق بقراءتها”.

أوضحت الشركة أن محطات الإنذار تم بناؤها بمنحة من الدنمارك في العام 1998، بعد حادثة تلوث وقعت نتيجة لتسرب مياه غير صالحة للشرب من بحيرة طبريا، إلى شبكات الشرب في عمّان أصيب على أثرها 100 مواطن بحالات تسمم في صيف العام 1997 إبان حكومة عبد السلام المجالي، حيث أقيل وزير المياه في حينها منذر حدادين.

الجمعاني عاد وأكد في 23 آذار/مارس أن وزارة المياه وشركة “مياهنا” وسلطة وادي الأردن، لا تمتلك محطات رصد، وأنها تعتمد على 12 محطة رصد ومتابعة تابعة للجمعية العلمية الملكية، إلا أن أبو السعود أكد خلال المؤتمر الصحفي أن مجرى قناة الملك عبدالله يخضع لـ 14 محطة رصد، يعدّ عملها مكمّلاً لعمل سلطة المياه ووزارة الصحة.

كما شهدت وزارة المياه لاحقاً إقالة الوزير محمد ظافر العالم، ووزير الصحة سعد الخرابشة إبان حكومة معروف البخيت في صيف العام 2006، إثر تلوث مياه في منشية بني حسن أصيب على إثره نحو ألف شخص شخص بحالات تسمم.

في السياق نفسه، طالب وزير المياه الأسبق ظافر العالم الحكومة، برفع دعوى على الجانب الإسرائيلي لاستباحته مياه الأردن وتلويثها والاعتداء عليها.

بيّن العالم في حديث لـ”ے” أن الجانب الإسرائيلي “حرم الأردن من الاستفادة من مياه نهر الأردن، من خلال إسالة مياه أحواض الأسماك والتماسيح، ومياه المجاري، إلى مجرى النهر، فضلاً عن تكرار حوادث الاعتداء البيئي على الأراضي الأردنية في منطقة العقبة، من خلال إسالة المياه العادمة من أحواض الصرف الصحي في منطقة إيلات التي تتكرر كل عام”.

وبيّن العالم أن “المياه العادمة ما زالت تتدفق من أحواض الصرف الصحي التابعة لمنشآت سكنية وصناعية على الجانب الإسرائيلي، قرب مخفر الشق البارد الذي يقع على بعد 3 كم من منطقة المخيبة على الجانب الأردني، المطل على نهر اليرموك، وعلى بعد 7 كلم عن نفق العدسية”.

تقدَّر حصة الأردن من بحيرة طبريا المنصوص عليها بالاتفاقات الموقعة بين الجانبين في العالم 1994 بـ 55 مليون متر مكعب في العام من بحيرة طبريا، يتم توزيعها على دفعتين، حيث يضخ 30 مليون متر مكعب خلال فترة الصيف، و25 مليوناً متر مكعب في فصل الشتاء، في حين يقوم الأردن بتخزين 25 مليون متر مكعب في فصل الشتاء تُحسب ككميات إضافية، إلا أن الأردن لم يخزّن هذا العام سوى أقل من مليون متر مكعب، وقام في العام الماضي بتخزين مليون متر مكعب.

يُذكر أن الجانب الإسرائيلي أكد لوزير المياه والري رائد أبو السعود أنه سيتم “منح الأردن ما يقارب 10 ملايين متر مكعب هذا العام، على أن يتم خصمها في الأعوام المقبلة في حال كان الموسم المطري جيداً”.

حادثة التلوث في مياه نهر اليرموك تحولت إلى عاصفة سياسية، تجلت في المطالبة بإقالة وزير المياه والري أبو السعود الذي أمضى عشرة أيام في أنقرة، شارك خلالها في جلسات مؤتمر المياه العالمي، والتفاوض مع شركة “جاما” التركية المنفذة لمشروع الديسي حول سعر المتر المكعب الذي أُقر في نيسان/إبريل 2008 بـ87 قرشا وربع القرش، إلا أن زيادة مساهمة الحكومة في المشروع من 200 مليون إلى 400 مليون دينار، وانخفاض أسعار الصلب، دفع الحكومة إلى مراجعة التسعيرة.

الضجة السياسية تثور، بعد مضي أقل من شهر على أول تعديل في حكومة نادر الذهبي مع تجدد ثقة الرئيس بالوزير أبو السعود.

إسرائيل تتكتّم على سبب تلوث “اليرموك” وخبراء يطالبون بمقاضاتها
 
19-Mar-2009
 
العدد 68