العدد 69 - أردني
 

حسين أبو رمان

رغم فيض الكتابات والتعليقات الصحفية والتصريحات الرسمية، بخصوص مشروع الأقاليم التنموية، ما زالت الصورة ضبابية عند القطاع الأوسط ليس فقط من عامة الناس، وإنما حتى من القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية.

لكن تبني الحكومة رسمياً لتوصيات اللجنة الملكية للأقاليم، حتى مع تأجيل التنفيذ لحساب الشروع في مخطط تدرّجي لإرساء أسس اللامركزية بدءاً من محافظة مادبا، يدفع الأمور باتجاه مزيد من الوضوح، وهذا يرسي قاعدة للحوار الوطني حول المشروع. لكن هذا الحوار عُرضة لأن يبقى «حوار طرشان»، إذا لم يتم تأطيره ضمن مسارات عملية، كدعوة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لتقديم تصوراتها ومقترحاتها إلى وزارة التنمية السياسية ،التي يتعين عليها أن تضع الرأي العام في صورة الاجتهادات الرئيسية التي تصلها، وذلك تمهيداً لعقد مؤتمر وطني تمثيلي لاختيار الصيغة التي يتم التوافق حولها.

في هذا السياق، فإن زج مشروع الأقاليم على مستوى توصيات اللجنة الملكية، أو على مستوى المخطط الحكومي ضمن منظور نظرية المؤامرة، قد تراجع، وإن بقيت أصوات قليلة ترهن موقفها إلى تقديرات ذاتية، كما يفعل حزب البعث (الاتجاه العراقي) الذي وجّه مذكرة لرئيس الوزراء نادر الذهبي، أعلن فيها رفض طروحات مشروع تقسيم المملكة إلى أقاليم في هذه المرحلة، من منطلق أنه «يثير التساؤلات والشكوك»، دون أن يقدم أكثر من الادعاء بأنه يعتبر المشروع إيجابياً «من حيث المبدأ لو كانت المنطلقات ذاتية، وبعيدة عن مجمل الأوضاع والسياسات الدولية، ومنزهة عن المخططات والأفكار التي تحاك وتدبر هنا وهناك في الدهاليز والمعابر».

تأطير الحوار الوطني بشأن مشروع الأقاليم يكتسب أهميته من تعدد الاجتهادات بما يتعلق بالمشروع سواء من حيث شكل الأقاليم ومعايير تشكليها، وبالتالي وظائفها وصلاحياتها، أو من حيث نظام الانتخاب الذي سيتم بموجبه انتخاب مجلس الإقليم.

فعلى صعيد النظام الانتخابي المقترح للأقاليم، فهناك المقترح الذي أوصت به اللجنة الملكية للأقاليم، ومفاده أن مجلس الإقليم يضم أربع محافظات (باستثناء العاصمة في إقليم الوسط)، تتمثل كل محافظة بعشرة مندوبين، إضافة إلى مندوب تعينه الحكومة عن كل محافظة، ولهذا الغرض يتم تقسيم كل محافظة إلى عشر دوائر انتخابية لكل دائرة ممثل واحد.

هذا النظام الانتخابي إذا تم التمسك به، سيكون أسوأ نظام انتخابي يعرفه الأردن، لأن مآله الحقيقي «غير تنموي»، إذ سوف يتجه إلى انتخاب «مخاتير حارات» بقوة نفوذ العشيرة أو أحد أفخاذها. وهذا النظام معادٍ بامتياز للأحزاب السياسية، لأنه يفرض على الحزب أن يخضع لمنطق العشيرة. ولهذا فإن أحزاباً عديدة سجّلت اعتراضها عليه، واقترحت نظام القائمة النسبية بديلاً عنه.

الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي «حشد»، أحمد يوسف رحّب بمشروع الأقاليم، معتبراً إياه «خطوة إلى الأمام، يمكن أن تفضي إلى إصلاح سياسي جاد»، موضحاً أن حزبه يؤيد فكرة إجراء انتخابات الأقاليم بـ«التمثيل النسبي الكامل»، على أساس برامج ملموسة تعبر عن طموحات الناس في التغيير والمشاركة، لافتاً إلى أن «حشد» ليس ضد فكرة التدرج في التطبيق من حيث المبدأ، لكنه اعتبر أن صيغة التدرج التي تنطلق من تفعيل اللجنة الاستشارية المعينة في المحافظة، تعدّ «قفزة في الهواء»، مقترحاً أن يتم تشكيل اللجنة الاستشارية بالانتخاب، لضمان تمثيل أوسع فئات المجتمع إلى جانب الأحزاب السياسية.

الأمين العام لحزب «الرسالة» حازم قشوع، أيّد من جهته مشروع الأقاليم، مؤكداً على أهدافه في توزيع مكتسبات التنمية، وتوسيع المشاركة الشعبية ودعم المناخات الديمقراطية في المملكة. ودعا قشوع إلى اعتماد القائمة النسبية المستندة إلى برنامج عمل وفريق يحمل هذا البرنامج في انتخاب مجالس الأقاليم، لافتاً إلى أنه بغير ذلك ستقود الانتخابات إلى اختيار ممثلي حارات. وحاجج قشوع في أن الأحزاب السياسية البرنامجية هي الأقدر على تلبية متطلبات النهوض بمشروع الأقاليم التنموية، مشدداً على أن «مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها الأحزاب السياسية والقوانين الديمقراطية الناظمة للحياة العامة، هي الوسائل التي لا غنى عنها لترجمة برنامج الأقاليم على الأرض».

القلق من نظام الانتخاب الفردي لدوائر «مكروسكوبية»، المقترح من اللجنة الملكية، وأكد عليه رئيس الوزراء نادر الذهبي، لا يقتصر على الأحزاب، فهو قلق عام يستشعره كل الحريصين على النهوض بالحياة العامة وتقدم الأردن.

كذلك فإن ما أوصت به اللجنة الملكية بما يتعلق بتشكيلة الأقاليم، ربما يستحسن أن يكون اجتهاد مثل أي اجتهاد آخر، على أن تخضع جميع هذه الاجتهادات للتمحيص.

وها هو عضو اللجنة الملكية للأقاليم التنموية النائب عبدالرؤوف الروابدة، يقترح في محاضرة له (الرأي 24/3)، ضرورة طرح مشروع الأقاليم الثلاثة للنقاش العام لضمان نجاحه و«اشراك المواطنين في اتخاذ القرار بشأنه» معرباً عن قناعته أن الصيغة الحالية للمشروع «بحاجة إلى تطوير في العديد من جوانبها ومسمياتها».

في هذا الإطار، انحاز النائب «العتيق» بسام حدادين، إلى فكرة «اعتماد المحافظات القائمة وحدات تنموية مستقلة»، وأبرز مقترحاً جديداً بديلاً للمقترح الرسمي، وهو تشكيل أقاليم تنموية على أساس هدف تنموي جامع بين محافظات أو مناطق محددة، من أجل تشكيل إقليم سياحي مثلاً أو إقليم زراعي (الغد 14/3)، موضحاً أن «سياسيين من التيار الديمقراطي» يدعمون هذه الأفكار. أما بما يخص تشكيل مجالس المحافظات، فقد اقترح حدادين «طريقة التمثيل النسبي للقوائم في تشكيل مجالس المحافظات»، معتبراً أنها الطريق الأكثر عدالة تمثيلياً، والأبعد عن الصفقات الانتخابية بين العشائر النافذة، على حساب العشائر أو التجمعات الصغيرة والأقل تأثيراً.

تقاطع في الرأي مع حدادين، رئيس بلدية إربد السابق وليد المصري ، الذي عدّ تشكيل الأقاليم حسب الموارد التنموية المتاحة في كل منطقة، يتيح تشكيل إقليم سياحي، وآخر لمنطقة الأغوار على أن تتحدد صلاحية الإقليم بعملية التخطيط الشمولي وليس باتخاذ القرار. بهذا المعنى يمكن أن تكون منطقة جغرافية ما ،جزءاً من عدة أقاليم تنموية بالنظر إلى تنوع مواردها. ويرى المصري أن مشروع الأقاليم المقترح يتعارض في مضامينه مع التوجيهات الملكية، بشأن مشاركة المواطنين وتعزيز الديمقراطية ومراقبة أداء الأجهزة الرسمية وإنشاء المناطق التنموية، متسائلاً :كيف يتسق ذلك مع استثناء العاصمة عمان من الأقاليم، وهي التي تمثل نحو أربعين بالمئة من سكان المملكة؟!.

وانتقد المصري بشدة تمثيل جميع المحافظات بالعدد نفسه من الممثلين (عشرة) ،من منطلق تعارضه مع التمثيل الديمقراطي السليم. ولفت الانتباه إلى أن جزءاً كبيراً من المناطق التنموية في المملكة باتت لها أوضاعها الخاصة من العقبة الاقتصادية إلى البتراء فالمناطق التنموية في إربد والمفرق ومعان، هذا علاوة على المناطق الاقتصادية المؤهلة، متسائلاً: ماذا يبقى للأقاليم التنموية؟.

بهذا تنصب معارضة البعض لمشروع الأقاليم الثلاثة، على تشكيل الإقليم بحد ذاته، ويطرح هؤلاء بديلاً هو المحافظة وحدة تنموية أو الإقليم التنموي العابر للمحافظات، ومن المتحمسين لهذه البدائل وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة والكاتبان فهد الخيطان وطارق مصاروة. وهناك معارضون للنظام الانتخابي للأقاليم الثلاثة، الذي يقسم المحافظة الواحدة إلى عشر دوائر، ولا يقتصر معارضو هذا النظام على أحزاب وفعاليات سياسية ونيابية، وصف واسع من الكتاب، ويقترح هؤلاء بديلاً لهذا النظام يستند إلى القائمة النسبية مثل، جميل النمري في «الغد»، وفهد الخيطان في «العرب اليوم»، وكاتب هذه السطور في «السجل».

نظامه الانتخابي يفرز “مخاتير حارات” مشروع الأقاليم: الحاجة لتأطير حوار وطني حوله
 
26-Mar-2009
 
العدد 69