العدد 68 - ثقافي | ||||||||||||||
عواد علي عود المخرج خالد الطريفي إلى شكسبير مرة أخرى في عرضه الجديد «حلم اسمه ليلة حب»، المُعَدّ عن مسرحية «حلم ليلة صيف». العمل من إنتاج محترف رمال للفنون في عمّان، بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح (مقرها الشارقة). وجاء العرض، الذي قُدّم الأسبوع الجاري على المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي، نتاجاً تطبيقياً لورشة «الجسد وهندسة الفضاء المسرحي» التي نظمها المحترف والهيئة. وجميع المؤدّين فيه هم شبّان وشابات من الهواة. يقوم نص شكسبير على ثلاث حكايات تتوازى وتتلاقى: حكاية الدوق «ثيسيوس» (حاكم أثينا)، الذي يقيم احتفالاً في بلاطه لخطيبته «هيبوليتا»، استعداداً للزواج بها، وحكاية العشاق الأربعة: «هرميا»، و«ليساندر»، و«ديمتريوس»، و«هيلينا»، وحكاية ملك الجن «أوبيرون»، والملكة «تيتانيا»، وتابع الملك أو خادمه «بك»، إضافةً إلى شخصيات أخرى من الحرفيين الفقراء هواة التمثيل، مثل «كوينس»، و«فلوت»، و«بوتم»، الذين يظهرون على هامش الحكاية الأولى. ثمة عقدتان أساسيتيان في الحكاية الثانية والثالثة تتحكمان بالصراع الدرامي، وتكشفان عن ثنائية الحب/ الاستئثار، الأولى: رفض «هرميا» الزواج بـ«ديمتريوس»، لأنها تحب «ليساندر»، فيشكوها والدها ايجوس إلى الحاكم تيسيوس، طالباً منه تنفيذ قانون جائر، معروف في البلاد، يعطى الأب الحق فى طلب إعدام ابنته إن رفضت الزواج بالشخص الذى يرشحه لها. لكن الحاكم، حين يعلم من البنت أنها تحب شاباً آخر اسمه «ليساندر»، وأن صديقتها «هيلينا» تحب «ديمتريوس» القاسي القلب الذي لا يبادلها الحب، يتريث في تنفيذ القانون، ويمنحها مهلة أربعة أيام لتدبر أمرها. وقبل انتهاء المهلة تهرب مع حبيبها، عبر الغابة، إلى حيث تعيش عمته فى مدينة بعيدة لا تطبق هذا القانون، لكن «ديمتريوس» يسمع بخبر رحيلهما، فيجن جنونه ويتتبع أثرهما، وتلحق به «هيلينا» لترده على أعقابه. وفي الغابة تظهر العقدة الثانية، وهي رفض ملكة الجن إعطاء غلام تبنته لزوجها الملك، الذي يريد الاستحواذ عليه وجعله تابعاً له. وتتداخل العقدتان في الغابة عندما يسمع الملك بحكاية ترك «ديمتريوس» لـ«هيلينا» المتيمة به، لتواجه وحوش الغابة وحدها. ولأنه كان شديد العطف على المحبين المخلصين، يتعاطف مع «هيلينا»، ويقرر حل مشكلتها، وإرغام «ديمتريوس» على حبها، بالدواء نفسه الذي قرر أن يحل به مشكلته مع زوجته الملكة، وهذا الدواء السحري هو رحيق الزهرة الأرجوانية، الذي يوضع في عين النائم، وحين يستيقظ سيقع في غرام أول مخلوق تقع عليه عيناه. يكلف الملك تابعه «باك» بإنجاز المهمة، لكن هذا يخطئ فيضع الدواء في عين «ليساندر» بدلاً من عين «ديمتريوس»، وتحصل بسبب ذلك مفارقات كوميدية في غاية الطرافة. أما الملكة فإنها حين تستيقظ ترى حماراً، فتقع في غرامه، وتأمر بعض الجنيات من وصيفاتها بأن يخدمنه. وهو في الحقيقة قروي بسيط حوّل الملك رأسه إلى رأس حمار، ليوقع زوجته في موقف محرج (تخونه مع حمار؟) ويساومها على أخذ الغلام منها. وإذ ينجح في تحقيق مأربه يشفق عليها ويأمر تابعه بإزالة مفعول الرحيق عنها، وتصحيح الخطأ الذي ارتكبه مع العشاق، ليعود الوفاق بينه وبينها، ويتحقق حلم «ليساندر» و«هرميا» بالزواج، واستجابة «ديمتريوس» لنداء قلب«هيلينا». رغم أن الطريفي حافظ على هاتين العقدتين في نص شكسبير، إلا أنه أجرى تعديلات إطارية شكلية على عالم الحكايات الثلاث ليضفي نكهة معاصرة عليها، فغيّر أسماء بعض الشخصيات بأسماء عربية. ومزج أحياناً بين الاسم الأصلي للشخصية، والاسم العربي الذي منحه لها، بهدف تعويمها، وتأكيد اللعبة المسرحية ليس إلاّ. هذا الإعداد الدراماتورجي للنص، يشبه إلى حد ما، الإعداد الذي قام به الكاتب المصري سيد رجب للنص نفسه في العرض الذي أخرجته السويدية إيفا برجمان، وقُدّم في الاسكندرية قبل بضع سنوات، حيث حوّل الدوق إلى «باشا» أيضاً، وأعطى الشخصيات الأخرى أسماءً عربية، وهجّن الحوار الشكسبيري بلهجات محكية عديدة (مصرية، لبنانية، مغربية، وفلسطينية)، في حين اكتفى الطريفي بثلاث لهجات (الأردنية، المصرية، والبدوية)، وقدّم كل مشاهد المسرحية في فضاء واحد على شكل حلقة، أو دائرة مغلقة، من دون كواليس، ملأها بمقاعد صغيرة (ستولات) يستخدمها الممثلون في جلوسهم، وفي تبديل ملابسهم على مرأى من المتلقين، ويغيرون مواقعها حسب مقتضيات كل مشهد، في سياق تمثّله لجماليات الفرجة وتقاليد مسرح الحلقة التي تبرز الطابع «اللعبي» والاحتفالي للعرض، وهو سياق مغرم به الطريفي منذ نحو ربع قرن. ولذلك فإنه ما إن يُعلَن عن تجربة إخراجية جديدة له، سواء أكانت من تأليفه أم من المسرح العالمي، حتى نقبل عليها متوقعين الصيغ والأشكال والتضمينات الفنية التي عوّدنا عليها في تجاربه السابقة. |
|
|||||||||||||